مخاطر المفاوضات السورية – الإسرائيلية في السياقات الإقليمية والدولية الراهنة
نايف سلّوم
الجولان جزء غال من القطر السوري ، وإعادته إلى السيادة السورية أمر حيوي وهام .
لكن المخاطر تظهر في حالة كهذه: أن يعاد الجولان من جهة ليتسلل المشروع الأميركي الصهيوني الشرق أوسطي الجديد إلى كامل المنطقة من الجهة الأخرى ، عازلاً إيران وممهداً لها بضربة عسكرية ومفككاً المقاومات العربية في فلسطين ولبنان والعراق. إن حالة كهذه لا تشكل السياق المواتي على المستويين الإقليمي والدولي .
لقد تم التنبه إلى هذه المسألة من قبل السوريين، عندما جرى التأكيد على أن انجاز أي تسوية مع إسرائيل غير مرتبط بفك العلاقة الإستراتيجية مع إيران ، تماماً كما أن تسوية إسرائيلية مع سوريا لا تعني فك ارتباط الكيان الصهيوني بالولايات المتحدة كحليف استراتيجي . لقد كان هذا الكلام أساسياً للإفلات من السياقات غير المواتية.
في السياقات غير المواتية على المستويين الإقليمي والدولي يفقد الجولان دوره كرافعة لنضال أكثر ديمومة وأكثر إستراتيجية؛ هو النضال ضد المشروع الأميركي الصهيوني الذي كان احتلال فلسطين ومن ثم الجولان من نتائجه المأساوية. فعودة صحراء سيناء لم تنه الصراع العربي الصهيوني ، ولم تحبط الغزو الأميركي المباشر الجديد للمنطقة العربية. كذلك الأمر فإن استعادة الجولان في سياق الغزو الأميركي الجديد للمنطقة لن يمنع تحقق الجانب السياسي من المشروع الأميركي؛ وهو إعادة إنتاج النظم العربية الحاكمة والمسيطرة كنظم كولونيالية- طائفية ، وقد يكون الهدف الإسرائيلي الأميركي محاولة تحييد سوريا لفتح الباب واسعاً أمام تحقق المشروع الأميركي الصهيوني للشرق الأوسط، ذلك لأن سوريا تشكل أحد المعرقلات الأساسية أمام اندفاعه الهائج.
إن “الحصار” الذي تعاني منه سوريا وإيران ومعهما المقاومة العربية في فلسطين ولبنان والعراق هو “حصار” تقوم به نظم عربية ملحقة بالمشروع الأميركي الصهيوني. و هذه النظم جزء عضوي من الأدوات الإقليمية لهذا المشروع. والنظم هذه ليست بالشرعية وليس لها مستقبل بالمعنى الاستراتيجي والشعبي .
يجب ألا تقود استعادة الجولان في هذه الشروط وفي هذه السياقات إلى خسارة الموقف السوري، بالتالي خسارة المنطقة العربية لأحد روافع العمل المقاوم في وجه الغزو الأميركي الجديد ، وألا تعني هذه الاستعادة فتح الطريق معبداً أمام المشروع الأميركي للشرق الأوسط “الكبير والجديد”
لقد جربت الولايات المتحدة الأميركية اللعب على محور التسوية الفلسطينية –الإسرائيلية عبر إلحاق السلطة الفلسطينية بها ، فلم تجن سوى مزيد من القوة والثبات لحركة حماس والجهاد وللمقاومة الفلسطينية عموماً . ودعمت بشكل سافر السلطة اللبنانية القائمة ولم تجن سوى المزيد من القوة لمعارضيها اللبنانيين . والآن تحاول اللعب على الحلقة السورية. وهي تهدف من كل ذلك إلى إضعاف إيران ودحرها كداعمة للمقاومة العربية بجميع أشكالها.
إسرائيل ترنو إلى إيران وتمسك الجولان بيدها، وعلى المفاوض السوري أن يرمق الجولان بطرف العين وأن يمعن النظر في المشروع الأميركي الصهيوني للشرق الأوسط .
إن فكرة “تقليل الحاجة السورية إلى إيران” المطروحة إسرائيلياً هي فكرة خبيثة ومفخخة الهدف منها ليس إضعاف إيران ولا تقوية سوريا لتخف حاجتها إلى إيران ، بل الهدف الأساسي هو الاستيلاء الأميركي الإمبريالي على الشرق الأوسط واستعباد شعوبه ونهب خيراته ، وعذراً إذا كنا قد استعملنا لفظة “النهب” التقليدية !
إننا نقول مع أحد الصحفيين الفطنين: “إن قوة موقع سوريا المعرقل للمشروع الأميركي للشرق الأوسط هي في ترابط الملفات لا في تقطيع أوصالها”.
لقد جاء اتفاق القوى اللبنانية المتصارعة (اتفاق الدوحة) نتيجة طبيعية لخسارة الإمبريالية الأميركية وحلفائها المحليين والإقليميين جولة الصراع الأولى ، لكن الحرب الأميركية العدوانية على المنطقة ما تزال مستمرة وإن بأشكال تأخذ أحياناً نغمة التسوية والمصالحة . و إذا كانت المفاوضات الحالية غير المباشرة بين سوريا وإسرائيل هي تكتيك سوري لكسب الوقت ولكسب “الشرعية الدولية” حتى نهاية ولاية بوش فهذا أمر آخر ليس في نيتنا مناقشته أو المضاربة عليه. لكننا نريد التنويه إلى مسألة باتت ملحة في الفكر السياسي العربي عامة والسوري خاصة؛ وهي فكرة التناقض الرئيسي وما يترتب عليه من شكل انطلاقة التحليل السياسي لوضع بعينه . نحن نقول أن المشروع الأميركي للشرق الأوسط هو أساس كل تحليل، أي على كل تحليل سياسي أن ينطلق من هنا ، وهذا يعني أن تشخيص وضع النظام السوري يأتي من هذا الموقع . هكذا ومن هذا الموقع يأخذ النظام السوري طابعاً مزدوجاً: الأول ، النظام لذاته (أي في علاقته مع الآخر المسيطر)؛ هذا الموقع هو موقع المعرقل للمشروع الأميركي؛ هو موقعه في الصراع ضد المشروع الأميركي للشرق الأوسط ، ونحن نثمّن هذا الموقع أو البعد لجهة التناقض المسيطر في التحليل .
والثاني، طبيعة النظام في ذاته؛ أي طبيعة النظام الاجتماعية أو طبيعته الداخلية بالذات وهي طبيعة رخوة بما يتعلق باحتياجات ومتطلبات البعد الأول الذي هو مواجهة المشروع الأميركي ، ذلك أن النظام يميل أكثر فأكثر تحت وقع الضغط الإمبريالي المستمر باتجاه الليبرالية الجديدة والمشروع الخاص ، بالتالي يأخذ من الناحية الطبقية سمة رأسمالية تميل للاندماج بالاقتصاد العالمي الرأسمالي، ويميل أكثر لأن يكون ملحقاً بهذا النظام العالمي . إن الابتعاد أكثر فأكثر وإن يكن ببطء عن السياسات الشعبية تجعل البعد الأول للنظام؛ أي موقعه في الصراع ضد المشروع الأميركي في حالة تراخي.
على قوى اليسار الماركسي في سوريا أن تعمل باستمرار لتعزيز البعد الأول وذلك عبر نقد طبيعة النظام والضغط السياسي والمطلبي باتجاه تعزيز الميول الشعبية التي باتت ضعيفة . نعم ، ننتقد بقوة البعد الثاني وذلك بعكس أحزاب “الجبهة الوطنية التقدمية” في سوريا من الشيوعيين الرسميين الذي ثمنوا البعد المعرقل للمشروع الأميركي، لكنهم سكتوا عن التحولات في طبيعة النظام الاجتماعية وعن ميله المتنامي باتجاه الاندماج بالنظام الإمبريالي الرأسمالي .
يسود في التحليل السياسي السوري عيب شائع مفاده: الانطلاق في التحليل السياسي ودوماً ومهما كانت المسألة من النظام باتجاه الأبعاد الأخرى ، وهذا باعتقادي أمر خاطئ تماماً . وهذا العيب هو ما يجعل من السياسة المعارضة في سورية مجموعة من ردات الفعل السلبية تجاه حركة النظام وتكتيكاته، فإذا اتجه النظام شرقاً كان الغرب هو الصواب، وإذا غرّب النظام كان الشرق هو المطلوب من وجهة النظر المعارضة . لقد ظهر هذا العيب في التفكير السياسي للمعارضة السورية خاصة في إعلان دمشق ، وكأنه نزعة ثأرية تجاه النظام . وهي مميتة لكل عمل سياسي فعال ديمقراطي- وطني.
خاص – صفحات سورية –