من سوري إلى ساركوزي، وتعليقا على انتظار تدخله
غسان المفلح
ربما لو نظرنا إلى الموضوع من زاوية المصالح الفرنسية، لما تحدثنا عن الأمر، ولا تحدثنا عن زيارة الرئيس الأسد إلى باريس. ولو تحدثنا من زاوية إحلال الأمن والسلام لشعوب المنطقة، لقلنا أن الرئيس ساركوزي، لا يأبه كثيرا في هذا الجانب لسبب بسيط، وهو أنه ينظر إلى المنطقة انطلاقا من مجموعة من العوامل، ولكننا هنا سنتحدث عن عامل غاب عن اللوحة في تحاليل زيارة الأسد إلى باريس، أو الكتابات التي تناولت السياسة الساركوزية عموما وبشأن مشروع الاتحاد المتوسطي، بشكل خاص. هذا العامل يتعلق بالعنصرية الثقافية التي يتعامل فيها السيد ساركوزي مع الشعوب العربية والإفريقية، وحضور هذه الثقافة في ممارساته السياسية. يمكن للمرء مراجعة تصريحاته بشأن الهجرة، والاندماج، والإفريقي الذي يرفض التقدم، ثم تصريحاته التي أشعلت ضواحي باريس سابقا سوى تعبير عن هذه العنصرية الثقافية. والتي كان مفادها أنه يريد تكنيس هذه الحثالات من سكان الضواحي من شوارع باريس. وهنالك ما هو أخطر في الحقيقة، وهو تصريحاته بعد زيارته الأخيرة إلى تونس، عندما سئل عن الحركة الديمقراطية في تونس، ولماذا لم يبحث هذا الأمر مع الرئيس التونسي زين العابدين بن علي. كان جوابه ساخرا نحن نتحدث مع الموجود، ولا نراهن على البدائل الطالبنية* لأن الأولوية بالنسبة له كما يدعي، أنها أنظمة تكافح الإرهاب لتحمي ظهر أوروبا، وهذا ما أكد عليه الأسد في مقابلاته مع الصحف الفرنسية هذه الأيام من أنه خير من يكافح الإرهاب، على طريقة سجن صيدنايا الذي لم يكلف الرئيس ساركوزي نفسه السؤال عن أمرها، وحتى يُـشعر المعارضة الديمقراطية التونسية وغيرها من المعارضات الديمقراطية في المنطقة، بالأهمية الإستراتيجية لهذا الدّور، وضعَـهم أمام الفرَضِـية التالية “إذا أقيم غدا نظام حُـكم على غِـرار طالبان في إحدى دول شمال إفريقيا، فمَـن يصدِّق أن أوروبا أو فرنسا يُـمكن أن تشعرا بالأمان.. إني أدعو الجميع إلى التفكير في ذلك، وهو ما يعني بتعبير آخر، أن النظام التونسي وبقِـية أنظمة الحُـكم في منطقة المغرب العربي ومصر، لا تعمل فقط على تأمين استقرار الأوضاع الداخلية لبلدانها، وإنما من خلال تصدّيها القوي للإسلام السياسي، وإنما تؤدّي أيضا دورا إستراتيجيا يتمثَّـل في تأمين ظهر أوروبا، وهو ما يقتضي دعمها وتجنّـب إرباكها أو إحراجها في هذه المرحلة التاريخية، إلى جانب ما ستقوم به من معركة إضافية ضد تسرّب الهجرة السرية. هذه العنصرية الثقافية تذكرنا بموقف رامسفيلد، المؤمن كساركوزي بقضية صراع الحضارات، هذه النظرة الثقافية، هي التي أفشلت السياسة الأمريكية في العراق والمنطقة، هذه العتمة الساركوزية إضافة إلى تبنيه للرؤية الإسرائيلية للصراع في المنطقة، وخاصة رؤية اليمين الإسرائيلي، تجعل اللوحة أكثر وضوحا، حتى أن مشروعه الاتحاد المتوسطي ليس سوى تأكيد لما نرمي إليه، فجوهر المشروع هو لإعادة تنضيد العلاقات الفرنسية- الأوروبية من جهة الدور القيادي الفرنسي، وإعادة هيكلة دول المنطقة بحيث يحدد سقفها التاريخي، كتابع لأوروبا يمينية. وليس أدل على هذا الأمر من أن هذا الاتحاد المتوسطي يريد إبعاد تركيا عن المجال الأوروبي، وضمها في مجال أوسع وأقل اندماجا في المجال الأوروبي. والنقطة الأخيرة في الحقيقة تتعلق، بدعواته ذات الطابع الشكلي للزعماء في المنطقة وبطريقة تنم عن سخرية لاذعة من شعوب المنطقة، والتي لا تهتم زعاماتها سوى بشكليات السلطة المطلقة، كان بإمكان ساركوزي أن يحقق ما حققه مثلا، دون كرنفالات زيارات هؤلاء الزعماء، وهذا أيضا ما لمحناه في رفض الرئيس معمر القذافي في المجيء مرة أخرى إلى باريس وتلبية دعوة ساركوزي، لأن العقيد يعرف بعد أن توطدت علاقته بواشنطن، أن ساركوزي ليس سوى لا عب سيرك، في اللوحة الدولية. إن هذا الفضاء اليميني في أوروبا، والذي لا يرتبط بالسياسات الليبرالية التقليدية لليمين التقليدي الرأسمالي، بل بات يرتبط بجملة من العوامل والحسابات النابعة أصلا من تطوير مفاهيم صراع الحضارات، التي تساعد هذا اليمين على إبقاء أوروبا نقية. إن دعوة ساركوزي للرئيس الأسد، تأتي ضمن إطار خلفي من المشهد السياسي الساركوزي، والذي مفاده أن هذه الشعوب سرعان ما تنسى، لأنها تحتاج أن تقاد من هكذا نوع من الأنظمة. ثم إننا على يقين تام بأن الرئيس الأسد سيتعامل مع ساركوزي كما تعامل معه العقيد القذافي، لأن العين على واشنطن كخاتمة للمطاف الانفتاحي الذي يريده الرئيس الأسد. بقي أن نقول بان أجواء اليمين السائدة الآن في أوروبا تسمح بمجيء رئيس فرنسي، ليكنس نظرة البشرية عن أن باريس عاصمة للنور والتنوير. لكن المشهد ليس ثابتا كحاله لدى أنظمتنا فالشعوب الأوروبية، قادرة على أن تعيد الكرامة لشرعة حقوق الإنسان كمعيار ولو خلفي للسياسة الأوروبية، وهذا يتطلب من القوى الحية والديمقراطية في المجتمعات العربية أن تكرس مزيدا من العمل والجهد من أجل إيجاد لغة تواصل وتفاهم مع الرأي العام الأوروبي من جهة، وأن تساعد في تكريس ثقافة الاندماج الحضاري في المجتمعات الأوروبية بالنسبة للجاليات العربية، وعدم السماح للفكر الإرهابي بالتسلل إلى قراءتنا للمشهد السياسي الدولي.
موقع النداء