الاتحاد من أجل المتوسط: البدايات والأهداف والتوقعات
عفيف رزق
شكّل مشروع الاتحاد المتوسطي هاجساً لنيكولا ساركوزي منذ سنوات عديدة، ففي العام 2005، وعندما كان وزيراً للداخلية، انتقد ساركوزي بقسوة “مسار برشلونة”، الشراكة التي اطلقت بناء على مبادرة المانية عام 1995، بين الاتحاد الاوروبي و12 دولة تقع على الشاطىء الجنوبي للبحر الأبيض المتوسط، بسبب فشل هذا المسار في تحقيق اهدافه في إقامة السلام والرفاهية والتنمية الاقتصادية والتقارب بين الشعوب، على رغم انفاق اكثر من 20 مليار يورو منذ تأسيسه ؛ وفي العام 2006، أشار ساركوزي في خطاب له في الرباط ـ المغرب ـ إلى ضرورة وجود مشروع يشكل مساحة للتعاون بين أوروبا والمغرب العربي . وعندما بدأت المعركة الانتخابية الرئاسية الفرنسية أعلن، في خطاب له في مدينة طولون الفرنسية في السابع من شباط 2007، صراحة عن مشروعه الذي اطلق عليه “الاتحاد المتوسطي”، شارحاً فوائد التعاون والاتحاد بين ضفتي المتوسط في زمن العولمة الاقتصادية، وسقوط الحواجز بين الدول.
أما عشية انتخابه رئيساً للجمهورية، في السادس من آيارالماضي، فقد أطلق ساركوزي نداء للانضمام إلى مشروعه الذي اعتبره “حلماً كبيراً للحضارة” الذي سيكون “صلة وصل بين أوروبا وإفريقيا”. وأثناء أول زيارة رسمية له خارج اوروبا، كرئيس للجمهورية، توجه إلى دول المغرب العربي ـ الضلع الرئيسي لتصوره عن الاتحاد المتوسطي ـ. مقترحاً منطلقات مشروعه وموجباته وشكله وحقول اختصاصه وآليات عمله، مصّراً في هذه المرحلة على أن النجاح لا يتوقف على جهود فرنسا فقط، بل على الجهود الجماعية التي على البلدان المعنية بذلها لأنه سيكون مشروع الكل، يشارك فيه الكل، ولن ينجح إلا إذا التزم كل واحد به ووضع فيه جزءاً من ذاته (…) اذ لا شيء مقرراً سلفاً، ثم دعا قادة الدول المتوسطية إلى الحضور إلى فرنسا لعقد الاجتماع الأول لهذا الاتحاد.
لاقى مشروع ساركوزي الترحيب من اغلبية الدول المعنية على ضفتي المتوسط وخصوصاً الدول الاوروبية: أسبانيا وإيطاليا والبرتغال واليونان ؛ لكن بقية الدول الاوروبية من دول الاتحاد الاوروبي، التي استبعدت من دعوة ساركوزي، وعلى رأسها المانيا أبدت معارضتها للمشروع ورأت فيه عامل انقسام في ما بينها؛ وعندما استشعر ساركوزي خطر المعارضة، اعلن الرئيس الفرنسي في آذار الماضي عن قبوله انضمام شركائه الاوروبين لمشروعه وتغير الاسم فأصبح “الاتحاد من اجل المتوسط”.
اما على الشاطىء الجنوبي فقد عقد الرئيس الليبي معمر القذافي قمة مصغرة، في حزيران الماضي، لمناقشة المشروع الفرنسي. أدان الرئيس الليبي التوجه الفرنسي ورفض الانضمام إلى هذا المشروع . لم تلق المعارضة الليبية آذاناً صاغية، حتى ان الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة، الذى كان قد أبدى بعض التحفظ على المشروع وكان حضر هذه القمة، دعا إلى الانضمام للاتحاد، في حين قرر الرئيس الليبي حضور اجتماع باريس كمراقب فقط.
في 13 تموز 2008، عقدت القمة المتوسطية اول اجتماع لها في باريس بحضور 43 رئيس دولة وحكومة اوروبية ومتوسطية، حيث استعرضت جدول الاعمال، فاتفق المشاركون على النقاط التالية: عقد قمة كل سنتين، مرة في الاتحاد الاوروبي ومرة في احدى دول جنوب المتوسط؛ الرئاسة مشتركة، تختار دول الجنوب الرئيس، اما في الجانب الاوروبي فإن القضية لم تحسم بعد ؛ تجدر الاشارة إلى انه في المرحلة الحالية تتولى مصر وفرنسا الرئاسة؛ الأمانة العامة يتولاها موظفون من الجانبين، مهمتها جمع الأموال والإشراف على المشاريع التي يتم الاتفاق على تنفيذها من القادة؛ وجود ممثلين دائمين للبلدان الأعضاء؛ تمويل المشاريع التي يتم الاتفاق على تنفيذها مصادره متنوعة: من القطاع الخاص والميزانية الاوروبية ومساهمة الدول المشاركة أو الدول الأخرى والبنك الأوروبي للاستثمار.
لقد ناقشت قمة باريس مشاريع عديدة منها:
1 ـ تنظيف البحر الابيض المتوسط من التلوث الذي أصابه من المياه المبتذلة التي تصب فيه من البلدان المشاطئة، وكذلك من البقايا التي ترميها هذه البلدان فيه وعلى شواطئه، وقد أحصى مسار برشلونة أكثر من 44 موقعاً مصاباً بالتلوث، وسيستغرق هذا العمل حتى عام 2020.
