التفاوض السوري الإسرائيلي

الجولان مقابل إيران، لبنان مقابل حزب الله

null
رنده حيدر
مع كل جولة مفاوضات جديدة بين اسرائيل وسوريا، تتضح أكثر فاكثر الأبعاد الإقليمية لهذه المفاوضات التي على ما يبدو ليس هدفها الأساسي فقط استعادة سوريا للجولان حتى آخر شبر، والتوقيع على اتفاقية سلام وتطبيع العلاقات بين اسرائيل وسوريا، وانما تغيير وجهة التحالفات العسكرية والتوازنات السياسية القائمة حالياً في المنطقة.
لقد تغيرت الشعارات السابقة لجولات التفاوض بين الطرفين مثل “الأرض مقابل السلام” و”حجم السلام يوازي عمق الانسحاب” لتحل محلها اليوم شعارات أخرى يمكن أن نتلمسها في ما يكتبه الاسرائيليون عن هذه المفاوضات، وما يصرح به المسؤولون السياسيون والعسكريون الاسرائيليون عنها من نوع: اعادة الجولان الى سوريا مقابل تخليها عن تحالفها العسكري مع ايران؛ والقبول بعودة النفوذ السوري من جديد الى لبنان مقابل قيام سوريا بدور الكابح لـ”حزب الله” وقوته العسكرية المتزايدة.
الراهن حالياً في اسرائيل أن أهم خطر استراتيجي يتربص بها خلال هذا العام هو الخطر الإيراني، والتحالف الاستراتيجي والعسكري الذي يجمع بين ايران وسوريا و”حماس” و”حزب الله” المدعوم من الخارج من جبهة الجهاد العالمي المعادية لإسرائيل والولايات المتحدة. وليس من باب المفارقة ان يتواتر الحديث عن احتمال توجيه ضربة عسكرية اسرائيلية لإيران مع تقدم المحادثات غير المباشرة بين سوريا واسرائيل. ورغم عدم انتقال هذه المحادثات حتى الآن الى مستوى تمثيلي أعلى وكونها ما زالت تجري عبر الأتراك، الا أنها تعزز وجهة النظر الإسرائيلية التي تؤيد السلام مع سوريا وتعتبره الفرصة لإبعاد نشوب حرب شاملة، والسبيل الى فتح الطريق البري أمام اسرائيل نحو اوروبا عبر تركيا، ولإضعاف قدرة الفلسطينيين على المناورة عند البدء بمحادثات الحل الدائم.
لكن الهدف الأكثر إلحاحاً بالنسبة للإسرائيليين هو اقناع السوريين بالوقوف على الحياد في حال تعرض أحدى المنشآت الايرانية النووية لضربة عسكرية اسرائيلية. صحيح أن هذا لن يحول دون قيام “حزب الله” بقصف الجبهة الداخلية لإسرائيل بالصواريخ رداً على اي هجوم اسرائيلي يستهدف ايران، لكن ما ينتظره الاسرائيليون ثمرة لمفاوضاتهم هو أن تمتنع سوريا عن تقديم الدعم اللوجستي للحزب كما سبق وفعلت في حرب تموز عام 2006. وما يمكن أن تربحه سوريا من التخلي عن حلفها مع طهران بدأت تباشيره في الظهور منذ الآن بدءاً من فك العزلة الدولية التي كانت تعانيها واستقبال الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي للرئيس بشار الأسد خلال الاسبوعين المقبلين، وخروج سوريا البطيء ولكن التدريجي من دائرة “الدول المحرضة على الإرهاب” و”المنتمية الى محور الشر”، على أمل ان تستعيد علاقاتها الطبيعية مع الولايات المتحدة مع ذهاب ادارة جورج بوش ومجيء ادارة اميركية جديدة. وفي اعتقاد أكثر من مسؤول اسرائيلي أن الفائدة التي قد تجنيها سوريا من الابتعاد عن تحالفها مع طهران أكبر من بقائها ضمن هذا المحور الذي يجمعها مع تنظيمات اسلامية راديكالية أصولية على نزاع كبير معها داخل سوريا نفسها. ناهيك بأن سوريا لا تشاطر ايران نظرتها الداعية للقضاء على اسرائيل ومحوها عن الخريطة.
النقطة الأساسية في التقاء المصالح الاسرائيلي – السوري هو لبنان. ويبدو جلياً مما تنشره مراكز الأبحاث الاسرائيلية أن اسرائيل بعكس الأميركيين كانت تفضل بقاء النفوذ السوري في لبنان على انتصار “ثورة الأرز” واخراج القوات السورية من هناك. ففي رأي اسرائيل لا فائدة ترتجى من حكومة فؤاد السنيورة لأن لا سلطة لحكومته على “حزب الله”، من هنا لا تمانع اسرائيل عودة النفوذ السوري الى لبنان مقابل دور سوري كابح لهذا الحزب وضابط لقوته العسكرية داخل الاراضي اللبنانية. ويلتقي هذا مع مصلحة سوريا التي ترغب في استعادة دورها السابق في لبنان بواسطة “حزب الله”، ولا تريد تدخلاً اسرائيلياً في المسار القائم حالياً للسيطرة السياسية الكاملة لـ”حزب الله” على لبنان وضمان عودة النفوذ السوري من جديد الى هذا البلد، مقابل ضبط سلاح هذا الحزب.
واذا ما كان التوصل الى اتفاق سلام بين سوريا واسرائيل يبدو بعيداً اليوم، فإن الاهداف الاستراتيجية لتغيير موازين القوى في المنطقة تتقدم بصورة ملموسة.
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى