هل سترقص مصر على إيقاع تركيا وإيران؟
سعد محيو
مرحلة استثنائية، إذاً، هي تلك التي يمر بها الشرق الأوسط هذه الأيام، من شأنها أن تغيّر مجرى التاريخ، أو على الأقل تفتح في جدرانه شقوقاً تطل على مشاهد مختلفة لموازين قوى مغايرة.
التمخضات الحالية في تركيا ستقود إلى أحد أمرين كلاهما ثوري: الأول، انتصار نهائي ل”العثمانية الجديدة” يسفر عن عودة مجلجلة لتركيا إلى “ممتلكاتها العثمانية” القديمة في الشرق الأوسط، مما سيقلب كل بنى وديناميات الصراع في المنطقة رأساً على عقب. والثاني، انقلاب عسكري علماني جديد لا يستبعد أن يؤدي إلى إدارة ظهر تركيا للغرب وتوجهها نحو التحالف مع روسيا والصين والهند. وبالطبع، مضاعفات مثل هذا الاحتمال (وهو وارد) على موازين الشرق الأوسط، لن تكون أقل درامية من سيناريو انتصار “العثمانية الجديدة”.
وبالمثل، المآل الذي ستصل إليه المجابهة الراهنة بين إيران والغرب، سيحدد إلى درجة كبيرة طبيعة وحجم ومدى دور طهران في الشرق الأوسط: إما دور المشارك في نظام إقليمي جديد أو دور المشاغب في أي “باكس” (سلام) قد تحاول الدول الإقليمية والدولية فرضه. لكن، وفي كلا الحالين، لن يكون في وسع الغرب بعد الآن إسقاط إيران من اللعبة الكبرى في الشرق الأوسط.
وكذا الأمر بالنسبة إلى “إسرائيل”، التي تقف حالياً على مفترق طرق خطر: بين أن تواصل الإصرار على الهيمنة غير الرسمية (عبر نظرية التفوق النوعي على كل دول الشرق الأوسط مجتمعة)، مما سيعني حروباً لا نهاية لها، وبين أن تقبل بأن تكون عضواً، وإن “متساوياً أكثر من غيره”، في نظام إقليمي جديد.
تساءلنا بالأمس: أين العرب من كل هذه التمخضات؟
بعضهم، كالمملكة السعودية، بات يدرك خطورة غياب لحمة العروبة على كل الدول العربية فرادى وجماعات، وهذا ما يظهر من سياستها الخارجية التي يتم تفعيلها لتعزيز هذه اللحمة.
البعض الآخر، كسوريا وليبيا، لا تزال تبحث عن أمنها الخاص في شبكات أمان تكون إقليمية أحياناً (كما مع الأولى) ودولية في غالب الأحيان (كما مع الثانية). ثم هناك مجموعة ثالثة، هي دول المغرب العربي، تجد نفسها ضائعة في منزلة بين المنزلتين: بين انضمام صعب إلى الغرب الأوروبي، وبين إدارة ظهر مستحيلة للقومية العربية.
تبقى مصر. فهذه الدولة الإقليمية الكبرى، وأكثر من أية دولة عربية أخرى، ستحدد التطورات فيها مصير العرب في التنافس الراهن على صياغة نظام شرق أوسطي جديد. وبالمناسبة، هذه التطورات وصلت الآن على ما يبدو إلى حد السكين. وهذا لا يعود فقط إلى أزمة الخلافة الراهنة، ولا حتى إلى تفاقم الأزمات الاجتماعية والانفجار الديموغرافي الكبير، بل أولاً وأساساً إلى الحقيقة بأن 30 سنة من التحالف مع أمريكا والسلام مع “إسرائيل”، لم يؤديا إلى إقلاع اقتصادي على النمط الذي أسهمت به واشنطن بقوة في اليابان وكوريا الجنوبية وأوروبا الغربية. العكس كان صحيحاً. وفي الوقت ذاته، كانت مصر تخسر خلال هذا التحالف مواقعها القيادية في الشرق الأوسط، مما أفقدها ليس فقط دورها القيادي التاريخي، بل أيضاً ما هو أهم: أوراقاً استراتيجية مهمة لفرض وجودها ومصالحها في ألعاب الأمم.
مصر هي الأخرى تتمخض بعنف. وبالطبع، إذا ما أسفرت التطورات في تركيا وإيران عن تحولات ما ضد الغرب، فستكون هذه فرصة جلى لمصر لتحاول هي الأخرى الفعل نفسه.
على أي حال، كل هذه التمخضات لا تزال في بداياتها. في بداياتها الأولى في الواقع. وإلى حين اقتراب موعد ولادة نظام إقليمي جديد في الشرق الأوسط، يمكننا توقع أحداث كبرى ومفاجآت أكبر، في منطقة لطالما اشتهرت بأنها أرض المفاجآت والاختراقات التاريخية.
الخليج