إعلان دمشق والطريق إلى الحرية؟
محمد زكريا السقال
يؤكد المناضلون السوريون عزمهم على انتزاع الديمقراطية ، واضح هذا ، بل يصرون على سلمية هذا التغيير باتجاه استعادة المجتمع السوري لحيويته ، من خلال إطلاق الحريات السياسية بما يترتب عليه ، إعادة الاعتبار للقانون والدستور وتشريع القوانين التي تسمح بتشكيل الأحزاب والأعلام والجمعيات والمنتديات الثقافية .
لذا فالديمقراطيون السوريون لم يألوا جهدا بتفعيل الحراك الديمقراطي ، من خلال إبداع لجان أحياء المجتمع المدني ، والذي كان نقلة باتجاه إثارة حوار جاد مع كل المعنيين بمحاربة الفساد وحركة الارتداد الثقافية والروحية التي نخرت المجتمع ووحدته الوطنية ، كما كان لحركة المنتديات الثقافية التي انتشرت مثل النار في الهشيم على كل مساحة الوطن مما يؤكد استعداد المواطن للانخراط بحركة التغيير الديمقراطي السلمي من خلال فتح كل الملفات التي تشكل بداية إنهاء السلطة الأمنية وإعادة الاعتبار للتعددية ودمقرطة المؤسسات والنقابات الخطوة الأولى في كنس الفساد المستشري والمعمم ، الأمر الذي أزعج السلطات والمتضررين من نظافة البلد ، وخوفا من المحاسبة والرقابة التي تشكل عنوان الدولة ، فالدولة مهمتها مراقبة تطبيق الدستور والقانون ومحاسبة كل التجاوزات والتسلط العائلي والحزبي والأمني ، بما يعني كف يد الفساد والتسلط وكون الوطن مزرعة لمجموعة من المتنفذين والمسيطرين على رقاب وقوت الشعب ، وقد دفع المناضلون السوريون ثمن انقلاب السلطة عليهم وعلى تحركاتهم المشروعة سنوات من عمرهم بالسجون والمعتقلات ، وهذا لا ليس بجديد عليهم وعلى تضحياتهم .
اليوم وبعد أن أبدع الوطنيون السوريون أتلاف إعلان دمشق ، هذا الإطار الذي يشكل نقطة بارزة بتاريخ الحركة الوطنية السورية لأنه يضم تشكيلة عريضة من القوى والتجمعات والشخصيات والفعاليات التي تشكل نسيج الوطن وتصون وحدته الوطنية وتضع التغيير على طاولة الواقع لإرادات تناضل وتحلم بوطن ذو سيادة وحرية و قادر على انجاز كل مهام سيادته الوطنية من خلال تحرير أرضه وتنمية طاقات وإمكانيات بلده لتصطف بجدارة بالعصر الذي تعيشه وهو عصر الديمقراطية وحقوق الإنسان والانفتاح على المعرفة والثقافة التي تشكل سلاح مهم للتفاعل مع الأخر على أرضية المصالح المشتركة ، وليس التبعية والدور .
لم يكن من السهل تجميع قوى إعلان ، ولم يكن من الممكن إنتاج برنامج يلبي كل الطموحات والرغبات ، لهذا خرج هذا الجنين وهو يتطلع لمناخ أكثر صحة وإرادات أكثر تفهما ، ليس من المهم الحديث عن الظروف التي ولدت إعلان دمشق ، لأنه بالعمل السياسي يجب حساب كل الظروف والتفاعلات التي تحيط بالواقع من أجل جهوزية الحضور ، وهذا كان بحساب الكثير من القوى معادية كانت أم صديقة ، حتى أطراف السلطة كانت تتحسب وتراقب وتناور بكل مالديها من أوراق
القضية بالنسبة لنا كقوى وأتلاف بهذا التجمع اين تتوجه بوصلة النضال والأستعداد ، هذا التوجه الذي نؤكد عليه وهو الوطن وحرية مواطنه وسيادة شعبه من خلال سيادته على مقدراته وأرضه ، وبهذا يكون التوجه للشعب ورفع حساسيته ومشاعره باتجاه الذين يعبثون بوطنه ويصادرون حياته وأمنه ولقمة عيشه من اجل استقرار سلطتهم واستمرار نهبهم .
إن الصراع الذي تفجر بين رفاق إعلان دمشق والوهم الذي تلبسهم من خلال المراهنات الغير مدروسة ومنطق المكابرة والتزمت وعدم التراجع أمام المغالطات والتهورات يؤكد وللأسف عن عمق الأزمة التي تصيب جسدنا كحركة وطنية تريد تغييرا ديمقراطيا ،ولا تلتزم أبسط قواعد الديمقراطية ، الديمقراطية التي لا تفترض تفصيل نتائجها على المقاس والتطابق ، إلا أنها أيضا محددة بإطار ملزم فالدول الديمقراطية تمارس ديمقراطيتها تحت سقف الدستور والقانون ، ومن الواضح إن الإعلان لم يلزم نفسه بدستور وقانون ، وإذا حصل هذا فيدلل على مأزق هذا الدستور والقانون ، لن ندخل بمهاترات حول كل الذي ساد فمازال هناك فسحة من الأمل يمكن الرهان عليها من أجل تفعيل إعلان دمشق وهي ، مأزقه القائم ، وعدم إعلان الانسحاب من قبل الأطراف التي أعلنت تجميدها ، وهذا بدوره يتطلب أعادة النظر وبشكل جاد لجميع القوى التي ساهمت بتشكيل هذا الإعلان وذلك لعدة أسباب .
1 ــ لم يحقق إعلان دمشق أي تقدم على مستوى اختراق المجتمع السوري وحشده لعملية التغيير .
2 ــ أن خروج النظام من عزلته ومأزقه دلل وبشكل تراجيدي على مجمل الأوهام والرهنات على أن تغييرا يمكن أن يحصل من الخارج ، أو صدقة يقدمها النظام وخرجت كل الأطراف المتضررة من سياسة النظام ومناورات الخارج الذي جل تفكيره بالنفط والمنطقة ، بخفي حنين .
3 ــ هناك ما يملي على قوى الإعلان أن تتداعى لحوار جاد ومعمق حول التطورات القائمة بالمنطقة من انفتاح الغرب والأمريكان وإسرائيل على النظام وما يترتب عليه من سياسات اقتصادية جديدة تنتظر المنطقة .
4 ــ الحوار السوري الإسرائيلي وموضوعة الجولان والاتفاق المزمع عقده وهل سيعيد الجولان محررا وسيادته تابع للسيادة السورية ، أم سنواجه سيناء جديدة سيناء لا علاقة لمصر والمواطن المصري بها بعد أن قسمت على حيتان مصر كمنطقة سياحية ولكن هدفها الأول أمن إسرائيل ، وامن النظام المصري القابع بشرم الشيخ .
5 ــ اتفاق باريس والاتحاد من أجل المتوسط والذي لا يبعد كثيرا عن الشرق الأوسط الجديد إذ لم يكن أسوء
هذه القضايا التي تحيط بنا جديرة بالمبادرة من أجل إعادة الاعتبار للحوار والنقد والتفاعل لأن عملية التغيير ، من الواضح أنها طويلة ، وهذا مايملي علينا نزع خلافتنا جانبا والانخراط بتوجه جديد تكون مصالح الشعب وسيادته وتحرره بصلبه وعنوانه فهو صاحب المصلحة الأساسية بنسف هذه الغمة التي تحيط بوطننا منذ عقود .
برلين / 1 / 8 / 2008
مدونة رائعة بحق يعطيك العافية