صفحات الناس

تعاظم المد الديني المتطرف في سورية

null
ماري تيريز كرياكي
حذرت السيدة بثينة شعبان، المستشارة السياسية والإعلامية في رئاسة الجمهورية العربية السورية ، في كلمة لها أمام أعضاء القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي من خطورة تعاظم المد الديني المتعصب في سورية، وأردفت أن على الحزب التصدي لهذا المد الذي هو برأي السيدة شعبان ناتج عن تقصير الحزب وفشله وليس ناتج عن قوة الآخرين ونشاطهم.
نعم يا سيدتي، فسورية التي عرفت بالتعايش والتسامح بدأت تنحو منحى مقلقا، فهذا البلد الذي عرف عبر التاريخ باحتضانه للمستضعفين في العالم العربي وغيره بدأ يتجه نحو التطرف.
ولكن ذلك لم يأت من العدم، فقد سبقه العديد من الإجراءات التي ساهمت بظهور هذا المد الديني المتعصب، وذلك بمباركة الدولة وتشجيعها، منها السماح بفتح مدارس طائفية ، حيث تدرس فيها مناهج تقصي الآخر، الشريك في الوطن، وتحرض على كراهيته، وتكرس ثقافة الواحد، وتفرض الحجاب على الأطفال وكذلك تحرم الاختلاط ببقية أبناء الطوائف، الخ
أما الإعلانات المنتشرة على طرق المدن فالحديث عنها يطول، فعلى سبيل المثال لا الحصر، هناك إعلانات منتشرة تدعو المواطنين إلى التبرع للمؤسسات الدينية لإعانة الآخرين على الحياة والزواج والدرسة إلخ ، بحيث أخذت المؤسسة الدينية دور الدولة تجاه مواطينيها. وهنا تكمن الخطورة إذ يتحول ولاء هذا المواطن إلى المؤسسة الدينية والطائفة وليس إلى الدولة التي ينتمي إليها.
وقد جرت محاولات متعددة لفرض قانون أحوال شخصية على السوريات والسوريين تفوح منها رائحة النفوذ الديني، ولولا رفض منظمات المجتمع المدني “غير المرخصة من قبل الدولة” لمرر هذا القانون. فبدلا من العمل على إيجاد قانون عصري مدني لكل السوريين نعود مئات السنين إلى الوراء. وبات التشديد على رقابة الفكر والكتب وإغلاق المنابر الحرة العلمانية والتقدمية حقيقة قائمة بحيث لم يبق متنفس لهذا المواطن سوى المنبر الديني. إضافة إلى السماح لبعض من هذه الجماعات بالمناداة بقيام أمة اسلامية ترفض كل ما عداها وتعاديه، وتدعو بعودة المرأة إلى المنزل وإلى التراجع عن كل المكتسبات التي ناضلت من أجلها ” جماعة الشيخ عبد الهادي الباني” مثالا . وأخيراً ليس أخراً إلغاء انعقاد مؤتمر العلمانية في المشرق في دورته الثانية بدمشق بعد اعتذار رئاسة جامعة دمشق من استضافته بحجة عطل تقني في أجهزة الصوت.
فيا سيدتي الحديث يطول وعلينا مضاعفة الجهود لنعيد نشر ثقافة قبول الآخر بكل الوسائل المتاحة ابتداء من المنزل إلى المدرسة والجامعة إلى مراكز العمل على أساس من المساواة بين الجميع أمام القانون والدستور وعلى أساس المواطنة التي لا تسمح بالتمييز ، وفتح المراكز التي عليها أن تعيد بناء شخصية الإنسان السوري الذي لطالم عرف بانفتاحه على الآخر واحترامه له.
كل ذلك يحتاج أولا إلى قرار سياسي في بدء اتخاذ هذه الإجراءات. والأمر الأهم هو البدء بإعادة إحياء مؤسسات المجتمع المدني والمنابر الحرة التي هي في معظم بلدان العالم المساعد الرئيسي للدولة والمواطن وهي التي تنقل نبض الشارع وآماله لمؤسسات الدولة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى