صفحات الناس

حرية الحصول على المعلومة

null
وائل السواح
في حوار لي مع صديقة صحفية رصينة ومجتهدة، توقفت الصبية فجأة في منتصف جملة كانت بصددها، وقالت بانفعال: “أتدري شيئا؟ سئمت من قراءة جريدة كذا
(وأسمت جريدة عربية بعينها) لأعرف ما يجري في بلدي.”
بعبارتها الساخطة، كانت صديقتي تعلق على الطريقة التي تتعامل بها بعض الجهات مع المعلومة، حيث تعز هذه المعلومة في وكالتنا الوطنية للأنباء وصحفنا المحلية، بينما نجدها متوافرة في بعض الصحف العربية. وغالبا ما تنسب المعلومة إلى مصادر مطلعة، بدلا من نسبها إلى الوزير المختص أو الناطق الرسمي المناط به توزيع المعلومة. ولم تكن الصبية تعبر عن رأيها الشخصي فحسب، إذ أن كثرة من الصحفيين والقراء والمثقفين يشاركونها همها وقلقها. ويسود انطباع لدى الصحفيين السوريين أن الحصول على المعلومة هو هم مقيم بالنسبة لهم. والحال أن الحق في الحصول على المعلومة هو حق من الحقوق المدنية والسياسة الأساسية للأفراد، سواء أكانوا إعلاميين أم مواطنين عاديين. وغالبا ما يعتبر هذا الحق، مع الحق في التعبير عن الرأي، مقياسا لمدى ديمقراطية دولة من الدول واحترامها لمواطنيها. كما يعد دليلا على أنه ليس لدى حكومة ما أو مسؤول ما ما يخفيه عن مواطنيه وعن الرأي العام عموما. ويقول البند الثاني من المادة 19 للعهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية الصادر في 1966 إن لكل إنسان الحق في حرية التعبير. ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها. أما الدستور السوري فقد لحظ في المادة 38 أن ” لكل مواطن الحق في أن يعرب عن رأيه بحرية وعلنية بالقول والكتابة وكافة وسائل التعبير الأخرى وأن يسهم في الرقابة والنقد البناء.” ولا شك في أن أحدا لا يستطيع أن يسهم في الرقابة والنقد البناء إذا كانت سبل الوصول إلى المعلومة غير متاحة للجميع وعلى قدم المساواة. وبالتالي فإن استخدام المعلومة كمكافأة للبعض، وحرمان البعض الآخر منها هو أمر يتناقض مع العهد الدولي والدستور السوري على قدم المساواة. ولا مفر من ملاحظة أن المعلومات المحجوبة ليست بالضرورة حساسة أو سرية، وهو ما يمكن فهمه وتأييده لأن لكل دولة الحق في الاحتفاظ بالمعلومات الحساسة أو بعضها لنفسها، ولو إلى حين، ولكن الكثير منها معلومات عامة تتعلق بالواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي في سورية. ولنفرض مثلا أن صحفيا بصدد كتابة دراسة عن موضوع عادي مثل الجمعيات غير الحكومية التي تختص بشؤون البيئة، أو المؤسسات الإصلاحية في سورية، أو معاهد تحفيظ القرآن، فإنه سوف يجد أن معظم الأبواب مغلقة في وجهه للحصول على المعلومات، التي يجب أن تكون مبذولة على قارعة الطريق ومواقع الإنترنت والنشرات الدرية التي تصدرها المؤسسات المعنية. وغالبا ما تكون النتيجة أن الصحفي أو الباحث سوف يتراجع عن كتابة بحثه، أو يلجأ إلى طرق مواربة خاصة للحصول على المعلومة، أو نشر البحث بدون معلومات موثقة، مما يجعل البحث ناقصا أو مغلوطا. فإذا كان الموضوع أهم من ذلك وأكثر حساسية، بات من المحال الوصول إلى معومات دقيقة تفيدك في بحثك. وسأكتفي بمثال واحد. أصدرت الحكومة السورية قانونا يحدد سقف النفقات التي يستطيع المرشح لعضوية مجلس الشعب إنفاقها في حملته الانتخابية بثلاثة ملايين ليرة سورية. في بلدان أخرى من العالم، يلتزم كافة المرشحين بالإعلان عن نفقاتهم ومصادرها وطريقة إنفاقها. وأحيانا يكفيك كسوري عادي أن تدخل موقع إنترنت لترى حركة كل قرش تدخل في الحلة الانتخابية للمرشحين وتخرج منها. فهل يستطيع أحد أن في سورية أن يحصل على معلومة موثقة حول كم أنفق بعض مرشحينا في حملتهم الانتخابية، وكيف تم إنفاق ما أنفقوا، قبل أن نفكر في السؤال عن مصدر وحال هذه الأموال
وائل السواح: مجلة الحال

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى