جورج كتن

نقد بقايا الأيديولوجيا ومفاهيم الحرب الباردة في وثائق حزب الشعب الديمقراطي السوري

جورج كتن

 

 2005 / 6 / 3

 

أحد أسباب تخلف الشعوب تمسك نخبها بأفكار ونظريات ومبادئ ومواقف تجاوزها الزمن ولم يعد لها علاقة بالوقائع الجديدة المتطورة، حتى أن العديد من النخب السياسية المتمسكة بالقديم ترى تخطئة من يغير مفاهيمه وآرائه لتتلاءم مع العصر، فالتخلي عن المبادئ لديها، حتى لو عفا عليها الزمن، أعلى درجات “اللاأخلاقية” في العمل السياسي، والتمسك بالمبادئ أعلى درجات “الثورية”. لذلك يمكن تفسير أسباب الجمود لدى تيارات سياسية وفكرية تفتخر بأنها ثابتة على المبادئ دون الاهتمام بمدى مناسبتها للظروف السائدة.

لا ينفي ذلك أن نخب أخرى أجرت مراجعة شاملة لنظرياتها وبرامجها وسعت للتخلي عما شاخ منها وأصبح معرقلاً للتقدم، ومنها الحزب الشيوعي السوري– المكتب السياسي الذي تميز منذ تأسيسه أوائل السبعينيات بوعيه لضرورة الانتقال من حزب شيوعي سوفييتي إلى حزب شيوعي عربي يضع الأولوية في توجهاته لمصالح بلاده وليس بينها مصالح السياسة الخارجية السوفييتية، مما مكنه من إدراك أن المهمة الأولى في سوريا العمل للتغيير الديمقراطي وليس دعم ما سمي التطور اللا رأسمالي للنظام السوري الاستبدادي أو سياسته الخارجية التي دعيت “وطنية” لعلاقة النظام بالاتحاد السوفييتي السابق.

بعد ربع قرن من التغيير في “المبادئ”، الذي أدين في حينها من الأحزاب الشيوعية المتكلسة، يقوم الحزب حالياً بنقلة جديدة وتغيير رئيسي في مبادئه واسمه، من الشيوعية إلى الديمقراطية، – فحزب شيوعي يدعو للديمقراطية أمر لا يمكن فهمه بعد الارتباط الوثيق بين الشيوعية والديكتاتورية- وليتحول إلى “حزب الشعب الديمقراطي السوري”، وليطرح مؤتمره السادس المنعقد في أواخر نيسان تقريراً سياسياً يقارب بشكل جيد التاريخ السوري منذ الاستقلال حتى الآن، وبرنامجاً سياسياً للانتقال بسوريا إلى الديمقراطية، يمكن أن يكون مقبولاً من قطاعات واسعة في المجتمع كدليل عمل في مرحلة التغيير القادمة.

تأييدنا لهذا البرنامج لا يمنع من ملاحظة أن بقايا الأيديولوجيا القديمة ومفاهيم الحرب الباردة لا زالت مؤثرة في عدد من المسائل المعالجة في وثائق المؤتمر، ونظن أن الحزب لا يستفيد من تثميننا للنواحي الإيجابية المطروحة، بقدر ما يستفيد من نقدنا لما نراه من وجهة نظرنا خاطئاً في تحليلاته ومواقفه:

1- استمرار الوثائق بالتمسك بالمفهوم القديم للخمسينيات حول السياسة الأمريكية في المنطقة، المصنفة تحت اسم “المشروع الإمبراطوري الأميركي الجامح لقيادة العالم”، “الذي تتفرع منه مشاريع أميركية صهيونية بدأت مع غزو العراق، لإدخال إسرائيل في بنية المنطقة وإعطائها دوراً أكبر كمرتكز استراتيجي في صياغتها”، وذلك يجري –حسب الوثائق-: تحت ادعاء نشر الديمقراطية، فيما هي “تعميم لليبرالية الجديدة التي تطلق الحرية إلى حد العنف”. فأميركا “تقود هجوماً استعمارياً لاستئصال الفكرة العربية والترويج للكانتونات الدينية والمذهبية والعشائرية والإثنية، لتحقيق مصلحتها في السيطرة على النفط العربي“!

وهو برأينا وصف إنشائي غير مدعم بالوقائع، وامتداداً لمفاهيم الحرب الباردة حول “المؤامرات” و”نهب الثروات”و”المشاريع الإمبريالية الصهيونية”، يرى في السياسات الأميركية شراً مطلقاً ويتجاهل متغيراتها إثر 11 أيلول، إذ أقرت بخطأ السياسة السابقة في دعم النظم الاستبدادية المؤدية لتفريخ المنظمات الإرهابية التي باتت خطراً على أميركا والغرب والعالم.

والمسألة ليست إدعاءً بنشر الديمقراطية، بل مسألة ملموسة كنتيجة لحرب أفغانستان والعراق التي أسقطت أنظمتها الاستبدادية وفتحت الطريق لأنظمة تسير على طريق الانتقال للديمقراطية، بالإضافة للقرار 1559الذي مكن اللبنانيين من تخليص ديمقراطيتهم المحتجزة من الوصاية السورية ودولتها الأمنية، وللضغوط على أكثر من نظام عربي استبدادي لإجراء إصلاحات سياسية. أما سياسة “سايس- بيكو الجديدة” المسحوبة من الملفات القديمة، فهي موجودة فقط في أذهان مطلقيها من “المواجهين” للشيطان الأكبر الأميركي، إذ أنه لم يقسم شيئاً حتى الآن، فأفغانستان ما زالت موحدة، أما إقليم كردستان الذي تعرض لعمليات الإبادة من قبل النظام السابق مما استدعى تدخل المجتمع الدولي لتأمين الحماية له بعد إخراجه من سلطة النظام الدموي، فقد عاد لأحضان العراق بعد إقرار النظام الجديد لعراق فيدرالي موحد.

أما التقسيمات الطائفية في العراق فليست من صنع القوى الخارجية، بل هي نتاج محلي قديم، حيث أقلية طائفية توالت على حكم العراق مهمشة للطائفة الأكبر ومخضعة لها بالقمع، فالمحاصصة الطائفية الحالية هي خطوة لرفع الاضطهاد والتهميش، تمهيداً لذوبان الجميع في نظام ديمقراطي عادل وقائم على أساس المواطنة المتساوية، وهي مسألة لا يمكن حلها بقرار بل بتوعية وممارسة وتدرج طويل. بقاء العراق موحداً مصلحة أميركية، أما التفتيت فمصلحة للقوى السلفية الظلامية التي دعت لذبح “الروافض” ومارست ذلك في عمليات القتل العشوائي للتجمعات الشيعية لدفع العراق للحرب الأهلية، التي هي مصلحة أيضاً للأنظمة العربية الاستبدادية التي تفضل إغراق القوات المتعددة الجنسية في رمالها لمنع تأثيرات نجاح التجربة الديمقراطية العراقية على بقاء أنظمتها.

2- لكي يصح هذا الموقف المسبق من السياسة الخارجية الأميركية والغربية الجديدة، كان لا بد للوثائق أن تجعل من الحرب ضد الإرهاب: “يافطة مزيفة ومفتعلة” تخفي نزعة الأبطرة الأميركية، كحرب حضارات “لعزل العرب والمسلمين وتهميشهم وإخراجهم من مجالات العلم والتقدم، تتطور لتدمير منهجي لشروط التنمية”. هذه الصيغ أفضل مثال على نظرية المؤامرة التي تقترب من تفسير القوى الأصولية للحرب الدينية المزعومة التي تشن على الإسلام.

كما ترى الوثائق أن الإرهاب والتطرف في المنطقة أنجبته أميركا، متجاهلة جذوره المحلية التي أطلقته، فأميركا لم تنجبه بل وجدته جاهزاً فسخرته في حربها الباردة ضد الاتحاد السوفييتي لينقلب ضدها بعد نهايتها. لذلك لا تهتم الوثائق بالبحث في أسباب الإرهاب الأصولي المنتشر في أكثر من بلد عربي طالما أنه من إفرازات الشيطان الأكبر. وهي رغم نقدها “للنزعة المتطرفة للانقطاع عن العالم الغربي والخوف منه والشك في نواياه ومعاداة كل ما يصدر عنه، والدعوة لمساندة الجهود العالمية في محاربة الإرهاب”، تنزلق لنفس النزعة التي تنتقدها.

3- تقدم الوثائق تحليلاً منسوخاً من البرامج القديمة للأحزاب الشيوعية حول تفاقم الأزمة العامة للرأسمالية، دون الحاجة لتقديم وقائع أو أرقام تؤكد ذلك، فبعد حذف الحديث التقليدي عن انتصار الاشتراكية، رأت أن “انتصار الرأسمالية الحالي لم يؤد لتعميم التنمية الاقتصادية ودولة القانون والديمقراطية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان”. وهو تجاهل للتطور في هذه المجالات جميعاً في دول أوروبا الشرقية التي ساهم الغرب بانتصاره في الحرب الباردة بإخراجها من سجن الشعوب إلى الحرية والديمقراطية والتنمية.

4- وتعتبر الوثائق أن حرب أفغانستان والعراق التي أدت لإسقاط أبشع نظامين في العالم “كارثة” تسببت بها قوى الليبرالية الجديدة، مع التقليل من أهمية دور النظام العراقي، الذي لم تعتبر الوثائق احتلاله للكويت كارثة مدمرة بل مجرد “خطأ” ارتكبه النظام، فيما تسخر من تسمية إخراج التحالف الدولي للقوات العراقية من الكويت تحريراً لها، فالشيطان الأكبر الأميركي الغربي حسب مفاهيم الحرب الباردة لا يمكن أن يحرر شيئاً بل ينتج فقط الكوارث والمآسي، والوثائق تفضل اعتبار اجتياح النظام العراقي للكويت “رداً على مطالبة دول الخليج بديونها ولتضرره من سياساتها النفطية”، وهي ذرائع تخفي النزعة التوسعية الإمبراطورية للنظام الصدامي التي أدت لدمار شامل في قدرات العراق البشرية والمادية.

5- وبما أن العولمة أيضاً من إنتاج أميركا والغرب فالوثائق تفضل وصفها بعولمة متوحشة ترعاها الليبرالية الجديدة واليمين المتطرف، لتدعو لمناهضتها بعولمة بديلة دون أن تطرح ما هو هذا البديل، فالمناهضة برأينا هي لسلبياتها مع القبول بإيجابياتها الإنسانية والعمل من داخلها وليس لنفيها الذي يؤدي لرفض التقدم والحداثة.

6- تأمل الوثائق بنشوء أقطاب عديدة تتصدى للقطب الواحد العالمي، وهي دعوة للتراجع عن المسار المؤدي لتوحد العالم، والعودة لنسخة جديدة من حرب باردة، رغم أنها مرحلة تم تجاوزها. فسلبيات القطب الواحد لا تواجه بالعودة لتصارع الأقطاب بل بمواجهتها من داخل العالم الذي يتوحد.

7- تمسكت الوثائق “بالإيمان” بالوحدة العربية كمبدأ وهدف يسعى إليه الحزب، واعتبرت أن العالم العربي يمر بمرحلة من التمزق، بينما الواقع أنها ليست مرحلة بل مصير أكيد كنتيجة لتعزز الهويات المستقلة لكل دولة مما خلق حقائق جديدة وتمايزات تتناقض مع القومية العربية، التي ليست سوى فكرة تدعيها أنظمة أو تحملها نخب للهروب للأمام من سوء أوضاع بلدانها، وعلى أنها الحل لجميع مشكلات مجتمعاتها الداخلية والخارجية، فالتشتت العربي ليس نتيجة لإخفاق الحركة القومية، بل إن فشل الحركة هو نتيجة لنشوء هويات مستقلة غير قابلة للتجاوز. كما أن إلقاء أسباب التمزق على الاستعمار تقليد قديم من الخمسينيات، فالنزاعات العربية متولدة داخلياً ولا تحتاج لمن يوترها من الخارج. وترى الوثائق أن عدم إنجاز أي شيء وحدوي حقيقي انعكس على قدرة الأقطار على تحقيق برامجها الداخلية الوطنية والاجتماعية، فيما الواقع أن إخفاق كل قطر في الوصول لمجتمع مندمج هو السبب في فشل العمل من أجل خطوات اتحادية.

وتكاد تكون أوضاع الأقطار العربية التي تجمعها عروبة ثقافية، شبيهة بأوضاع دول أميركا الجنوبية التي تجمع معظمها الرابطة الثقافية الأسبانية دون أن يعني ذلك إمكانية توحدها، ويتعلق قيام تكتلات أو اتحادات تجمع بينها بمدى إنجاز مجتمعاتها لأنظمة ديمقراطية متجهة للتنمية لصالح مواطنيها، وعلى توافر مصالح اقتصادية مشتركة تستفيد منها المجتمعات فيما لو اتحدت، بحيث يكون أساس أي اتحادات مستقبلية المصالح المشتركة وليس الانتماء أو الهوية.

لا نتوقع أن يكون أصحاب الوثائق مقتنعون بأنه يمكن الوصول إلى شيء من رفع شعار “الإيمان” بالوحدة العربية، وربما يكون إدراجها في برنامجهم “رفع عتب” لكي لا يتهموا بالتخلي عن “مبدأ” مهم من مبادئ الخمسينيات الفاشلة.

8- ترجع الوثائق الفشل في حل المسألة الفلسطينية للتفكك العربي الذي انعكس على دور الشعب الفلسطيني، فالوحدة -حسب الوثائق- طريق أو شرط لتحرير فلسطين وهو شعار قديم نجح في إفشال أي حل فلسطيني واقعي في انتظار مجيء الوحدة التي لم ولن تأتي. والوثائق تنتقد التوجه لإزالة آثار العدوان والتحول للسلام كخيار استراتيجي وترى أن مشاريع السلام المعروضة مشاريع استسلام، فهل تفضل الوثائق استراتيجية عربية تحريرية وحروب جديدة من نمط ما كان سائداً حتى أوائل السبعينيات؟

كما تبالغ الوثائق في دور إسرائيل فترى أنها تسعى لمحو شخصية الشعب الفلسطيني وتطال الشعوب العربية بأسرها في حاضرها ومستقبلها، وتكرر المفاهيم القديمة حول الدور الوظيفي –المتلاشي برأينا- لإسرائيل في حراسة التجزئة والتأخر والتبعية والتصدي للمشاريع الوطنية والتوجهات الوحدوية وأنها ما زالت ذات سمة توسعية رغم انسحابها من سيناء ومن جنوب لبنان واستعدادها للانسحاب من الجولان ورغبتها في حل سلمي في الضفة وغزة مع الاحتفاظ بالمستوطنات، وهي التوسعية الوحيدة الباقية لإسرائيل، التي يقاومها الشعب الفلسطيني ويرفضها المجتمع الدولي.

كما رأت الوثائق أن العسكرة ضرورة وطنية، وهو تجاهل لما أدت إليه العمليات الانتحارية من تأثيرات سلبية على النضال الفلسطيني داخلياً وخارجياً، وتجاهل لنتائج الانتخابات الرئاسية حيث صوت الفلسطينيون لصالح برنامج وقف العسكرة والتوجه للحلول السياسية السلمية. فالوثائق تدعم عملياً الفصائل التي ترى في العمل المسلح الحل الوحيد، وتتبنى بشكل غير مباشر مفهوم صراع الوجود رغم موافقتها على “الحل المرحلي” الراهن: إقامة دولة فلسطينية في الضفة والقطاع، فيما أن الحل الواقعي الراهن برأينا ليس مرحلة بل المأمول أن يكون نهاية للصراع الذي استنفذ بلا طائل الموارد البشرية والمادية للمنطقة.

9- يتحول الكفاح المسلح من وسيلة إلى “عقيدة” عندما تؤيد الوثيقة أيضاً حق الشعب العراقي في مقاومة الاحتلال بالسلاح، دون الحاجة للخوض في تفاصيل وقائع الوضع العراقي وطبيعة القوى التي تمارس العمل المسلح، التي لا تتجاوز بقايا النظام الفاشي السابق والحركة السلفية الظلامية، مع تجاهل أن غالبية الشعب العراقي صوتت في الانتخابات الأخيرة للعملية السياسية الديمقراطية المؤيدة من الشرعية الدولية وخاصة في القرار 1546 الذي حدد جدولاً زمنياً لها وترك قرار إنهاء عمل القوات متعددة الجنسية للحكومة العراقية المنتخبة، ولا يعيق انسحاب هذه القوات سوى الحاجة إليها لمواجهة استمرار الأعمال الإرهابية التي تطال في معظمها المدنيين الأبرياء. فإصرار الوثائق على المقاومة المسلحة يستند إلى المفاهيم القديمة التي تعتبر حمل السلاح أقصى درجات الثورية، أما الحلول السلمية فهي حلول استسلامية.

10- الإعلان عن “إيمان” الحزب بالاشتراكية والعمل من أجل تحويل المجتمع باتجاهها، يعني أنها ممكنة حالياً، مما يتعارض مع ما جاء في البرنامج حول دعم اقتصاد السوق، وهو “إيمان” يأتي دون توضيح لماهية هذه الاشتراكية، هل هي تكرار لهيمنة الدولة على الإنتاج الذي وصفته الوثائق برأسمالية الدولة: “التي ثبت فشلها في تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية، وتسببت في تدهور شامل طال كافة مناحي الحياة، كما أدت للوصول إلى الأزمة العامة”؟. لم تقدم الوثائق فهماً مغايراً لاشتراكيتها، لذلك فالتمسك بها حسب الصيغة القديمة الفاشلة، هو من بقايا الأيديولوجيا القديمة، إذ أن الماركسية ما زالت أحد المراجع النظرية التي يعتمد عليها الحزب بعد نقد فرعها اللينيني والستاليني فقط دون نقد شامل للماركسية نفسها، الذي يمكن أن يؤدي لرفضها بمجملها كنظرية تفسر وقائع زمن مضى في مكان آخر، فهي ليست نظرية لكل زمان ومكان.

الاشتراكية تحتاج فعلاً “لإيمان” يتجاوز العقلانية للتمسك بها، وهو “إيمان” يمكن أن ينعكس بموقف وسطي من القطاع العام، لا يفرط بما تدعوه الوثائق “ملكية الدولة والشعب!” و”لا يقف من الخصخصة موقفاً سلبياً بالتمسك بالموقف الأيديولوجي المسبق”. فيما أن المصلحة تفرض برأينا تصفية القطاع العام الإنتاجي وحصر إنفاق الدولة بالخدمات العامة وسن قوانين تسهل الاستثمار الخاص الداخلي والخارجي وتمنع الاحتكار وتحافظ على الضمانات الاجتماعية وتوسعها.

11- نرى أن الحلول المطروحة في الوثائق للمسألة الكردية ناقصة فالديمقراطية والمواطنة المتساوية والحقوق الثقافية غير كافية إن لم يتم الاعتراف بالشعب الكردي كأحد مكونات الشعب السوري، وبحقه في إدارة شؤونه في مناطق تجمعه ضمن إطار وحدة البلاد.

12- ونرى أن الدعوة لتأسيس خط ثالث بين النظام والقوى الخارجية يقوم وحده بالتغيير، سيقود لتكتل انعزالي هامشي، فللخارج دوره في الضغط من أجل التغيير، كذلك لا يمكن إنكار الإصلاحات المحدودة التي أجراها النظام، فالتغيير نتيجة لتضافر وتشابك تأثيرات القوى الثلاث، والخط الثالث المقترح هو الأقل قدرة على إجراء التغيير وحده في الظروف الراهنة، والأكثر حاجة لعدم رفض ما يأتي من الطرفين الآخرين من تأثيرات في التغيير القادم.

13- تنتقد الوثائق المعارضة السورية وخاصة التجمع الوطني “الديمقراطي” لبطء حركته وتخلف خطه السياسي وتقصيره في التصدي لقيادة العمل المعارض، وتظهر الخشية من طغيان ذرائع الاستناد للشرع الإسلامي لمنع متطلبات التقدم في مشروع الإخوان الديمقراطي، وأن الجماعة لم تقدم اعتذاراً للشعب السوري منتقدة خطأها في إطلاق العنف المسلح في الثمانينيات….

رغم موافقتنا على هذا النقد فهو برأينا جزئي غاب عنه أهم نقد يمكن أن يوجه للمعارضة القومية واليسارية والإسلامية، وهو تشاركها مع النظام في أصول نظرية واحدة، فلا تختلف عنه إلا في طرحها الديمقراطي كقوى خارج السلطة، ولا شيء يضمن التزامها به داخلها إلا إذا قطعت منذ الآن مع أية أيديولوجيا أو مفاهيم قديمة تبرر الاستبداد، فالنظرية القومية والماركسية والنظرية الخاصة بالإسلام السياسي ليست خارج الفكر الشمولي.

وإذا كان حزب الشعب الديمقراطي السوري قد خطا خطوة صحيحة في اتجاه القطع مع أصوله القديمة، فأنه ما يزال بحاجة لخطوات أخرى أوسع تؤهله لدور هام في مستقبل البلاد، علماً أن دعوته لجبهة عريضة يجب أن تكون واضحة بتجاوزها لإطار “التجمع” الذي أثبت حتى الآن فشله في تكوين قاعدة لهذه الجبهة التي تمس الحاجة إليها في الظروف الراهنة.

14- ولكي يكون للحزب مصداقية أكبر في الدعوة والعمل من أجل نظام ديمقراطي، فإن نظامه الداخلي المتطور ينقصه القبول بقيام تكتلات داخل الحزب، إذ ما معنى قبول نشوء تيارات ومنابر مع تعليق هذا القبول برفض تحولها لتكتلات تنظيمية ملموسة كما جاء في نظامه الداخلي، أي أنه يقبل التيارات والمنابر الوهمية غير الملموسة. ويؤكد ذلك أن الوثائق نفسها لم تشر إلى أي تباين أو وجهات نظر مخالفة من الطيف الواسع من المسائل التي ناقشها المؤتمر، إذ تضمنت الوثائق رأي الغالبية فقط، وتجاهلت كلياً رأي الأقلية الذي من المؤكد وجوده، ومن حقه أن يطرح في الوثائق إلى جانب الرأي الأكثري إذا كان احترام حرية الرأي والتعبير جدي في النظام الداخلي المعلن.

 

نأمل أن تكون ملاحظاتنا مفيدة في الحوار حول الوثائق المطروحة مع تأكيدنا مرة أخرى على أهمية التطوير والتجديد الذي أحدثته، وضرورة المزيد من الخطوات للتخلص من المفاهيم القديمة الشائخة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى