الفساد والخيانة .. وجهان لعملة واحدة
ميشال شماس
سألني صديقي عن الفرق بين الشخص الفاسد الذي يرتشي ويسرق المال العام وبين الشخص الذي يخون وطنه، فقلت له : يجب أن نوضح أولا أنه ليس كل من يسرق أو يرتشي يكون فاسداً
،ولست هنا أبرر السرقة أو الرشوة التي تبقى مدانة قانونياً وأخلاقياً مهما كان الدافع إليها ومهما كان المبلغ صغيراً، إلا أنه لا يمكنني في المقابل أن أساوي بين موظف صغير أو حاجب يسرق ويرتشي لكي يؤمن لقمة عيشه أو بيتاً يحتمي فيه مع أسرته، وبين ذلك الموظف الكبير الذي يستغل منصبه في تمرير صفقات مشبوهة مقابل رشاوى كبيرة، أو ذلك المتعهد الذي يشتري ذمم بعض ضعاف النفوس للفوز بتنفيذ مشروع للدولة، يعوض من خلال تنفيذه السيئ لذلك المشروع أضعاف ما دفعه، أو ذلك الشخص الذي يعرض حياتنا للخطر عندما يصنع دواءً أو غذاءً مغشوشاً أو يشيد بناء بلا مؤونة كافية على أساسات هشة.. الخ. فهل يمكننا أن نفرق بين أفعال هؤلاء الأشخاص الذين يحمون الفساد بأفعالهم ويشجعون على انتشاره لملى بطونهم الشرهة وبين من يخون وطنه؟
استغرب صديقي قولي هذا قائلاً : ( خيانة الوطن لا يمكن تبرريها ، وهي معاقب عليها في الشرائع السماوية و الوضعية القديمة والحديثة، إنها عمليه انحطاط أخلاقي ووطني، فالخونة دائماً ينظر إليهم بعين من الاستهجان وبانحطاط أخلاقهم حتى من قبل اللذين يعملون لصالحهم.. إما الفساد صحيح أنه يؤذي الوطن، إلا أنني لا أعتقد أن خطورته تصل إلى مستوى درجة من يمارس فعل الخيانة لصالح العدو.. وإن مساواتك الفساد بالخيانة هو أمر مرفوض لأنه يشجع على ارتكابها ).
قلت لصديقي ، معاذ الله أن أشجع على خيانة الوطن، فالخيانة الوطنية تبقى فعلاً خطيراً ومرفوضاً جملة وتفصيلا، إنما قصدت من قولي هذا لفت النظر إلى خطورة الفساد، وأن أفعال الفاسدين الكبار من أصحاب الكروش الكبيرة ، لا الفاسدين الصغار، لا تقل خطورة عن أفعال الخائنين لأوطانهم، والفعلان في النهاية وجهان لعملة واحدة، ويجب معاملة الفاسدين الكبار كما يعامل خونة الوطن. وسوف أوضح فيما يأتي مدى خطورة الفساد على المجتمع والوطن وأثاره السلبية على مجمل حياتنا الاقتصادية والاجتماعية، والتي يأتي في مقدمها :
1- يشكل الفساد البوابة التي تستغلها القوى الخارجية التي تتربص بنا للنفاذ إلى داخل البلاد وتحقيق ما عجزت عن تحقيقه بالضغط والترهيب الخارجي.
2- يشجع الفساد على نشر ثقافة الاتكال والاستهلاك بدون حدود، على حساب إضعاف روح المبادرة والابتكار كما يشجع على نشر روح الاستهتار بالقوانين والأنظمة الناظمة النافذة والتشكيك بها وخرقها باستمرار، وضرب منظومة القيم الأخلاقية والروحية كالثقة والأمانة. مما يمهد لحدوث اضطرابات وقلاقل كما حدث في نيجيريا والأرجنتين والبيرو واندونيسيا.
3- يضعف النمو الاقتصادي من خلال انعكاس الرشوة على الكلفة الاجتماعية والاقتصادية للمشاريع التي تطرحها الدولة، بما يرفع من تكلفتها ويضعف من مردودها، ويعيق عمليات الاستثمار المحلية ، ولا يشجع على جذب الاستثمارات الأجنبية. بل يشجع على استخدام أساليب الغش في المواد المصنعة أوفي الخدمات المقدمة من القطاع العام والخاص على السواء، بشكل يؤثر على جودتها، مما يحد من قدرة الدولة التصديرية ويضعف من واردات خزينتها العامة.
4- يؤدي إلى تكديس الثروات بأيدي أصحاب النفوذ والسلطة على حساب تهميش بقية أفراد المجتمع.
5- يدفع الفساد بمن يدهم السلطة إلى التركيز في الإنفاق على المؤسسات والمشاريع التي يمكن من خلالها بسهولة كسب المال بطريق الرشاوى، على حساب إنفاق أقل على قطاعات مثل التربية والتعليم والصحة.
6- إن الخسائر الناجمة عن الفساد، سوف تتحمله الدولة، الأمر الذي سينعكس سلباً على فعالية ومستوى الخدمات التي تقدمها، مما يدفعها بالتالي إلى فرض ضرائب إضافية على المواطنين، أو تقوم بقطع وإلغاء بعض البرامج المدعومة تلك التي تقوم بها الدولة، كما حصل مثلاً مع سعر المحروقات.
وبعد يا صديقي، وبعيداً عن لغة التخوين السائدة هذه الأيام ، أفلا يستوي في الخيانة ذلك الشخص الذي يحمل السلاح على بلاده في صفوف العدو أو يحرض دولة أجنبية على الاعتداء على سورية أو يعمل على شل قدرتها الدفاعية، مع أولئك الأشخاص اللذين يعرضون حياتنا للخطر عندما يقدمون لنا مثلاً مواد غذائية مغشوشة، أو بيوت لنحتمي فيها فتنهار على رؤوسنا، وأولئك الذين يستغلون مناصبهم في نهب وسرقة المال العام، ويضعون الأموال المسروقة في البنوك الأجنبية ويستثمرون فيها مشاريع وأعمال تعود بالنفع على الدول الأجنبية وإسرائيل أيضاً التي تستفيد مرتين من تلك الأموال، أولا من خلال القروض والمساعدات التي تمنحها لها تلك الدول من أموالنا المودعة في بنوكها، وثانياً من خلال تهريب الأموال الوطنية الذي سيضعف عملتنا الوطنية ويوقف عجلة التنمية ويزعزع الاقتصاد الوطني ويضعف بالتالي من قدرتنا على مجابهة الأخطار التي تتعرض لها بلادنا ؟!
هز صديقي رأسه قائلاً : الآن أدركت فعلاً أن الفساد لا يقل خطراً عن فعل الخيانة، ويجب معاقبة الفاسدين الكبار، مثلما يعاقبون الخونة، فكلا الفعلين يستهدفان في النهاية الوطن والمواطن.
( كلنا شركاء ) 10/7/2008