سلام ثمنه ورقة التوت!
نزار جاف
عندما فاجأ الرئيس المصري الراحل أنور السادات العالم أجمع بعزمه للسفر الى تل أبيب من أجل السلام، فإنه تمکن من تحطيم و إختراق کافة الحجب و السواتر النفسية التي کانت تحيط به و حرر نفسه من وهم حرب ضروس تنتهي بمحو الدولة العبرية من الوجود و توحيد العرب في دولة واحدة. يومها، وقف کل العالم إجلالا لشجاعة هذا الرجل و ثمنت عاليا موقفه الجرئ من قضية شائکة و معقدة و صعبة کقضية الصراع العربي ـ الاسرائيلي، وفي الوقت الذي کانت الدنيا مشغولة و منهمکة بترشيح السادات لجائزة نوبل للسلام وکانت الکثير من الاوساط السياسية و الفکرية تدرس و تبحث في مبادرته الشجاعة وتنظر إليه کواحد من حکماء العالم، فإن القادة العرب کانوا مجتمعين في بغداد من أجل إعلان موقف عربي موحد رافض لمبادرة السادات و بذلك فقد أيدوا بصورة مباشرة تسمية”أبو رغال”عليه من قبل الاعلام البعثي الموجه من عاصمتي”العقيدة و النضال”بغداد و دمشق، ومع إنفضاض مؤتمر قمة بغداد، بدأت بغداد و دمشق بشکل خاص بشحن أطنان الکلام السقيم و السمج و البذئ بحق السادات و سياسته السلمية و طفقوا يتحدثون عن جبهة الصمود و التصدي و عن التحرير المزعوم لفلسطين، أما في الجانب الآخر، فقد تمکن السادات من تحقيق المعجزة بإستعادة سيناء من إسرائيل مثلما حقق معجزة العبور وتدمير خط بارليف. أما سوريا الاسد الراحل، فلم تحقق شيئا يذکر من حرب تشرين و کانت النتائج التي جنتها توازي نيات قيادتها السياسية المشهورة بلؤمها و خبثها وکما هو معروف”وعلى نياتکم ترزقون” فقد رزق الله نصرا مؤزرا و سلاما مشرفا للرئيس الجسور أنور السادات.
اليوم، وبعد ذلك الماضي لسوريا البعث، تطل الزعامة السورية على العالم و تدعو و بصورة علنية و على لسان سفيرها لدى واشنطن الى إنهاء”حالة الحرب مع إسرائيل” مؤکدا حقيقة انهم مع إسرائيل يرغبون في”الاعتراف ببعضنا و إنهاء حالة الحرب”و بطريقة يشم منها تقليد”مشوه”للزعيم المصري الراحل، قال السفير السوري عماد مصطفى مخاطبا حشد من نشطاء السلام في حرکة”السلام الآن”الاسرائيلية: فلنجلس معا الى طاولة المباحثات، و لنصنع السلام، ولننهي حالة الحرب وللأبد”.
قطعا لست أعادي إبرام إتفاقية سلام حقيقية بين سوريا و إسرائيل، لکنني لا أدري لماذا أجد القادة السوريين أشبه بشريحة معينة من البشر، أولئك الذين ليس للخجل من معنى أو وجود في قاموسهم السياسي أو الاخلاقي، ومثلما باع رفيق”عقيدتهم”صدام حسين نصف شط العرب مضافا إليها منطقة زين القوس و خضره وهيله مقابل إنهاء المقاومة الکوردية ضده، فإنه بنفسه عاد و مزق تلك الاتفاقية ومن ثم عاد مرة أخرى ليعترف بها مجددا وهکذا، فإن القانون في المنطق البعثي کان و لايزال”جرة قلم”، وجرات الاقلام السورية ـ العراقية(البعثية) مشهورة و معروفة للعالم، إذ بجرة قلم تم رکل الدستور السوري وتم تعديله قسرا لينصب ابن الدکتاتور الراحل حافظ الاسد، دکتاتورا جديدا على الشعب السوري. ومع ثقتي الکبيرة بأن إسرائيل أذکى و أدهى من يتمکن الاسد الصغير من اللعب عليها، فإنني أجد إندفاع دمشق للسلام مع إسرائيل اساسا وليد ظروف ذاتية و موضوعية صعبة و معقدة تعصف بالنظام السوري وتجعله في موقف حرج على عدة أصعدة وهذا الاندفاع ليس کسابق الاندفاعات السورية التي من ورائها لعبت على العديد من العواصم العربية و حتى الاقليمية و إبتزتهم بشتى الطرق، إنه إندفاع يختلف تماما عن الاندفاعات الاخرى، إذ إن القيادتين”القطرية و القومية”لحزب البعث السوري و على رأسها الرئيس بشار الاسد نفسه، سيجدون أنفسهم خلال أو في نهاية لعبتهم هذه مع إسرائيل، مجردين من کل شئ، حتى من ورقة التوت!!
ايلاف