بين ربطتي عنق الأسد و المالكي إيران و العالم العربي ?
داود البصري
في اللقاء الأخير الذي جمع الرئيس السوري بشار الأسد و»رهبر« النظام الإيراني ووليه الفقيه علي خامنئي لوحظ أن الرئيس الأسد و الوفد المرافق له قد بدوا بكامل لباسهم المعروف مع إرتداء ربطة العنق! و مع المقارنة مع الهيئة التي بدا عليها رئيس وزراء “حزب الدعوة العراقي” السيد نوري المالكي في لقائه الأخير مع الخامنئي, فإن الصورة تبدو واضحة بالكامل , فرئيس الحكومة “التحاصصية الطائفية” العراقية كان حريصا غاية الحرص على عدم إغضاب حلفاء الأمس ,و اليوم , والمستقبل في طهران! و كان متمسكا على ما يبدو بإحترام الرغبة الإيرانية بعدم رؤية ربطات العنق التي يعتبرها النظام الإيراني تشبيها بلباس المستكبرين في الغرب! رغم أن البنطال والبذلات والأحذية و القمصان جميعها صناعة غربية محضة ,ولو عدنا للجذور الحضارية والثقافية فلن نرتدي سوى السروال و النعال والعمامة والبلغة الصفراء المنتشرة من شمال أفريقيا وحتى خراسان وبلاد ما وراء النهر!
هيئة المالكي و الوفد المرافق له كانت تعبر عن حقيقة الوضع السياسي في العراق بأبسط تعبير ومن دون الدخول في التفاصيل! أما هيئة الوفد السوري فكانت تعبر حقيقة عن إستقلالية واضحة في المواقف معروفة و مشخصة , فالعلاقات بين نظامي دمشق و طهران هي علاقات قديمة جدا قدم الثورة الإيرانية , فقد كانت دمشق هي الحاضنة الطبيعية لكل المؤسسات التبشيرية, والسياسية, والدينية الإيرانية منذ العام 1979 , وكانت دمشق ولم تزل بوابة الدخول الإيراني للعالم العربي والحديقة الخلفية للنظام الإيراني في علاقاته الدولية , كما كانت الأساس المكين والفاعل في تقوية نفوذ “حزب الله” و إضعاف حركة “أمل” اللبنانية , وفي العلاقات بين المعارضة العراقية الدينية السابقة و النظام الإيراني ادت مخابرات دمشق دورا مركزيا في تنسيق العلاقة , كما كانت دمشق هي العاصمة المفضلة لآلاف الزوار الإيرانيين الباحثين عن القبور و الأضرحة لأهل البيت, وقد شهدت ضاحية السيدة زينب الشهيرة في ريف دمشق المهمل نهضة ثورية و حقيقية في البناء و العمران و التجارة بعد تدفق رأس المال الإيراني و الخليجي »الشيعي« و رؤوس الأموال العراقية التي جعلت منها واحدة من أغلى الأحياء في الشام رغم فقر البنية التحتية و عدم توفر الماء الصالح للشرب , وبعد أن تحول الحي الى مدينة واسعة تضم حوزات دينية و مدارس دينية و مكاتب سياسية و تجارية و تجمعات من مختلف الأنواع و الملل و النحل , و رغم العلاقات الوثيقة جدا بين نظامي دمشق و طهران خلال مرحلة الحرب العراقية- الإيرانية , إلا أن براغماتية النظام السوري قد جعلته المستفيد الأول من تلك العلاقة التي درت على النظام رؤوس أموال هائلة و عوضت من نتائج سقوط المعسكر الشرقي و الإتحاد السوفياتي, وحيث لم يستطع الإيرانيون أيضا فرض شروطهم ولا نمط حياتهم على الحليف السوري, فقد ظلت البارات و الملاهي وصالات اللهو مشرعة أبوابها وظلت الحياة العلمانية هي النمط السائد في الحياة السورية , ولم تستطع المخابرات الإيرانية من التمدد عميقا إلا من خلال بوابة المخابرات السورية التي أدارت اللعبة ب¯ “حرفنة” و إتقان و “براغماتية” ملفتة للنظر! ففي خزائن تلك المخابرات كل المعلومات و الملفات السرية و الخاصة المتعلقة بالملف العراقي و بالأحزاب الطائفية العربية, أو القومية الكردية, أو غيرها من التجمعات , كما أن مخابرات نظام دمشق ظلت تدير كل خيوط و محاور اللعبة الإقليمية و في منطقة الخليج العربي تحديدا لكل النشاطات الإستخبارية الإيرانية , فلم يمر حدث هناك دون أن تكون للمخابرات السورية معرفة أو دراية به, وبأبعاده و بمخططيه والتحركات التي كانت تنطلق جميع أسسها التنظيمية من أمام طاولة قادة المخابرات السورية لذلك إستغل النظام السوري يومذاك علاقاته الوثيقة مع الأجهزة الأمنية الإيرانية و مؤسساتها السرية ليكون جسرا ووسيطا بين النظام الإيراني و العالم العربي, وهي المهمة التي ظل حريصا على أدائها رغم تغير الكثير من المعطيات في المنطقة و العالم , و اليوم يحاول النظام السوري توسيع مساحة وساطته لتشمل الغرب بأسره في مواضيع الخلاف الرئيسية مع النظام الإيراني في ظل حالة الإنفتاح على الغرب و أمام آفاق المفاوضات القريبة مع الدولة العبرية, و التي ستكرس خطا سياسيا سوريا جديدا لن يضعف أبدا العلاقات الوثيقة, مع طهران التي تعلم جيدا أنها لا تستطيع فرض رؤاها على حلقائها في الشام الأكثر شطارة منهم في مجالات التجارة الديبلوماسية! و علينا أن نتذكر الطرفة المشهورة التي تقول بأن “اليهود أغنياء في كل بقاع الدنيا إلا في الشام فهم فقراء”! و الحر تكفيه الإشارة, إيران لن تفرط أبدا بالبوابة السورية في علاقاتها مع العالم العربي و العالم أجمع.
* كاتب عراقي
السياسة