صفحات سورية

من تدمر المؤسس الى صيدنايا الوريث رحلة مستمرة طالما استمر الشعب مغيباً

null
فريد حداد
برهان جديد , على استخفاف السلطة السورية بمصير الوطن , وحقوق المواطن , يأتي من سجن صيدنايا العسكري اليوم , كما أتى بالأمس من سجن تدمر العسكري . فمن تََنَكَّر لانتماء لواء اسكندرون للوطن , وشطبه من خارطته ثمناً لدعم تركي لاستمرار النظام . ووضع مسألة إعادة الجولان الى الوطن الأم في آخر أهتماماته كما يشهد عليه مفاوضيه ( الأسرائيليون ) . وتجاهل لأكثر من عشرين عاماً مصير مقاومي الجولان في سجون الأحتلال . وزج بخيرة النساء والرجال السوريين في غياهب سجونه لسنوات وسنوات طوال . وأغتال خيرة الرجال في سورية ولبنان وفلسطين. ودمّر مدناً فوق رؤوس ساكنيها في حماه وطرابلس وتل الزعتر . لايصعب على نظام كهذا , أن يقتل ألوفاً أخرى من المعتقلين , خاصة ان جزءاً كبيراً منهم لايعترف النظام أصلاً بوجودهم في سجونه , ومنهم نسبة لايُستهان بها من المواطنين العرب .
شيء واحد وحيد كان أتفه من البيان الذي أصدرته وزارة الداخلية السورية , والذي نشرته وكالة أنباء سانا, حول أحداث سجن صيدنايا , وهو , العقل الذي يُدير شؤون هذا النظام وماكينة دعايته . وبحسب البيان , فعلى الناس أن تقتنع بأن بعض السجناء الأرهابيين ( وهنا بيت القصيد ) قد اعتدوا على زملاء لهم أثناء قيام الإدارة بجولة تفتيشية على الغرف. لماذا؟؟؟ الله أعلم . ولماذا يتم الأعتداء أثناء التفتيش ؟؟؟ ايضاً الله أعلم . ما علاقة تفتيش الإدارة باعتداء السجناء على بعضهم ؟؟؟؟ الله أعلم . ألم يكن من الأجدى لهؤلاء ( الأرهابيين ) أن يعتدوا على رجال الإدارة نفسها بدل الأعتداء على بعضهم طالما انهم أرهابيون بحسب البيان ؟؟؟ كله في علم الغيب بالنسبة لبيان وزارة الداخلية .
لاتتوقف سخافة وديماغوجيا النظام عند هذا الحد في البيان , ( فسجين ) أتصل بقناة الحرة ليقول ” نحن هنا كلنا ممن كنا ذاهبين الى العراق لقتل الأمريكان , أو ممن كانوا عائدين من العراق ” فلو كان هذا المتصل صادقاً , وهو حقيقة سجين ولايتقمص هذا الدور , فلماذا لم يتصل بقناة المنار, عسى أن يتلقى بعض الدعم والتعاطف من مشاهديها ؟ لماذا قرر الأتصال بقناة أمريكية , ويحدد من خلالها ( اي القناة ) ( هوية ) السجناء باعتبارهم ذاهبين الى العراق لقتل الأمريكان او عائدين من قتل الأمريكان ؟؟ هل هو سجين فعلاً؟؟؟….. أم أن الذكاء الغبي للنظام , دفع بأحد عناصره ليجري هذا الأتصال , بغرض الحصول على ما كان يحصل عليه النظام في السابق , من صمت و تغطية ومباركة أمريكية لذبح هؤلاء السجناء ؟؟.
للسجون في دول العالم مهمتان فقط , وهما , إما لمعاقبة مخالفي القوانين , أو لحماية المجتمع من مجرمين عتاة, بعزلهم في السجون . وفي كلا الحالتين يتم حجز حرية هؤلاء في السجن , بحكم أو بأمر صادر عن جهة قضائية مستقلة .
الا في سورية , وفي دول شبيهة , محكومة من قِبل أنظمة فاسدة ومستبدة على غرار نظامها , فالسجون بُنيت لتكون مؤسسة عاملة الى جانب مؤسسات سلطوية أخرى , على اعادة تكوين الفرد وبالتالي المجتمع , فتعمل على تحطيم إرادة الأنسان , وسحق آدميته , وتحويله الى مسخ يقتات على فضلات موائد الحاكم , وتحويل المجتمع الى جيش من العبيد , يُسخّر في الليل والنهار لخدمة نزوات الحاكم الدنيئة , ونزوات عائلته وحاشيته .
فكل من مر على واحد من سجون النظام في سورية , يعرف هذه الحقيقة . ويعرف ان , التجويع , والتعطيش , والمنع من النوم , والمنع من استعمال الحمامات , والعزلة الكاملة عن العالم الخارجي , واحياناً حتى عن السجناء الآخرين , والتعذيب المستمر من دون مواعيد محددة , بهدف جعل السجين يعيش وبشكل دائم وعلى مدار الزمن الذي سيقضيه في السجن سواء شهر واحد او عشرون عاماً , في حالة ترقب وخوف وزعر بان التعذيب والأذلال قادم في اية لحظة مقبلة , مما يؤدي مع الزمن الى شلل جهازه العصبي وتدمير قابليته للمقاومة . كذلك شتم الذات الإلهية , والمقدسات , والكتب السماوية . كذلك شتم الأعراض , والتهديد بانتهاكها . كل ذلك يشكل أدوات أنتاج يستعملها النظام في عملية إعادة أنتاج ذلك المخلوق المسمى مواطناً, أو معارضاً , أو مثقفاً .
ولذلك فإن الأخبار القادمة من سجن صيدنايا العسكري , عن تمرد قام به السجناء ضد جلاديهم , ليست بالأخبار الغريبة أو المفاجئة على من عنده بعض المعلومات عما يجري هناك وراء الجدران . بل هي مناسبة لنقف خاشعين إجلالاً لعذابات هؤلاء الرجال , ومناسبة للفخر برجولتهم التي رفضت التدجين عبر سنوات طوال من السجن والعزل والتعذيب , والتي واجهت رصاص المجرمين خريجي مدارس حافظ وبشار الأسد , بصدور عارية لاتحميها الا حبها للحياة , ورفضها للتدجين .
إن مسعى النظام لتصوير سجناء صيدنايا بانهم أرهابيين , للإيحاء بأن ماقاموا به من تمرد هوجزء من طبيعتهم , أو تكوينهم النفسي الأرهابي , هو مسعى فاشل ومردود عليه . لأن سجناء صيدنايا هم سجناء رأي مسالمون , ولا أدل على مسالمتهم أكثر من تسليمهم للسلاح الذي أستولوا عليه من رهائنهم جلادي السجن , وعدم استعماله , وأفراجهم أيضاً عن الجلادين , رهائنهم , اللذين ساموهم ُمّر العذاب , سالمين من دون أذى .
إن الآلام التي يعاني منها السجناء في سجن صيدنايا وغيره من السجون في سورية , بالأضافة الى ماذكرناه سابقاً عن المعاملة داخل السجن , تأتي بسبب التوقيفات الطويلة الأمد من دون محاكمة , بموجب قانون الطوارئ والأحكام العرفية السارية المفعول منذ عام 1963 , أي من دون معرفة نهاية لهذا الجحيم , وبالتالي الحياة داخل الجحيم من دون أمل. كذلك الأحكام القرقوشية التي تصدر على البعض من محاكم غير دستورية . هي الأسباب الحقيقية التي تقف وراء أنتفاضة سجناء سجن صيدنايا , وهي نفسها ستكون الأسباب وراء أنتفاضات لاحقة في نفس السجن و سجون أخرى .
إنني أناشد الأمم المتحدة ممثلة بهيئاتها المختصة , كما لجان حقوق الأنسان الدولية والعربية والمحلية , العمل على حماية حياة السجناء في سورية , وحماية حقوقهم , وفي مقدمة هذه الحقوق , الأفراج الفوري عنهم , أو تقديمهم فوراً الى محاكم مدنية عادلة وعلنية , تتحقق فيها كل الشروط الدولية للنزاهة , وفي مقدمتها وجود قضاة حياديين ونزيهين . كما وحماية عائلاتهم من ردود الفعل الأنتقامية لأجهزة النظام . على الرغم من قناعاتنا بأن الحماية الوحيدة الفعالة للسجناء وأسرهم , هي الحماية التي تأتي من عودة الشعب السوري الى ساحة الفعل السياسي , ومسك زمام أموره بيده حاضرا ومستقبلاً , وذلك عبر العمل السياسي الديمقراطي السلمي المنظم في صفوف أحزاب المعارضة الديمقراطية المنضوية بتحالف تحت يافطة أعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي , والعمل المنظم المشترك بين الجميع لإجراء التغيير الديمقراطي الضروري في حياة البلاد من أجل وضع سورية على سكة التطور الطبيعي كباقي شعوب الأرض المتحضرة .
الحوار المتمدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى