أمنيــة
ساطع نور الدين
لم يعد سرا ان هناك ضغطا محليا وخارجيا من اجل الاعلان عن وصول المبادرة العربية الى الطريق المسدود والانتقال الى مرحلة تالية تتراوح بين العودة الطبيعية الى آليات الصراع الداخلي وبين ما يسمى بالتدويل، يواجهه ضغط محلي وخارجي ايضا من اجل الاستمرار في هذه المبادرة حتى تستنفد اغراضها التي لم تعد تقتصر على السعي الى انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية المريضة، بل باتت تشكل مقياسا لوضع عربي واقليمي مضطرب.
الانطباع العام هو ان الزيارة التي يقوم بها الامين العام للجامعة العربية عمرو موسى غدا هي المحاولة الاخيرة كما يبدو لاحياء مبادرة تعثرت منذ لحظة ولادتها، ولم تستطع الغالبية اللبنانية حمايتها، ولم تتمكن المعارضة من اسقاطها، وبدت كأنها مسعى لقياس حجم الخلافات العربية العربية، اكثر مما هي جهد لتسويتها.
وعلى الرغم من الجهود الحثيثة التي بذلها ولا يزال يبذلها واحد من افضل واكفأ الدبلوماسيين العرب واشدهم حرصا على لبنان واكثرهم اهتماما باستقرار الوضع العربي، فان احدا لا يستطيع ان ينكر حقيقة انه منذ اعلان المبادرة العربية في كانون الاول الماضي، تدهورت الامور بين الفرقاء اللبنانيين والعرب اكثر من أي وقت مضى، واقترب الجميع، حسب تقدير موسى نفسه، من حافة حروب وصراعات كانت قابلة للاحتواء.
كيف ومتى جرى العبث بالمبادرة العربية، واحباط مسعى الامين العام للجامعة، الذي قال مؤخرا لاحد زواره في القاهرة «ان الفرقاء اللبنانيين مجانين، لانهم لا يعرفون ما الذي ينتظرهم، اذا لم يتوصلوا الى تسوية داخلية، ولا يدركون حجم العواصف الاقليمية التي يمكن ان تضربهم اذا لم يقتنصوا الفرصة المتاحة امامهم حاليا…». وكانت هذه هي المرة الاولى التي يسلم فيها ذلك الدبلوماسي المصري المخضرم ضمنا بان العوامل الخارجية اقوى بكثير من العناصر الداخلية للازمة اللبنانية.
على هذا الاساس يصل موسى، ليشهد على حوار الطرشان اللبنانيين، الذي سبق له ان اعتبره قاعدة اساسية لبناء أي حل، او حسب توصيفه الشهير، الطابق الاول من المبنى المكون من اربع طبقات، تفادت المبادرة العربية ثلاثا منها، وظلت تتوهم ان الفرقاء اللبنانيين راغبون او قادرون على ابعاد المؤثرات الخارجية، بينما هم تواقون دائما الى استدعائها ووضعها على طاولة أي حوار داخلي ، مهما كان تفصيليا .
لن تموت المبادرة العربية، لان بدائلها ليست سهلة. لا الذهاب الى الانتخاب بالنصف زائدا واحدا ممكن، ولا التدويل متاح، ولا التسليم للمعارضة بالمثالثة او بالثلث زائدا واحدا مقبول. لكنه لا يمكن لموسى ان يظل يدور في هذه الحلقة المفرغة، التي تتحول يوما بعد يوم الى هوة سحيقة.. والتي تجعل اللبنانيين جميعا يتمنون فعلا حصول ذلك الانفجار الاقليمي الكبير بدل الاستمرار في ترقبه، ودفع ثمن ذلك الانتظار اكثر من أي بلد آخر في العالم.