الأسد في فرنسا والرهان على فك التحالف مع إيران
عمر كوش
اعتبر الرئيس بشار الأسد، في حديثه لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية، أن زيارته إلى العاصمة الفرنسية اليوم ستكون زيارة مهمة وتاريخية، وأعرب عن أمله بأن تضطلع فرنسا بدور كبير في عملية السلام في الشرق الأوسط، وتساعد الولايات المتحدة الأميركية على فهم المنطقة بشكل أفضل.
وتأتي الزيارة كي تتوج الانفتاح الفرنسي على سورية الذي تزامن مع التوصل إلى «اتفاق الدوحة» بين الأطراف السياسية اللبنانية، وكي تنهي التوتر والتوقف الذي شهدته العلاقات السورية- الفرنسية، على خلفية الوضع المتأزم في لبنان والمنطقة. لكن الزيارة تكتسب أهميتها من ارتباطها بقمة «الاتحاد من أجل المتوسط» التي ستلتئم في باريس غداً، والتي سيحضرها أكثر من أربعين رئيس دولة وحكومة، حيث يعتبر الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أن مشروعه المتوسطي من أهم المشروعات السياسية التي يرعاها، ويريد لها النجاح، ويعلّق آمالاً كبيرة عليه، نظراً لأنه يعتبر منطقة البحر الأبيض المتوسط منطقة أوروبية، ذات نفوذ فرنسي قبل كل شيء، وليست منطقة نفوذ أميركي. وكان هذا المشروع يشكل هاجساً حقيقياً بالنسبة إليه، منذ خوضه حملة انتخابات الرئاسة الفرنسية، وبعد وصوله إلى قصر الإليزيه، بدأت سياسته الخارجية تتمحور بشكل أساسي في اتجاه تحقيق هذا المشروع.
وعلى الرغم من مركزية المسألة اللبنانية في العلاقات بين القيادتين السياسيتين في فرنسا وسورية، فإن أهداف ساركوزي المتعلقة بإعادة بناء العلاقة مع سورية أبعد من الوضع في لبنان وأوسع نطاقاً، إذ ينظر ساركوزي إلى سورية بوصفها ركناً أساسياً في سياسة فرنسا حيال منطقة الشرق أوسط، وخصوصاً البلاد المطلة على البحر الأبيض المتوسط، ويرى أن «الاتحاد من أجل المتوسط» يخرج سورية من عزلتها السياسية في المنطقة والعالم، ويجعلها تنضم إلى النادي المتوسطي الجديد.. ويعلم تماماً الرئيس الفرنسي أن الانفتاح على سورية يعني الاستفادة من دورها الإقليمي، وخصوصاً علاقاتها في لبنان وليس على حساب لبنان كما يروّج البعض، ويرتبط ذلك بشكل وثيق بمستقبل منطقة الشرق الأوسط، لذلك كان يصرّ على ربط العلاقة مع سورية بإحراز تقدم في الوضع اللبناني، وقد جاء اتفاق الدوحة وانتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للبنان ليشكل فرصة للبدء بالانفتاح الفرنسي على سورية.
ولا شك في أن زيارة الرئيس بشار الأسد إلى فرنسا ستفتح آفاقاً في العلاقة مع دول الاتحاد الأوروبي، إذ على الرغم من موقف المستشارة الألمانية من العلاقة مع سورية، فإن دمشق شهدت مؤخراً زيارات لعدد من الموفدين الأوروبيين، وفي هذا السياق جاءت زيارة وزير الخارجية النرويجي «يوناس جاهر ستور» في الأيام القليلة الماضية. ومعروف أن النرويج متحمسة للعب دورها في عملية سلام الشرق الأوسط.. وقد تحدث الوزير خلال زيارته عن إنه لمس بداية تطور في سياسة دمشق نحو ما أسماه «الاتجاه الإيجابي».
والإيجابي حسب الفهمين الأوروبي والأميركي يفضي إلى علاقة سورية مع إيران، إذ هناك رهان أوروبي على فك الارتباط والتحالف ما بين النظامين السوري والإيراني، وبالتالي فإن الانفتاح الأوروبي على سورية سيؤدي في نهاية المطاف إلى إبعادها عن «المحور الإيراني»، أي تفكيك «محور الممانعة» الذي يجمع إيران وسورية وحزب الله اللبناني وحركة «حماس» الفلسطينية، لكن هذا الرهان الأوروبي سيتوقف كثيراً على المفاوضات السورية- الإسرائيلية غير المباشرة، ومدى تطورها، وكذلك على الملفات الساخنة في المنطقة، وأهمها كيفية حل مشكلة الملف النووي الإيراني. ولا شك في أن هنالك تنسيقا ما بين المساعي الأوروبية والسياسة الأميركية في المنطقة، وظهرت بعض ملامحه في البحث عن حل لمشكلة مزارع شبعا التي تحتلها إسرائيل.
ويبدو أن الهدف من وضعها تحت إشراف قوات «اليونيفيل» التابعة للأمم المتحدة قبل إرجاعها إلى السيادة اللبنانية، هو إحراج حزب الله من خلال سحب ورقة المقاومة من أجل تحرير الأرض اللبنانية المحتلة، لكن الأمور ليست بهذه البساطة، لأن حزب الله رحب بانسحاب إسرائيل من مزارع شبعا، والعلاقات ما بين إيران وسورية ليست خاضعة للرهان الفرنسي والأوروبي حسبما ترى النخب السياسية الرسمية في البلدين.
ويمكن القول إن الزيارة ستسهم في عودة العلاقات الفرنسية السورية، ونجاحها يتوقف على مقدار التفاهم على مشروع «الاتحاد من أجل الموسط»، وعلى توافر رؤية متقاربة للملفات الساخنة في المنطقة.
كاتب من سورية