2 ـ إنشاء طرق بحرية وبرية بين البلدان الأعضاء الجنوبية بهدف تحسين شروط نقل البضائع بينها ولمواجهة ارتفاع كلفة النقل؛ أما عملية تمويل هذه الطرق فقد اقترح فرض رسم مرور على البضائع العابرة لمضيق البوسفور وجبل طارق وقناة السويس.
3 ـ تطوير وتنمية الطاقة الشمسية لاستخدامها في مجالات متنوعة، فبلدان جنوب المتوسط تتمتع بالشمس في معظم فصول السنة.
4 ـ تعزيز الدفاع المدني لمواجهة الكوارث الطبيعية كالزلازل والفيضانات والتصحّر، فبلدان المنطقة أصبحت أكثر تعرضاً لمثل هذه الكوارث بسبب الإنحباس الحراري.
5 ـ تطوير الجامعة الأورو متوسطية التي دشنت في حزيران الماضي في دولة سلوفيني، وذلك لتعزيز التعاون في مجال الابحاث والدراسات المشتركة.
6ـ العمل على تعزيز المساعدات المالية والفنية للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم التي تكثر في بلدان جنوب المتوسط والتي تعتبر دعامة رئيسية لتنشيط الاقتصاد الوطني ولمحاربة البطالة المتفشية في هذه البلدان.
إن ما يميز هذه المشاريع عما كان يطرحه مسار برشلونة، هو أنها مشاريع عملية واقليمية تعطي الحرية لكل عضو للمساهمة أو عدمها. ويشرح أحد مهندسي هذا الاتحاد هنري عوليو، وهو أحد المقربين من الرئيس ساركوزي، عن مسار برشلونة، قائلاً إن المسار الذي اعتمدته بلدان الشمال كأداة للحوار مع بلدان جنوب المتوسط كان غير متوازن ويميل لمصلحتها “فاوروبا كانت تقدم المساعدة وتعطي الدروس أحياناً”.
في حين أن الاتحاد هو “شراكة في المساواة بين الحقوق والواجبات، انه تعاون مشترك لمواجهة مصير مشترك”، ويربط غوينو نجاح المشروع بقبول “بلدان الشمال مشاركة بلدان الجنوب في اتخاذ القرارات” .
أما المفوضة الأوروبية للعلاقات الخارجية في الاتحاد الاوروبي “بينيتا فيريرو ـ والنر”، فتنفي أي تحفظ أوروبي حيال الاتحاد من أجل المتوسط الذي يرتكز على 13 عاما من عمل مسار برشلونة، وتضيف أن تحديات ثلاثة على الأوروبيين مواجهتها في المرحلة القادمة ولدى انطلاق عمل هذا الاتحاد:
الأول: حركة سياسية جديدة، اذ على القادة الاوروبيين الحضور مع القادة المتوسطيين في القمم التي ستعقد مرة كل سنتين.
الثاني: الرئاسة المشتركة للاتحاد، ستتيح لبلدان الجنوب الالتزام تماماً بآلية عمل الاتحاد.
الثالث: المشاريع الاقليمية الكبرى التي ستعني كل بلدان جنوب المتوسط إلى ان لجهة التبني أو التمويل أو التنفيذ.
لقد تبانيت توقعات المحللين من أهداف الاتحاد من أجل المتوسط، فبعضها كان متفائلاً ورأى فيه بارقة أمل قد تتيح لبلدان جنوب المتوسط الفرصة لتنمية اقتصادية مستدامة حقيقية، استناداً إلى ما حققته بلدان الاتحاد الاوروبي في هذا المجال، وخصوصاً أن هذه الاخيرة هي شريكة كاملة الشراكة في عمل هذا الاتحاد ؛ كما رأى فيه ايضاً مناسبة جيدة لتقارب المواطنين على شواطىء المتوسط من خلال المشاريع التي تشارك فيها تخطيطاً وتنفيذاً…
وبعضها رأى فيه عودة لسياسة الأحلاف ومناطق النفوذ وغزواً غير مباشر، والادارة الاميركية وحتى اسرائيل ليستا بعيدتين عن فكرة المشروع، للتحالف الذي يربط الرئيس الفرنسي بهذين الادارة والكيان؛ ورأى ايضاً التفافاً فرنسياً على مطلب تركيا الانضمام إلى الاتحاد الاوروبي باعتبار ساركوزي من اشد المعارضين لهذا المطلب، وأخيراً، يهدف ساركوزي، في رأي هؤلاء، كبح جماح الهجرة غير الشرعية من الجنوب إلى الشمال التي تعاني منها بلدان أوروبا المشاطئة للمتوسط…
تبقى ملاحظتان جديرتا بالتنويه:
الأولى، نجاح الدبلوماسية الفرنسية باخراج المشروع من حيز الأفكار المجرّدة إلى حيز الواقع العملي، وهذا ما اتفق عليه جميع المحللين
الثانية، مشاركة قادة بلدان جنوب المتوسط، بشكل جماعي، مع قادة بلدان الاتحاد الاوروبي في مشاريع اقليمية وعملية تتعلق ببلدان الجنوب… فهل ينجحوا؟
المستقبل