صفحات سورية

الحرب السرية العلنية

null


الياس خوري

يبدو ان الدرس الأول الذي استخلصته اسرائيل من حرب تموز، هو العودة الي السياسة القديمة، اي الي المبادرة علي مستوي العمليات السرية، كي تأتي الحرب تتويجا لاغتيالات وتفجيرات تربك الخصم، وتضعفه.

الجنرال باراك، حقق عبر اغتيال عماد مغنية انجازا اول منذ عودته الي وزارة الدفاع في حكومة اولمرت. وهو في صدد مراكمة مجموعة من الانجازات تمهيدا للعودة الي رئاسة الحكومة.

ومن يعرف تاريخ الجنرال الاكثر توسيما (من اوسمة)، في الجيش الاسرائيلي منذ نشأته، عليه ان يتوقع تغيرا جذريا في السلوك العسكري والأمني الاسرائيلي. فالرجل قاد بنفسه عملية اغتيال قادة فتح الثلاثة في بيروت عام 1973: كمال عدوان ومحمد يوسف النجار وكمال ناصر، بعدما تنكّر في زي امرأة ولبس باروكة شعر مستعار علي رأسه. كما ان الرجل قاد بنفسه من الجو عملية اغتيال قائد الانتفاضة الفلسطينية خليل الوزير (ابو جهاد)، في تونس.

في تلك الأيام قامت الاستراتيجية الاسرائيلية علي عامل اساسي، هو ارهاق الخصم بالعمليات الخاصة، قبل الانقضاض عليه. هكذا تم اغتيال ابو حسن سلامة في بيروت قبل الاجتياح، وتم تحويل لبنان ملعبا للانفجارات والسيارات المفخخة، تمهيدا لتوجيه ضربة مميتة الي منظمة التحرير وحلفائها اللبنانيين في اجتياح 1982.

يبدو ان الدولة العبرية، التي شُل عقلها الاستراتيجي، في مواجهات الشوارع السهلة نسبيا، في الضفة وغزة، سكرت بقوتها العسكرية، مما قادها الي دفع ثمن باهظ في لبنان صيف 2006، وقاد الي ارتباكها العسكري في غزة.

بعد تقرير فينوغراد، وبعد العاصفة التي اسقطت رئيس الاركان ووزير الدفاع السابقين، بدأت الأمور تتخذ مسارات جديدة، وتغيرت اللهجة العسكرية، حين بدأ الثنائي اشكنازي ـ باراك، في رسم استراتيجيات جديدة للمواجهة.

علامات هذه الاستراتيجيات تتمثل، كما يبدو لي، في مسألتين:

الأولي، هي العودة الي ارهاب الدولة من خلال الاغتيالات والتفجيرات، وبدأ التنفيذ في دمشق، حيث تم اغتيال القائد العسكري والأمني لحزب الله. هذا البعد الاول في الاستراتيجية الاسرائيلية، يجب ان ينظر اليه بجدية مطلقة. في الماضي، اي بعد عمليات خطف الطائرات (وديع حداد)، وميونيخ (ايلول الأسود المرتبطة بفتح)، بدأت الاستخبارات الاسرائيلية عملية مطاردة سرية للكوادر الفلسطينية، انتهت بالتحول الي خطة تمهيدية لاجتياح لبنان.

الثانية، مزج الاغتيال بعمليات ارهابية وتفجيرات متنقلة، حولت لبنان الي ساحة دمار وموت، وشلت قدرة المقاومة الفلسطينية، قبل ان يبدأ الاجتياح.

لذا من المتوقع ان تبدأ اسرائيل هجومها في غزة بطريقة غير متوقعة، فتبدأ مسلسل الاغتيالات الذي يترافق مع عمليات عسكرية محدودة واجتياحات سريعة، وقصف يخلف اكبر كمية ممكنة من الدمار.

اي ان حرب غزة لن تكون اجتياحا سريعا مكلفا للجيش الاسرائيلي، بل ستكون عملية بطيئة وطويلة ودموية.

اما في لبنان، فاسرائيل تعلم ان الوضع مختلف عن الثمانينيات، وان عليها ان تقوم بالمهمة منفردة، من دون اي حليف داخلي حقيقي. كما في العام 1982 حيث وجدت طرفا لبنانيا مستعدا للتعاون الميداني معها.. ربما لهذا السبب قامت ومنذ اللحظة الأولي بتوسيع مسرح العمليات والضرب ابتداء من دمشق. وهي هنا ايضا سوف تنتظر رد حزب الله، كي تبدأ انطلاقا من ذلك، عملية ارهاق طويلة للوضع اللبناني.

انطلاقا من هذا الافتراض، ما هو الجواب علي الخطة الاسرائيلية؟

هناك جوابان محتملان وسط بحر الدم الذي تغرق فيه المنطقة:

الجواب الأول انفعالي، يسقط من حيث لا يدري في المشروع الاسرائيلي، ويرد علي الارهاب الاسرائيلي بارهاب مضاد، يفتح المجال امام شرعنة دولية للقرصنة الدموية الاسرائيلية.

الجواب الثاني سياسي، وهنا يجب ان تعي القوي التي تقاوم اسرائيل، ان حمايتها لا تكون الا داخلية. فالحمايات الاقليمية لا تفيد في هذا النوع من الحروب. وهذا يقتضي الوصول الي وحدة وطنية داخلية في فلسطين ولبنان. وهنا علي القوي الأخري، منظمة التحرير في فلسطين، والاكثرية النيابية اللبنانية ان تعي، ان حجم الهجوم الاسرائيلي وقدراته سوف تقود الي تدمير المجتمعين الفلسطيني واللبناني، من هنا فهي صاحبة مصلحة في ردع الوحشية الاسرائيلية سياسيا وامنيا، عبر الوصول السريع الي صيغة وحدة وطنية حقيقية، تنتقل بالعمل الوطني الي مستوي جديد من العقلانية والاستقلالية، في سبيل مواجهة مصاعب الفوضي الدموية الاسرائيلية المحتملة.

حرب اسرائيل السرية ليست سرية، انها سلاحها العلني من اجل الاعداد لحربها المقبلة التي ستكون اكثر حروبها دموية. مخطئ من يعتقد ان الدولة العبرية سوف تبتلع هزيمتها في تموز 2006، من دون رد فعل حقيقي ومدمر، ومخطئ من لا يعد لمواجهة قد تكون الأشرس في ابعادها ومداها.

قاتل خليل الوزير، لا يعرف سوي لغة القتل، وعلي اللبنانيين والفلسطينيين الاستعداد للاحتمالات السيئة، وان لا يسقطوا في لعنة الحرب الأهلية، التي لن تقود الا الي تدمير مجتمعاتهم، كي يسهل علي الآلة العسكرية الاسرائيلية الخروج من مأزقها.

19/02/2008

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى