صفحات الناسعمر قدّور

المعجزة السورية

null
عمر قدور
تمتلئ صحافتنا الرسمية بتحقيقات عن الفساد، حيث لا نكاد نطالع إحداها إلا ونتعرف على قضية من قضايا الاختلاس أو الإهمال الإداري. بالطبع هذا يُسجّل للصحف الرسمية، قياساً إلى الصحف الخاصة التي تبرز الجانب المشرق فقط، ولا تشير إلى الفساد وسوء الإدارة إلا عندما يتعلق الأمر بالمنتخب الوطني لكرة القدم. بحسب الصحف الخاصة الأوسع انتشاراً لا شيء ينغّص علينا سوى تعثر الرياضة السورية وفشل المنتخبات في الاستحقاقات الدولية، وعندما يتم إصلاح هذا الخلل البسيط سنصطف ونغنّي بصوت واحد: أنا سوري يا نيّالي.
السؤال الذي يطرح نفسه ، إذا كانت الصحف الحكومية قد واظبت خلال أكثر من عقدين على طرح ملفات الفساد، وإذا كانت هذه الصحف لا تكذب، ونحن نربأ بكل ما يمت إلى الحكومة عن الكذب، فلماذا إذن يستمر الفساد؟ ولماذا يستمر مسؤولون كبار في مناصبهم على الرغم من انكشاف قضايا فساد كبيرة في إداراتهم؟ ولماذا تستمر الصحافة الحكومية في نشر هذه القضايا إن كانت غاية النشر لا تتحقق؟ أم أصبح من تقاليدنا أن نفضح جانباً من الفساد ونسمح له بالاستمرار من الجانب الآخر؟
ثمة معجزة سورية في الأمر، فلو جمعنا أرشيف الصحافة خلال السنوات الماضية، وهو أقل بكثير مما يتم تداوله شفاهاً، لأغمي علينا من الدهشة أمام قوة الاقتصاد السوري!. لو تعرّض أي اقتصاد في العالم لما تعرّض له الاقتصاد السوري من فساد وسوء إدارة لانهار حتماً، وهذا ما يجعلنا نؤمن بأن سوريا الله حاميها، ونثق بأن الفساد مهما استشرى لن يؤثر على منعة اقتصادنا العظيم.
سأروي أخيراً حادثة تتعلق بالإعجاز السوري؛ ذات يوم كنت موظفاً، وكنت مطلعاً بحكم عملي على المفاصل الحساسة في دائرتنا، وهذا ما لم يعجب مديرنا الفاسد الذي عُيّن لاحقاً، فابتدأ يكيد لي إلى أن وصل إلى اقتراح فصلي من العمل. أمام تلك الضغوط اضطررت إلى مقابلة المدير العام، وشرحت له ما يجري بالوقائع والأرقام. أثنى على نزاهتي وغيرتي على العمل وما إلى ذلك من الشعارات المحفوظة غيباً، ثم قال لي: عد إلى عملك وسأعالج الموضوع بنفسي. بعد تلك المقابلة بأيام حدث ما لم أكن أتوقعه، فقد وفى المدير العام بوعده لي، وتوصل إلى الحل العبقري إذ عزل مديرنا من منصبه، وعيّنه نائباً له!. مضت سنة أخرى، فجاءنا مدير جديد يفوق الأول شراسة وفساداً، وبدا واضحاً منذ البداية أنه سيربّي بي بقية الزملاء. هذه المرة فضّلت أن أقدّم استقالتي طوعاً على أن أكون سبباً في ترقيته إلى منصب نائب مدير عام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى