صفحات سوريةما يحدث في لبنان

كيف يُقوّى إيمان سوريا بلبنان المستقل ؟

null
سركيس نعوم

يعتقد مرجع حكومي بارز ان لبنان ليس سويسرا، ولن يكون سويسرا خلافاً لما يعتقد كثيرون من اصحاب العواطف والاحلام وربما الأوهام. واسباب ذلك كثيرة ومعروفة ولذلك لا داعي الى تكرارها. ولكن يستطيع اللبنانيون، على تنوع “شعوبهم” وتناقضها، ان يحاولوا بناء دولة حرة وسيدة وديموقراطية وإن في الحد الادنى، وعادلة في تعاملها مع كل ابناء الوطن وقادرة بمؤسساتها وبالقوانين السارية فيها والاخرى التي تسنها السلطة الاشتراعية وفقاً للحاجة على بناء اقتصاد سليم ومعافى وعلى توفير مستلزمات العيش الكريم للمواطنين. كما يستطيع اللبنانيون ان يفتحوا بلادهم ودولتهم على العالم بكل اطيافه وعلى الافادة من ذلك في اكثر من ميدان ومجال. ويضيف المرجع نفسه ان على الدولة اللبنانية المنشودة ان تكون دولة عربية، وهذا الأمر لم يعد على الاطلاق موضع خلاف بين اللبنانيين منذ اتفاق الطائف لعام 1989 لا بل منذ اجتماع امراء الحرب برعاية سورية – سعودية في جنيف اواخر عام 1983 على الارجح. ويشدِّد على ألا تكون دولة قمع للحريات، ولا دولة استغلال للمواطنين، ولا دولة رعاية كاملة. اولا، لأن ذلك مستحيل نظراً الى امكاناتها الضعيفة اساساً. وثانياً لأن دولة كهذه تشجع البطالة المُقنعة. ويعني ذلك في رأيه ان دولة حماية الجشع والاستغلال للمرافق العامة على تنوعها مرفوضة، مثلما هي مرفوضة الدولة التي تستنزف الموارد العامة بذريعة توفير الرعاية.
ما هي الظروف التي تجعل قيام دولة لبنانية كتلك الموصوفة اعلاه امراً ممكناً ومتيسراً؟
الأجوبة عن هذا السؤال كثيرة. اولها، زوال الانقسام الحاد بين اللبنانيين طائفياً كان ام مذهبياً ام مناطقياً ام قبلياً أم سياسياً مصلحياً، ليس لأن الاجماع اساسي في الدول الديموقراطية وهو ليس كذلك، بل لأن اللبنانيين لا يزالون في مرحلة بناء دولتهم، ولأن نجاحهم في ذلك يقتضي توحّدهم. ذلك ان في استمرار انقساماتهم استمراراً لتدخل الخارج المتنوع في شؤونهم واستمراراً لاستعماله بلادهم ساحة ولاستخدامه اياهم ادوات. اما ثاني الأجوبة فهو “إقناع” الدول المتدخلة في لبنان فعلياً والمانعة قيام الدولة الحقيقية فيه بأن لبنان مستقلاً وسيداً هو في مصلحتها اكثر من لبنان مشرذم ومستعمل من جهات اقليمية ودولية متناقضة خدمة لمصالحها هي وحدها.
من هذه الدول المتدخلة في لبنان سوريا شقيقته التي يعتقد لبنانيون كثيرون، منهم المرجع الحكومي البارز نفسه، ان ايمانها بلبنان الوطن والدولة المستقلين ضعيف جداً والتي يعتقد لبنانيون آخرون ان لا ايمان عندها بدولة لبنانية مستقلة.
هذا الموقف السوري السلبي، سواء كان “ضعفاً في الايمان” أم قرارا بالسيطرة يُسبب التعاسة للبنان وشعبه بل شعوبه. والشعوب اللبنانية ترفض ذلك، مثلما ترفض ان يكون لبنان مصدراً لتعاسة ما في سوريا أياً يكن حاكمها أو أياً تكن الخلافات معها. ومن الدول المتدخلة في شؤون لبنان ايضاً الجمهورية الاسلامية في ايران، وتدخلها ليس خافياً على احد كما ان الذين تتدخل عبرهم يفاخرون بتدخلها هذا. وهدفها من ذلك تأمين نفوذ واسع لها في قلب العالم العربي وحول اسرائيل وتهديد الاخيرة ومصالح اميركا والغرب بغية اقناع الجميع بالاعتراف بها دولة عظمى ولاعباً اقليمياً اول. كما ان لها هدفاً آخر هو شد ازر “الشعب” اللبناني الذي يؤيدها. وتبقى الاهمية للهدف الاول. ولكن يجب عدم وقوع احد في وهم الاعتقاد ان الهدف الثاني قابل للتخلي عنه… الا في مقابل ضخم جداً جداً جداً.
كيف يمكن معالجة الاسباب او الظروف التي تعوق قيام دولة لبنان؟
تعتقد جهات لبنانية عدة، منها المرجع الحكومي البارز ان هناك وسيلتين لذلك. الاولى، استعادة سوريا من ايران. وهذا ما تحاول المملكة العربية السعودية القيام به عبر انفتاحها على نظام دمشق بعد طول قطيعة. وهذا ما دفعها احياناً الى التسرع، كما حصل بعد تكليف النائب سعد الحريري تأليف الحكومة الجديدة. وهذا ما تحاول مصر ايضاً القيام به، واميركا وكبار في المجتمع الدولي.
اما الوسيلة الثانية فهي حل قضية فلسطين لأنها السبب الاول والاخير لكل السلبية العربية والاسلامية ضد الغرب والمجتمع الدولي الغربي والتي بدأت سياسية ثم تحولت عنفية فإرهابية فلسطينياً اولاً، ثم عربياً فاسلامياً.
نجاح الوسيلة الاولى، تضيف الجهات اياها مع المرجع الحكومي البارز نفسه، مرتبط بنجاح الوسيلة الثانية او بتحقيق تقدم مهم فيها. مثلما مرتبط نجاح معالجة الموضوع الايراني بالوسيلة الثانية نفسها. واذا لم تدرك اميركا ذلك، ومعها المجتمع الدولي، واذا لم يترجما ادراكهما عملاً ملموساً، يكونان “لا عيّدوا في دمّر ولا لحّقوا العيد في الشام” كما يقول المثل.
طبعاً، هذا الكلام قد يعتبره لبنانيون آخرون ناقصاً او ربما منحازاً الى المعسكر الذي يتهمونه بالانحياز الى اميركا وعربها. ذلك ان التدخل في لبنان تمارسه ايضاً السعودية ومصر واميركا وغيرها من الدول. وهذا الانحياز صحيح. لكن الصحيح ايضاً هو عدم وجود قرار عند هذه الدول بالسيطرة على لبنان او بالوصاية عليه او بجعله مدى حيوياً وتالياً بإفقاده سيادته واستقلاله وبضرب نظامه الديموقراطي. بل ان قرارها المنطلق من مصالحها الاقليمية وليس من مصلحة لبنان هو التصدي للتدخل السوري – الايراني لاحباط مخططاتهما. واذا ادى ذلك الى افادة لبنان فلم لا؟ علماً ان فائدة لبنان لن يؤمنها هذا التصدي وحده اذا بقي شعبه مشرذما.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى