طرائق لإخماد الحقائق
موفق نيربية
هذا يشبه عنوان مقالة لكاتب أميركي اسمه ديفيد مارتن، قام أيضاً بتأليف كتاب «قضية دريفوس الخاصة بأميركا». لايهمني الكاتب، ولم أقرأ كتابه، أعرف فقط أن توصياته الساخرة هذه جاءت بمناسبة الظن في تورّط بعض حكومته بخطيئة ينالها القانون، وهو يوجه كلامه إلى ممثلي السلطة السائدة المتهمة، يصلح كثير من الآليات المقترحة أن يكون دليلاً لأي حكومة تتعرض للاتهام بالسلوك الاستبدادي أو الفاسد أو الخارج عن الأصول الشرعية، لبعضنا خبرة بذلك، ولا بأس بالمزيد.
يمكن لادعاءات قوية وذات مصداقية حول نشاط مماثل من المستوى العالي أن تُسقط حكومة. وعندما لا تجد الحكومة لديها دفاعاً فعالاً ومبنياً على حقائق، فإنها لابد أن تشغّل آليات أخرى. وسوف يعتمد نجاح هذه الآليات كلياً على صحافة طيعة متعاونة وقوى «معارضة» تحت السيطرة.
أول التقنيات هو «التغابي»، وادعاء الجهل بالموضوع، والتأكيد على أن الخبر؛ ما لم يرد في الأخبار الرسمية؛ لم يحدث. وثانيها، اصطناع الغضب والثورة للكرامة: كيف يجرأون على اتهامنا؟ ومَن هم ليفعلوا ذلك؟! هم الذين طالما ارتكبوا الخطايا، يعضون الآن اليد التي امتدت لهم بالإحسان دائماً. ناكرو الجميل!
يُنصح ثالثاً بإسباغ صفة الشائعات على المسائل المتداولة، سواء كانت عادية أم مغرضة أم معادية وكيدية، تكرار هذا ينفع كثيراً في مراحل الاتهام والاشتباه الأولى، التي تكون الأدلة فيها لاتزال ظرفية وبسيطة وغير مكتملة العناصر.
ثم ينبغي اختيار أضعف الخصوم في متناول اليد والقضاء عليه بوحشية. في الوقت نفسه يمكن الانقضاض على الأدلة الضعيفة التي لاتزال في طور الاحتمالات، والنهش فيها لتسخيفها والبرهان على ضحالتها. وقد يكون من المفيد توليد الشائعات هنا ودفعها إلى المقدمة، خصوصاً عندما يكون انفضاح بعض الوقائع وشيكاً.
التقنية الخامسة هي إطلاق صفات على الذين يروجون للاتهام، مثل «أصحاب نظرية المؤامرة» و«الحمقى» و«المحتالين» و«المجانين» وبالطبع «تجار الشائعات». ويُستحسن بعد ذلك تحاشي أي سجال ومناظرة علنية ونزيهة مع أولئك الناس الذين تم تلويثهم إعلامياً.
لابد أيضاً من اللجوء إلى تشتيت الدوافع. كأن يقال إن أصحاب الادعاء في صف الحكومة والحزب الحاكم أساساً، فلماذا يغدرون؟! في الوقت نفسه أيضاً يجري توجيه ضربة خطافية تؤدي إلى تهميش الذين يوجهون الانتقاد بأن يُوجَّه التركيز على أنهم ليسوا مهتمين في جوهر الأمر بالحقيقة، بل يحملون أجندة سياسية لمصلحة أطراف معينة، أو طلباً للمال.
أما التقنية السابعة، فهي توظيف وسائل السلطة، وهنا تنفع كثيراً تلك الصحافة الممكن التحكم بها، التي تخضع بطرق متنوعة لطلبات السلطة المباشرة وإشاراتها، أو من خلال الضغوط والابتزاز وغير ذلك. وقد يفيد مثل ذلك وأكثر استعمال المعارضة الزائفة. فهنالك قوى تنشأ بتقنيات أمنية أو حزبية أو سلطوية مختلفة، او قوى يجري تصنيعها من أجل عرضها في السوق على أعين السلطة ورهن حاجاتها.
أو يجري التعامل مع الاتهامات باستخفاف لأنها «أخبار قديمة»، أو ارتداء قناع «نصف البراءة». هذا يُسمى أيضاً «الاعتراف وعكسه» أو «سلوك طريق الدلالة المحدودة». بهذه الطريقة يمكن خلق انطباع من الصدق والنزاهة بينما لا يتم الاعتراف فعلياً إلا بأخطاء «لا تؤذي» وأصغر من أن تكون خطيئة. تتطلّب هذه التقنية التظاهر بشيء من التراجع أحياناً لمصلحة الحقيقة، أو التحضير لاحتمال تقديم ضحيّة ثانوية عند الاضطرار.
التقنية العاشرة تعتمد على وصف القضايا المعنية بأنها «معقدة جداً، مستحيلة الحل» وأن «الحقيقة لا يمكن إدراكها نهائياً».
أو الاستنتاج اعتماداً على مقدمات غير ذات صلة، من مثال ذلك، أن يُقال إن الباحثين لم يقدموا أدلّة جازمة، فهم إذن لا يملكونها.
استخدم العقل بالمراجعة. مثلاً: «لو كان لديهم معلومات موثّقة، لقدموها». «لم يُقدموها! إذن لا توجد». تنويع آخر على هذه الطريقة يتضمن الربط بين مَن يسرّب الأخبار والصحافة التي تتبناها.
تتفرع من ذلك تقنية أخرى تتضمن مطالبة المتشككين بتصور كامل للاتهامات وتقديم عناصرها وحلّها الواضح النهائي. مثلاَ: التساؤل أين الأداة والدافع الفعلي والفاعل، لو كان هنالك قضية أساساً كما يدعي المدعون؟!
التقنية الأخيرة هي «تغيير الموضوع». وتتضمن هذه التقنية اختلاق ما يجذب الأنظار بعيداً أو التصريح عنه، من مثل الحديث عن أن المسألة المطروحة كلها مختلقة لإبعاد الأنظار عن القضايا الكبرى التي لا ينبغي للعين أن تحيد عنها، وعن الحرب والصفقات من تحت الطاولة والأمن القومي والسيادة الوطنية أو الأزمة الاقتصادية أو غير ذلك.
وما سبق ليس ترجمة أمينة تماماً، ولا غير ذلك أيضاً.
*كاتب سوري