الذاتية المتصاعدة والوعي المتنامي في مسيرة يوسف شاهين بين 1950 و1990
ريما المسمار
سينما اقتفاء الأثر ورصد التحولات ومراجعة الماضي والحاضر
خلال مسيرة سينمائية امتدت لسبعةٍ وخمسين عاماً، أنجز السينمائي الراحل يوسف شاهين ستة وثلاثين فيلماً روائياً وخمسة أفلام وثائقية وقصيرة. اي ان مجموع أفلامه الاحدى والأربعين تكاد تلامس السنون التي قضاها في العمل السينمائي بما يتيح لنا القول انه كان ربما من أغزر السينمائيين العرب انتاجاً اذا ما قارنّا بين عدد افلامه وسنوات عمله. والملاحظ لدى استعادة فيلموغرافيا شاهين الكاملة انه حقق خلال عقدي الخمسينات والستينات عشرين فيلماً اي بمعدل فيلم كل عام (وفي بعض السنوات حقق فيلمين في العام الواحد) لتتباعد أعماله ابتداءً من مطلع السبعينات وخلال الثمانينات التي كانت بالنسبة اليه سنوات القلق بامتياز مشحوناً بحدثين بارزين: هزيمة حزيران 1967 وقرار مكاشفة الذات ومحاكمتها. وغالباً ما يصطفي النقاد والباحثون أفلام شاهين خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي ليس فقط كأفضل ما أنتج بل أقربها اليه مستخدمين أحياناً وصف “شاهينية بامتياز”. في مطلق الأحوال، ليس ذلك الميل الى تفضيل افلام السبعينات والثمانينات مفاجئاً. فهي، اي الافلام، اولاً وعلى صعيد منطقي تشكل قمة النضج لدى صاحبها بوقوعها في مرحلة زمنية وسطية بين البدايات والخواتم. فمن الطبيعي ان يكون يوسف شاهين صاحب العقود الاربعين والخمسين يقدم رؤى أنضج من تلك التي وسمت أفلام شاهين العشريني والثلاثيني. ثم ان افلام السبعينات والثمانينات امتلكت مميزات أبعد اذ ترافقت مع وعي سياسي جاء في أعقاب الهزيمة وساعد شاهين في بلورته كتاب ومفكرون من أمثال نجيب محفوظ ولطفي الخولي ومحسن زايد ويوسف ادريس وصلاح جاهين. كذلك افتتح تلك المرحلة المكونة من عشرين عاماً فيلم “الأرض” سنة 1970 الذي كان بمثابة العودة لشاهين ليس فقط الى مصر بعيد هجرة بعض السنوات الى لبنان وانما ايضاً عودة الى السينما بعد مجموعة أفلام راوحت بين المتواضعة ودون ذلك. واختُتمت، اي المرحلة، بفيلم “اسكندرية كمان وكمان” عام 1990 آخر فلتات شاهين الجنونية اللماعة. وبينهما كانت ثلاثية النكسة والثلاثية الذاتية والأسئلة الكثيرة والقلق والتوتر وأحياناً راديكالية التعبير والشكل. ولعلّ ما عزز تألق تلك السنوات العشرين في مسيرة يوسف شاهين وأسهم في ابرازها بشكل أفضل، المرحلة التالية الممتدة منذ بداية التسعينات وحتى فيلمه الأخير “هيّ فوضى” عام 2007. فإذا كان الضد يظهره الضد فإن تحول شاهين في المرحلة الأخيرة الى الخطاب المباشر بشيء من التلقين والأستذة وجنوحه الى التعبير البصري والسرد الكلاسيكيين أفقدا سينماه الكثير من خصوصيتها وسحرها بصرف النظر عن الاختلاف في وجهات النظر بين محبيها ونابذيها. فحتى عندما كانت أفلام مثل “اسكندرية ليه؟” تثير النقاش حول مضمونها السياسي، فإن أحداً لم يستطع انكار حضورها الفني. وحتى عندما كان فيلم مثل “العصفور” يستدعي الشتم بسبب من عدم القدرة على ولوجه وفهمه فإنه لم يتوقف عن أن يكون مثيراً للاهتمام. لعل ما حافظ عليه شاهين في مرحلته الأخيرة بدايةً من “المهاجر” (1994) او ربما “المصير” (1997) هو إثارة موضوعات اشكالية بما هو شكل من اشكال النقد لأمور آنية ومعاصرة. ولكن طريقه الى ذلك لم يعد حدياً ولا ضبابياً انما أصبح تبسيطياً وتلقينياً. ولعل السؤال الذي يمكن طرحه هنا من دون ان يكون هذا المقال مجال البحث عن اجابات له هو المتعلق بتحولين اساسيين في مسيرة شاهين منذ منتصف الثمانينات ومدى علاقتهما بتبدل اساليبه وربما تدجين جنونه. فالتحول الاول هو ذاك الذي وقع بعيد “حدوتة مصرية” (1982) وتمثّل باحتكار شاهين لسيناريوات أفلامه بمشاركة مساعديه (يسري نصر الله بداية ولاحقاً خالد يوسف). اما التحول الثاني فيتفرع من الاول ويرتبط بعامل السن والمرض. ذلك ان بداية التعاون بين شاهين ومساعده الاخير والأكثر تأثيراً في أفلامه خالد يوسف، تزامن ايضاً مع تقدمه في السن وتواتر وعكاته الصحية بما يبدو أحياناً انه عمل ضد شاهين الذي استسلم للاساليب السينمائية الكلاسيكية بهدف الاستمرار في صنع الافلام. بصرف النظر عن صحة ذلك التصور، فإنه يثبت على الأقل جانباً اساسياً في مسيرة شاهين وشخصيته وهو شغفه غير المحدود بالسينما والذي كان عليه ان يستمر وإن تراجعت او تبدلت ادوات التعبير عنه. كان شاهين يقتات على السينما وقد ردد ذلك مراراً ليس في خطاب ممجوج إذ ان مسيرته تثبت عمق شغفه ذلك الشغف غير المتناهي الذي لا يمكن أن يتوقف إلا اذا أُجبر على ذلك بتأثير عامل قاهر كالموت الذي وضع نهاية لشغف شاهين قبل أيام. والشغف ميزة ليست عادية في حياة المشاهير والفنانين كما انه ليس سهل الاشباع، فالشغف قد يتحول او يُفسر في عيون الآخرين على انه مذلة او سوء تقدير او عدم قدرة صاحبه على الحكم (تماماً كما هي الحال مع المطربة صباح اليوم التي يرى كثيرون في شغفها ذاك مهانة لتاريخها الطويل). بالطبع لم يصل يوسف شاهين الى تلك الحالة ربما لأن لفنه ادوات مختلفة لا تعتمد عليه بشكل فردي. ولكن النقد الذي واجه بعض افلامه الاخيرة ليس بعيداً من التحسّر على مسيرته الماضية. وتلك حالة من الصعب الحكم فيها او عليها لأنها انسانية بامتياز لا علاقة لها بالمنطق. والحكم الانساني يقول انه إذا كانت أفلام شاهين الاخيرة بكل مشكلاتها وعلاتها هي الطريق الوحيد لاستمرار شغفه فلتكن من دون ان يعني ذلك وقوفها خارج دائرة النقد والنقاش.
بالعودة الى السنوات العشرين تلك التي كانت الأكثر اثارة للجدل والتي كرست صورة شاهين السينمائي البعيد من متناول الجمهور وحتى النقاد أحياناً وما يترافق معها من اعتبار افلامها الاقرب الى شاهين لا سيما ثلاثية السيرة الذاتية، فإن دراسة تلك الفترة لن تكون كاملة من دون تبيان ارتباطها بما سبقها على الاقل لا سيما من خلال ملمحين اساسيين: اولاً الذاتية التصاعدية التي وسمت افلام شاهين منذ البدايات وصولاً الى الثلاثية الذاتية؛ وثانياً اشتغال الوعي قدماً منذ بداياته في شكل يجعل كل فيلم ظل لسواه او مقدمة لعمل آخر. في معنى آخر، يمكن اعتبار أفلام العشريتين الأولى والثانية (أي الخمسينات والستينات) في مسيرته أفلام الظل او اشباح ستعود الى التبلور بشكل أعمق في مرحلتي السبعينات والثمانينات. لذلك تبدو مسيرة شاهين على الاقل حتى التسعينات وثيقة الارتباط من الصعب انتزاع فيلم منها (باستثناء افلام قليلة جداً مثل رمال من ذهب) من دون ان تتخلخل، ذلك انه حتى الافلام المتواضعة كانت احياناً ضرورية للتمهيد لفيلم آخر مهم.
العائلة، البورجوازية والصراع
من هنا ربما كتب كثرٌ عن ان افلام شاهين تشكل مجتمعة سيرته الذاتية وليس فقط ثلاثية السيرة الذاتية المؤلفة من “اسكندريه ليه؟” و”حدوتة مصرية” و”اسكندرية كمان وكمان”. فكل الموضوعات التي تناولها في الثلاثية سبق لها الظهور في شكل او في آخر في أفلامه السابقة التي عبرت دائماً عما عاشه او شُغف به. بشكل مبسط، يمكن ان نجمع أفلاماً من مراحل مسيرته كافة تحت عنوان عريض هو شغفه بالموسيقى: “بابا أمين” (1950) و”سيدة القطار” (1952) و”انت حبيبي” (1957) و”بياع الخواتم” (1965) و”عودة الابن الضال” (1976) و”المصير” (1997) و”سكوت حنصور” (2001). هناك افلام أخرى ايضاً حضرت فيها الموسيقى بشكل فاعل ولكنه في الافلام المذكورة عبر عن عشقه للموسيقى من خلال اسناد ادوار بطولية لمطربين من امثال فريد الاطرش وليلى مراد وفيروز وماجدة الرومي ومحمد منير ولطيفة. على صعيد آخر، حملت أفلام البدايات ملامح متفرقة من موضوعاته الاثيرة ومن المحيط الذي عاش فيه قبل سفره الى الولايات المتحدة الاميركية وايضاً من عائلته. ففيلمه الاول “بابا أمين” يروي حكاية عائلة بورجوازية صغيرة لا يعي ربها أهمية المال ولا يحسن ادارته بما يؤثر على عائلته. وذلك الاب هو ابوه بشكل من الاشكال وحكاية المال هي حكاية طفولته ومراهقته والبورجوازية هي بورجوازية الاسكندرية التي ترعرع على هامشها وتخبط في سبيل الاختلاط بها وعانى من أحلام عائلته بها قبل ان يعثر على ضالته في اثبات الذات والتميز من خلال الفن. هكذا وفي اول وقفة له خلف الكاميرا، يقرر الشاب في مطلع العشرينات ان يرمي بكل ذلك امام الكاميرا ويحمل فاتن حمامة بطلة فيلمه على أداء أغنية “أشكي لمين أهلي”. وسنرى لاحقاً ان موضوعة العائلة البورجوازية لن تفارق هاجس شاهين وسوف تتصاعد لهجته تجاهها من “بابا أمين” حيث تنهار العائلة بسبب سذاجة الاب الى “سيدة القطار” حيث ستتفتت بسبب تهور الاب وصولاً الى “عودة الابن الضال” حيث ستنفجر العائلة في بحر من الدم. ولن تتوقف مأساتها هنا اذ سنراها في “الآخر” تنزع الى امتلاك ابنائها.
في تجربته الثانية، “ابن النيل”، سيتناول شاهين موضوعة السفر والهجرة التي كانت تجربة شخصية بامتياز ولكنه سيختار الهجرة من الريف الى المدينة مصوراً خيرات الاول وشرور الثانية. غالب الظن ان شاهين أراد من خلال تلك المعادلة قول شيئين: الاول هو ان الريف أفضل بما انه كان بالنسبة اليه نقيض المدينة والبورجوازية التي يمقتها. اما الأمر الثاني فقد يكون مقارنة المدينة وشرورها بالولايات المتحدة الاميركية التي سافر اليها. وهذا تحليل لم يكن ممكناً التوصل اليه الا في ضوء افلام شاهين اللاحقة لا سيما “اسكندرية ليه” الذي ينتهي بمشهد وصول “يحيى” /شاهين الى مرفأ نيويورك وغمزة تمثال الحرية اللئيمة التي تلمح الى علاقة جدلية بذلك البلد سيعود الى تفصيلها في “اسكندرية نيويورك” على اثر هجمات 11 ايلول واجتياح اميركا للعراق.
في افلام الخمسينات التالية، سيعود شاهين الى موضوعي البورجوازية والمال وهما بطبيعة الحال مرتبطان تماماً. المال الذي كان حائلاً دون تمازج شاهين المراهق مع محيطه ورفاق البرجوازية الكبيرة وحفلاتها. والمال الذي كان على عائلته جمعه من بيع اثاث المنزل ليسافر الى اميركا. هذا المال كذبة كبيرة في “المهرج الكبير” ومأساة في “سيدة القطار” وأصل الصراع بين الفلاحين والاقطاعي في “صراع في الوادي” وأصل الداء في “انت حبيبي” انما بشكل طريف. الى موضوعي المال والعائلة البورجوازية، ظهر بعد ثورة 1952 موضوع الصراع الاجتماعي والطبقي من خلال “صراع في الوادي” و”صراع في الميناء” و”شيطان الصحراء”. في الاخير، تحدث في شكل مباشر عن سلطة ملك فاسد ومحاولة الانقلاب عليه. لم يكن ذلك نوعاً من تملق الثورة ذلك ان شاهين كان من مؤيديها بشكل فطري هو الثائر على البورجوازية والطبقية. ويتشكل الصراع بين الفلاحين والاقطاعي والعمّال وأرباب العمل في فيلمي الصراع مع عمر الشريف مؤذنين بتبلور الموقف الاجتماعي عند شاهين وانحيازه للعمال والفلاحين في وجه الاقطاع والبورجوازية والظلم.
ليس مبالغاً القول ان تلك المرحلة كانت بمثابة التحضير وأحياناً النيجاتيف السالب لفيلمين قادمين هما “باب الحديد” (1958) و”الارض” (1970) في “سيدة القطار” (1952)، وجه شاهين كاميراه للمرة الى الاولى الى العمّال داخل مصنع. وتماماً كما كانت نظرته طوباوية الى الريف في “ابن النيل”، كذلك لم تكن نظرته الى العمّال واقعية تماماً لأنه ببساطة لم يكن يعرفهم بل كان يعرف جيداً المحيط البورجوازي الآتي منه. اذاً، ستتحول تلك اللقطة العابرة للعمال الى لقطة كبيرة في “باب الحديد” لكأن المخرج كان يحاول في الاول ان يفهم ليحكي بعد ذلك. بالطبع، لم يكن شاهين وحده عندما دخل تلك المنطقة الشائكة بل كان معه كاتب السيناريو عبدالحي أديب، ولكن الدوافع خلف هذا الفيلم كانت شخصية ايضاً الى جانب كونها اجتماعية. لقد بدا شاهين في هذا الفيلم وكأنه يرتقي درجة بوعيه وحرفته وقدراته ويضع حجر الاساس في لعبة الخاص والعام التي ستتجلّى بأشكال أعمق لاحقاً. فشاهين الذي لم يقترب بكاميراه من الشارع في “بابا أمين” مثلاً على الرغم من ان محيط الاسرة كان حياً متواضعاً. التزم بما عاشه واختبره ثم راح في كل فيلم يضيف بعداً جديداً. في “باب الحديد”، يرمي بنفسه وبفيلمه وسط زحمة الشارع المتمثل هنا بمحطة السكة الحديد مبقياً على موضوع الصراع بين العمال ورب العمل واستغلال الاخير لهم واتحادهم من أجل انشاء نقابة، ولكن في مقدمة كل ذلك، يفتح الستار على الحكاية الانسانية القصوى المتمثلة بـ”قناوي” بائع الصحف المريض النفسي والمكبوت اجتماعياً والمحروم جنسياً والفقير المعدم. تتشابك العوامل الانسانية والنفسية والاجتماعية والسياسية في هذا الفيلم لتشكل اول افلام شاهيين حينها تركيباً وعمقاً وايضاً سوداوية. لن يكون التمرد على أهميته منقذاً لقناوي الذي يحيا تحت خط الحياة والفقر. ولن تكون النهاية سعيدة ولن تكون هنالك بارقة أمل كما في الافلام السابقة. التراجيديا في حدها الأقصى هنا. لقد لعب شاهين دور قناوي في شكل مقنع. لم يجسده بل عاشه في أعماقه وليس اكتشافاً القول ان الكبت والحرمان وحتى مظاهر عدم الثقة بالنفس التي يجسدها “قناوي” كانت بمثابة حالة تعبيرية قصوى عن بعض ما عاناه شاهين مبكراً في حياته. كما ليس اكتشافاً القول ان في شخصية “هنومة” المغوية والقوية والنهمة ما يستقي بعض أوجهه من شخصية والدته اليونانية.
كان “باب الحديد” بداية مرحلة ونهايتها في آن معاً. فبسبب فشله الجماهيري القاسي، ابتعد شاهين من المشاريع الطموحة لبعض الوقت متوقفاً عند صراعات اجتماعية وحكايات حب وزواج وفشل عادية في الافلام التي تلت. بين افلام تلك المرحلة، حقق شاهين فيلمين لا ينتميان تماماً الى هواجسه الذاتية وإن عبرا عن هواجس وطنية وقومية زرعتها ثورة يوليو وهما “جميلة الجزائرية” و”الناصر صلاح الدين”. كانا اقرب الى فيلمي طلب ولكن على الرغم من ذلك، حمل الثاني طرحاً قريباً من هموم شاهين وهو العلاقة بالغرب التي سيعود اليها بشكل أعمق في “الوداع يا بونابرت” (1985).
النكسة: بداية وعي ومرحلة
على الرغم من تحقيقه لفيلمين تاريخيين سياسيين (“جميلة” و”صلاح الدين”)، الا ان شاهين لم يعبر عن موقف سياسي ملتزم الا بعد نكسة 67 التي ترافقت مع وعيه النقدي ايضاً للثورة والمرحلة الناصرية. ومع بداية هذه المرحلة، يمكن القول ان شاهين بدأ يرتكز في موضوعات أفلامه على وعيه الجديد المكوّن، ممزوجاً بما عاشه واختبره بالطبع انما بأقل اتكاءً على تجربته الذاتية من دون ان يعني ذلك انه ابتعد مما يجول في نفسه ولكنه، كما أسلفنا، كان يرافق وعيه بسينماه فيلمّح اولاً ثم يغوص في العمق. بعد النكسة التي أعقبت اقامته القصيرة في لبنان بسبب من مشكلاته مع القطاع العام الذي احتكر السينما في حينه، كان شاهين مطلوباً من قبل عبدالناصر نفسه لانجاز فيلم عن السد العالي وذلك بعد أن عبر عن انبهاره بأفكار عبدالناصر ونهجه في “الناصر صلاح الدين” ومن ثم في “فجر يوم جديد” (1964). ولكن شاهين بعد النكسة هو غيره قبلها هذا على الاقل ما برهنه فيلم “الناس والنيل” وان كانت بداية التحول في رؤي شاهين السياسية تُعزى الى “الاختيار” (1971). والسبب في ذلك يعود الى ان “الناس والنيل” مُنع من العرض حتى العام 1972 بسبب من “خروجه على الموضوع”. ذلك ان شاهين لم يصور السد بقدر ما صور الناس ولم يتغنَّ بمحاسنه بقدر ما سلط الضوء على معاناة العمال المصريين المهمشين واضطرار اهل النوبة الى الانتقال بسبب بناء السد وفشل الاشتراكية في حل الفروق الطبقية… لم يكن ذلك ما أراده أصحاب القرار من الفيلم فمُنع الى ان أُعيد توليفه من دون موافقة شاهين ليعرض بعدها بأربع سنوات. غير ان نسخة أصلية استطاعت ان تجد طريقها الى السينماتيك الفرنسية حيث عرضها التلفزيون الفرنسي العام 1999.
كان فاتحة المرحلة الجديدة ما بعد النكسة فيلم “الأرض” الذي شاهدنا ظله في “ابن النيل”. ولكن الريف لم يعد تلك الجنة والملاذ من شرور المدينة بل هو المسرح الذي ستدور على خشبته أحداث هي ثمرة الوعي الجديد لشاهين. فبعد العائلة والبورجوازية والصراع الاجتماعي والطبقي والانحياز الى الثورة ومفاهيمها والانبهار بقائدها، يصل الى محاكمة النظام والهزيمة. وللتذكير فقط، لا تخرج ثلاثية الهزيمة “الاختيار” (1971) “العصفور” (1974) و”عودة الابن الضال” (1976) عن الاطار الذاتي والشخصي ما دام منطلق هذه المقالة هو البحث عن الملامح الذاتية المتصاعدة في مسيرة شاهين السينمائية وارتباطه بتنامي وعيه. بل لعل شاهين هو من السينمائيين القلائل الذين لازمت مسيرتهم وعيهم اي ان أفلامه سارت في شكل متوازٍ مع تحولات الفكرية وعبرت عنها بفارق زمني شبه معدوم. وعلينا ان نذكر ايضاً هنا انه بدايةً من “الارض”، أصبح وعي شاهين السياسي والاجتماعي عنصراً خارجياً على أفلامه أو بمعنى أصح صار البؤرة التي يتناول الاحداث من خلالها. وذلك بخلاف أفلامه الاولى التي عبرت عن وعي تمثله الشخصيات الى حد بعيد او عن وعي شاهين نفسه في مراحل الذي صباه الاولى. فبينما نشاهد مثلاً أحداث “ابن النيل” من وجهة نظر البطل (شكري سرحان) الذي يمتلك الكثير من ملامح شاهين المراهق، فإننا سنشاهد أحداث “اسكندريه ليه” على سبيل المثال من خلال رؤية شاهين لها في زمن صنع الفيلم اي شاهين الخمسيني وليس شاهين المراهق الذي يجسده “يحيى” (محسن محيي الدين). اذاً، حمل “الأرض” بذور الوعي والصحوة كمن استفاق من حلم مشروع تغييري ضل الطريق الى غايته. بدأت المساءلة انما في شكل غير مباشر إذ أسقط أحداث فيلمه الذي يدور في الثلاثينات ايام الاحتلال الانكليزي وأسئلته على مرحلة ما بعد النكسة. عاد الى الصراع بين الاقطاع والفلاح وفكرة التمسك بالارض وجشع السلطة ولجوئها الى القمع. وليس أدل من مونولوغ “أبو سويلم” (محمود المليجي) على موقف شاهين من الهزيمة: “…دلوقت بقينا فين.. كل واحد شق طريقو ونسي الباقيين.. لازم نصحى من جديد.. كانت ايام زمان اللي ما تتعوضش.. كنا رمز البلد وشرفها وزينتها.. ودلوقت قاعدين نتكلم ونشتكي ونولول زي النسوان.. اللي يقول بكره تتعدل.. واللي يقول الصبر طيب.. واللي يقول اي كلام.. واللي ما يعرفش يقول إيه.. نايمين في كلام.. قايمين في كلام.. عايشين في كلام.. حياتنا بقت كلام في كلام”. تلك كانت ردة فعل شاهين الاولى على الهزيمة التي وقعت في النفوس قبل ان تقع على الجبهة والكلام المعني في المونولوغ يقصد به الشعارات التي قامت عليها الثورة من دون ان تتمكن من تحويلها الى فعل وحلول للمشكلات الطبقية والعمالية. بالطبع لا تخلو نظرة شاهين بأبعادها كافة من الطوباوية التي يتسم بها جيل الثورة وتالياً النكسة. بهذا المعنى لم يكن شاهين استشفافياً اي انه لم يسبق الهزيمة في نقد الثورة ولكنه لم يهرب من المواجهة حين انهار حلمه وحلم ملايين غيره. هكذا كان “الأرض” التفافاً غير مباشر على النكسة وتمهيداً للمرحلة التالية التي سيكون عنوانها الهزيمة وبشكل مباشر. فإذا كان “الأرض” تحدث عن المشكلات الاقتصادية والسياسية فإن “الاختيار” (1970) يدين نظاماً اجتماعياً وانسانياً بكامله يرتبط بعلاقة جدلية بالنظامين الاقتصادي والسياسي. والسؤال هنا مزدوج: أيهما يُفرز الآخر؟ والادانة هنا مباشرة للمثقف الذي يمثله “سيد” (عزت العلايلي) الكاتب المنافق والوصولي الملحق بأذناب السلطة والذي له أخ توأم “محمود” على نقيضه. لقد أراد شاهين مع نجيب محفوظ ان تكون فكرة الازدواجية او لعبة الاقنعة مباشرة هنا، لذلك جعل محمود الاخ التوأم لتمرير فكرة “الأنا” المزدوجة. ولكن من المسؤول؟ “سيد” ام النظام الاجتماعي الذي دفعه الى ذلك النفاق وإلغاء الأنا والذات تحت أقنعة الطموح السياسي والارتقاء الاجتماعي؟. في “الاختيار” عودة الى بعض موضوعات “باب الحديد” على نطاق اوسع وأخطر. فالمنبوذ هنا ليس صاحب العاهة او المرض النفسي او الفقير بل هو كل انسان لا يلتزم المنظومة الاجتماعية للطبقة الحاكمة. في شكل تبسيطي، قال شاهين ان بذور النكسة تكمن في النظام الاجتماعي المهترئ قبل اي شيء آخر.
أكمل البحث عن اسباب النكسة في “العصفور” (1973) ووصل الى النظام السياسي. اي ان الخلاصة ان الداء يكمن في كل قطاعات المجتمع والدولة المرتبطة بدائرة مفرغة. لقد عاد في هذا الفيلم الثاني في ثلاثية الهزيمة الى ما طرحه في “الأرض” الذي يمكن القول انه ظل “العصفور” او العمل التمهيدي له من دون ان يقل عنه اهمية بالضرورة. ولكن الصدمات تحتاج دائماً الى مرور الزمن لنتمكن من مراجعتها. اذاً النظام السياسي الفاسد القمعي الانتهازي الذي يسيره مسؤولون لصوص والذي يلهي الشعب بالشعارات والخطابات هو المسؤول عن الهزيمة بحسب شاهين في هذا الفيلم. من دون لف ولا دوران، برأ الشعب من الهزيمة وأعلن رفضه له وأدان النظام والسلطة والقيادة وأخرج الشعب في تظاهرة تقودها “بهية” (محسنة توفيق) وتنادي “لا حانحارب حانحارب” على اثر خطاب التنحي لعبدالناصر. لقد بدا العصفور أكثر أفلامه التزاماً بالقضية السياسية وتحريضياً بالمعنى المباشر على الثورة والرفض من دون ان يخلو من الرموز لا سيما الشخصيات التي تحمل ملامح اكبر منها مثل بهية/مصر والشيخ/الشعب والعصفور/الحرية…
كان يمكن للحديث على الهزيمة ان يتوقف عند “العصفور” ولكن شاهين كان قد دخل وتيرة رصد الواقع وتحولاته منذ “الاختيار” فأكمل فيها لا سيما ان موضوع الهزيمة لم يكن مسألة مسببات فقط وإنما ايضاً مفاعيل مقبلة. ويمكن القول انه في خاتمة ثلاثية الهزيمة “الابن الضال” (1967) عاد الى خلية العائلة ليجسد الصراعات الاجتماعية والسياسية من خلالها. كما انه عاد الى تجسيد نفسه ليس بشكل كامل وانما جزئي. فعلي في الفيلم يشبه شاهين كثيراً ويشبه أبناء جيل الثورة الذين خابت آمالهم وانهار مشروعهم التغييري. ولكن شاهين هنا لا يتماهى تماماً مع شخصية “علي” او الاحرى ان تجربته وموقعه الآن لا يختصرهما “علي”. ذلك ان شاهين منذ “الأرض” فصل نفسه ودوره عن افلامه. لم يعد ابن الثورة المفتون بها والمتماهي تماماً مع مشروعها بل غدا المثقف والسينمائي والناقد الذي تتقاطع تجربته مع تجارب شخصياته ولكنه يبقي نفسه على مسافة منها. وتلك حالة مركّبة تنسحب على الفيلم برمته الذي يربط من خلال شخصياته كل الموضوعات والشخصيات التي ظهرت في أفلامه الاولى ومن ثم في “الأرض” و”الاختيار” و”العصفور” مقدماً ثلاثة أجيال: الجد ابن البورجوازية القديمة والابن ابن الثورة والحفيد ابن عصر الانفتاح والابن الآخر (طلبة) الوجه الآخر لجيل الثورة الذي يمكن ان نلمح ظله في شخصية “سيد” في “الاختيار”. وهناك ايضاً عائلة العامل حسونة. الرأسمالية هنا هي الشكل الجديد الذي ينتقده شاهين بعد الاقطاع والبورجوازية والعامل هو رديف الفلاح الذي ما زال يفتن شاهين ويربطه بكل المواصفات الانسانية المناقضة العُقد البورجوازية. وشاهين هنا يدين المثقف كما الوصولي كما البوجوازي ولكنه يفتح نافذة أمل على مستقبل جديد من خلال تمرد ابن “طلبة” (هشام سليم) وانشقاقه عن والده وارتباطه بابنة العامل، وتلك النهاية من مستلزمات السينما الملتزمة التي حمل شاهين رايتها بدايةً بفيلم “الأرض” بل ربما منذ “الناصر صلاح الدين”.
تسمية الأشياء بأسمائها
على الرغم من ان “عودة الابن الضال” ينتمي الى ثلاثية الهزيمة ولكن يمكن القول انه ايضاً حلقة الوصل بين ما سبقه وما سيليه. ذلك ان العودة الى موضوع العائلة كان المدخل الى عودته الى اسرته من جديد ولكن هذه المرة ليسمي الاشياء بأسمائها. لم يكفه ان يكون قد وضع من نفسه ومن افراد عائلته في الشخصيات التي مرت على “بابا أمين” و”المهرج الكبير” و”سيدة القطار” وغيرها من افلام البدايات، بل أراد التحول الى البحث عن الذات بالمعنى الحرفي للكلمة ربما بعد ما بدا له من انه نهاية الحديث في العموميات والتلميح الى الخصوصيات وبداية محاكمة الذات. مما لا شك فيه ان حالة المكاشفة ومحاكمة الذات التي وصل اليها شاهين في ثلاثية السيرة الذاتية “اسكندرية ليه؟” (1979) و”حدوتة مصرية” (1982) و”اسكندرية كمان وكمان” (1990) احتاجت الى كل التراكم الذي سبقها لتتبلور. ولكن لم يكن امراً حتمياً أن يقود ذلك التراكم الى تلك الدرجة العالية من المصارحة والكشف الذاتيين. صحيح ان موضوعنا هنا يتناول الذاتية التصاعدية في مسيرة شاهين وارتباط تحولاته مباشرة بسينماه، الا انه لا ضير من ذكر ان ثلاثية شاهين تلك كانت ولا تزال حالة نادرة في السينما العربية. لا يعني هذا ان عدم حضورها لدى سينمائيين آخرين يقلل من أهميتهم او جرأتهم ولكن شاهين كان فريداً باختياره الولوج الى ادق تفاصيل حياته وذاته في تجربة لم تتكرر بعده بذلك العمق والطول والتفصيل. كذلك كانت الثلاثية ايذاناً بعودة شاهين الى جوهر افلامه من دون ان يتخلى عن دور الناقد وعن المسافة مما يحكيه ذلك الموقع الذي اتخذه لنفسه منذ الأرض. من هنا تنبع أهمية الثلاثية الذاتية من جرأة النقد. فهي ليست سرداً لاحداث الطفولة وتدويناً لمسيرة كما فعل طه حسين مثلاً في كتابه “الأيام” بل هي مرآة تكسرت عندها الأقنعة وتشوهت الوجوه قبل ان تتحقق المصالحة. في “اسكندرية ليه؟” عاد شاهين الى المكان في اول تركيز على الاسكندرية التي نشأ فيها. والمكان هنا شخصية رئيسية اسهمت في التكوين الانساني والفكري للمخرج من حيث انها مدينة مفتوحة على البحر تزرع في ابنائها الحاجة الى التنقل والسفر والانفتاح، وذلك ما تجسد في افلام شاهين حيث رغبة السفر غالباً ما تداعب احدى شخصياته ومحطات السفر ووسائله من محطات قطار ومطارات وموانئ تحضر بكثرة في افلامه. ثانياً هي اسكندرية الكوزموبوليتية التي تعايشت فيها الاديان المختلفة والاقليات. لماذا الاسكندرية؟ لأنها كل ذلك في نظر شاهين لا سيما اسكندرية الاربعينات التي وعاها مراهقاً. في الخطين الرئيسيين للفيلم، ينشطر شاهين بين “يحيى” الذي يجسد مراهقته والمنتمي الى عائلة بورجوازية صغيرة والحالم بالفن والسفر وشاهين الذي يسقط وجهة نظره على الاحداث السياسية التي تعج الاسكندرية بها ايام الانتداب البريطاني. بمعنى آخر، الوعي السياسي والاجتماعي الذي يفتقر يحيى/شاهين المراهق اليه يأتي به شاهين من خارج الفيلم من خلال نظرة المخرج. وبوعي ابن الخمسين نفسه يقدم افراد عائلته ويخترع قصة الحب بين المسلم واليهودية ليحكي عن التسامح. ولكن الفيلم جاء في اثر ذهاب السادات الى اسرائيل وتوقيع معاهدة السلام مع اسرائيل مما عرض فيلم شاهين لنقد لاذع بوصفه ترويجاً للسلام والتطبيع.
بسبب ذلك تريث شاهين في انجاز الجزء الثاني في الثلاثية او لعله لم يفكر به اصلاً. غير ان تعرضه لأزمة قلبية حادة واجرائه لعملية القلب المفتوح اعادته الى المكاشفة كمن يعود من الموت. في هذا الفيلم يختصر شاهين ثلاثة عقود من حياته ومن واقع بلاده والعالم العربي بدءاً بثورة 1952 وحتى ما بعد هزيمة 1967. يصل التركيب هنا حده الاقصى لأن ما يرويه شاهين خاضع لوعي الشاب السياسي في تلك المرحلة وخيبته كما لرؤيته السياسية ابان صنع الفيلم وبعد مرور سنوات طويلة. ويدخل في سياق السرد الذاتي سينماه التي كانت جزءاً من تلك المرحلة فيستعيد بعض افلامه داخل هذا الفيلم حيث يلعب نور الشريف دوره ويكشف عن الكثير من مشاكله وعقده وعلاقته بأمه وزوجته. طغى الطابع المسرحي على الفيلم لا سيما في مشهد المحاكمة بين شاهين الطفل وشاهين الحاضر والتي تنتهي بمصالحة الاثنين وكأن شاهين كان يخاف ان يكون ذلك فيلمه الاخير.
ان التماس الذي حققه شاهين مع الواقع منذ “الاختيار” ظل مواكباً حتى فيلمي السيرة الاولين من خلال اضفاء وجهة نظره وقت صنع الفيلم على احداث الماضي والحاضر معاً. منطقياً اذاً وإذا اراد ان يكمل في مواكبة واقعه من خلال سينماه، كان على فيلمه المقبل ان يتعقب السنوات الاخيرة من مسيرته كأن سينماه كانت تمشي في أعقابه دائماً. وهكذا كان. إن أحد الاوجه الاساسية لفيلمه “اسكندرية كمان وكمان” هو انفصال ممثله محسن محيي الدين عنه بعد تجارب اربعة في فيلمي السيرة الاولين و”الوداع يا بونابرت” و”اليوم السادس”. وهذا ما نراه في الفيلم من خلال توظيف الحكاية نفسها في السرد انما بطبيعة الحال مع ممثل آخر هو عمرو عبدالجليل. ولكن لانفصال محيي الدين عنه ابعاداً أخرى ذلك ان الممثل الشاب جسد اناه الاخرى في الافلام التي سبقت وتالياً فإن هجره له هو بمثابة هجر اناه له. كذلك فإن تجاوز شاهين لذلك التخلي ومحاولته العثور على ممثل آخر (ممثلة في الواقع هي يسرا) هو بمثابة تحطيم تلك الانا التي صنعها في افلامه بما هي خطوة ابعد في نقد الذات. من خلال تلك الحكاية، يجسد شاهين التداخل بين الحياة والفن ولكن ايضاً مع التاريخ والمكان. ولعله يدرك في نهاية الفيلم ان المرحلة وصلت الى نهايتها حين تتخلى يسرا/اناه الجديدة عنه ايضاً. بمعنى آخر، ما عاد شاهين قادراً على جلد نفسه ومحاكمتها كما فعل في السابق لأن الأنا المتبقية هي أناه في الزمن الحاضر بعدما انتهى من انا الطفولة والمراهقة والشباب.
بتلك التوليفة المجنونة والمركبة والمؤسلبة اختتم شاهين العقدين الابرز في مسيرته اي السبعينات والثمانينات واختتم معهما الكثير من الاسئلة والقلق، لأن ما سيليهما من افلام وإن لم يخلُ تماماً من اسئلته وهواجسه وملامح حياته، الا انه ينم عن تماهٍ وانسجام بين الوجه والقناع، بين الأنا والأنا الاخرى او ربما عن توحد الأنا في مواجهة الصراعات والشرور الخارجية (الارهاب والعولمة والغرب…) في مرحلة ستتسم بتحول لهجة شاهين الى الخطابية التعليمية.
المستقبل