جورج كتن

انتصار سياسي للبنان وحكومته

جورج كتن

خاص – صفحات سورية –

2006 / 8 / 15

تسببت الحرب على لبنان بخسائر بشرية ومادية كبيرة لا توازي ما تكبدته إسرائيل المعتدية، إلا أن قرار مجلس الأمن 1701 يعد انتصاراً سياسياً للبنان الممثل بحكومته المنتخبة. لقد صمد حزب الله عسكرياً رغم عدم تكافؤ القوى, إلا أن الانتصار في النهاية هو في المكاسب السياسية التي حققتها الحكومة للبنان.

قد تبدو الحكومة اللبنانية أضعف من أن تنتصر سياسياً في صراع الأقوياء, لكن القوة راهناً لا تقاس بالأذرع المسلحة فقط, وإلا لما انهار الاتحاد السوفييتي في الحرب الباردة رغم أنه مدجج بالأسلحة من جميع الأصناف. فأين تكمن قوة الحكومة اللبنانية؟ :

هي حكومة بلد, للديمقراطية فيه تقليد طويل لم تستطع كل المحن والأزمات أن تحط من قدرها, فكما تتباهى دول بأسلحتها أو نفطها أو ثرواتها فلبنان يتباهى بحرياته.

هي حكومة أتت بها انتفاضة شعبية لا مثيل لها في تاريخ المنطقة العربية, لم تطلق فيها رصاصة ولم يضرب فيها كف, أنهت نظاماً ووصاية دامت عقوداً.

هي حكومة تحظى بدعم عربي ودولي لواقعيتها وإصرارها على السيادة الكاملة وإنهاء كافة الجزر الأمنية وتحقيق السلام وبناء دولة حديثة.

هي حكومة اتصفت بالحكمة في التعاطي مع ملفات صعبة, أعقدها معالجة مسألة “الدولة ضمن الدولة” الناجمة عن تفرد حزب مسلح بالسيادة على الجنوب والقيام بعمليات عسكرية دون موافقة السلطات, فرجحت في التعامل معه الحوار والإقناع للوصول لحلول توافقية.

هي حكومة حافظت على الوحدة الوطنية في مرحلة صعبة تلت خروج القوات السورية من لبنان, فلم تنجر بالاستفزازات لتجديد الحرب الأهلية التي أصبحت خطاً أحمراً بالنسبة للشعب اللبناني, كما حافظت على الوحدة الوطنية خلال الحرب المندلعة بغير إرادتها وعلمها, فمنعت الانقسام وأجلت المحاسبة إلى ما بعد الحرب التي طحنت البشر والحجر, وجيرت صمود حزب الله لإعادة سيادة الدولة على كافة أراضيها.

لا يمكن إنكار الحكمة في قبول السيد حسن نصر الله بنشر الجيش اللبناني في الجنوب, وتمكين الحكومة من حرية الحركة والمناورة السياسية, فإذا كان حزب الله مسؤولاً عن اندلاع الحرب فإنه لا يتحمل مسؤولية استمرارها, فقد أصبحت بإصرار إسرائيل على التدمير المنهجي, حرباً ضد كل لبنان, ومن هنا أعيدت المسؤولية للحكومة كجهة مسؤولة تمثل كل اللبنانيين.

اتساع الحرب رجح الانتماء اللبناني لحزب الله على أية ارتباطات إقليمية, فوطنيته تتحقق بوضع مصلحة لبنان فوق أي مصلحة خاصة أو إقليمية, فلبنان أولاً وليس الأيديولوجيا يفترض حسب الطائف وقرار مجلس الأمن القبول بأن لا سلاح إلا للجيش اللبناني والقوة الدولية.

أطلقت الحكومة كافة جهودها على خطين هامين لا يمكن كسب الحرب دونهما:

نشاطات الإغاثة المتنوعة والمعركة في المجال الاجتماعي لمعالجة النتائج المأساوية المريعة للحرب, مع قتلى وجرحى بالآلاف ومليون نازح وبنى تحتية مدمرة ونقص خطر في الطاقة والمواد الغذائية والطبية..

المعركة السياسية والدبلوماسية التي كسبتها بإرادة قوية وبإصرار فحصلت على تأييد عربي ودولي لتعديل مشروع القرار الفرنسي- الأميركي المنحاز لإسرائيل, والتوصل لقرار متوازن يحول نشر قوات دولية بموجب الفصل السابع إلى نشر الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل بعد توسيع عديدها ومهماتها, حسب طلب الحكومة, التي قلبت الطاولة بجرأة بإبداء استعدادها لإرسال الجيش للجنوب, وهي خطوة كانت بمنطق ما قبل 12 تموز شبه مستحيلة. كما نجحت في تثبيت انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها مجدداً بالتزامن مع نشر القوات اللبنانية والدولية, ووضع مزارع شبعا على الأجندة الدولية لتجد لها حلاً من خلال ترسيم حدود تجريه الأمم المتحدة في أقرب وقت.

فإذا استمرت الحكومة في التصرف بحكمة وعقلانية فنتوقع نجاحها في تنفيذ القرار ليؤدي لوقف إطلاق نار دائم ونشر الجيش والقوة الدولية في منطقة جنوب الليطاني وتحويلها إلى منطقة عازلة, وإعادة المهجرين لقراهم وتعمير ما تهدم وتحرير مزارع شبعا وتبادل الأسرى، فلو لم تكن السياسة الحكومية هي الفائزة لكانت نتائج المعركة العسكرية لا تتعدى وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى ربما وانتظار اندلاع حروب جديدة مدمرة.

الدمار الذي ألحقته إسرائيل بلبنان عدة مرات, فرض ضرورة حل دائم لمنعها من إعادة الكرة في المستقبل, فقد ظلت الحدود المشتركة هادئة لعقدين بعد توقيع الهدنة عام 1949, ولم يفتح الباب لاعتداءات إسرائيلية واجتياحات متكررة إلا بعد انتقال المقاومة الفلسطينية إلى جنوب لبنان عام 1969 حتى 1982 عندما أخرجت فورثتها المقاومة اللبنانية لاحتفاظ إسرائيل بالشريط الحدودي, إلى أن انسحبت عام 2000. فإذا ثبت أن لا أطماع سياسية لإسرائيل كما تعلن دائماً, فإن القرار الحالي يحقق لها ما تطالب به من حدود آمنة.

إن تنفيذ القرار سيعني إنهاء استخدام لبنان كساحة للصراعات الإقليمية يدفع فيها لبنان الأثمان من دماء أبنائه وثرواته, لتحصل دول أخرى المكاسب دون أن تتكلف شيئاً, ولتطيل أمد بقاء أنظمتها المتعيشة على تأجيج العواطف الشعبية ضد إسرائيل وأميركا, دون أن تقوم بواجباتها لوقف اعتداءاتها و تدخلاتها. لبنان لم تعد له فائدة من صراع منفرد مع إسرائيل بعد أن استعاد كل أراضيه, وهو لن يقبل استمرار خوض الصراع لصالح الغير فقد قام بأكثر من طاقته.

نعم للبنان دور في الصراع ولكن ليس بتكديس الأسلحة المتطورة, بل كقدوة لدول المنطقة في كيف يمكن لدولة ديمقراطية رغم ضعفها أن تستعيد أراضيها المحتلة وتحصل على ضمانات دولية لسلام دائم يمكنها من التفرغ لتحسين أوضاع مواطنيها ووقف هجرتهم لشتى أرجاء العالم, وهو دور يناسب لبنان أكثر من المشاركة في الصراعات المسلحة.

إن تنفيذ القرار سيعني للحكومة المزيد من القوة لمواجهة محاولات إعادة عقارب الساعة إلى الوراء, فقد أفشلت حملة الاغتيالات والتفجيرات ومحاولات إضعافها تمهيداً لإسقاطها في الشارع, ويمكن أن تفشل محاولات نسفها من خلال الحرب الراهنة, و الضربة التي لا تقتل تقوي..

إن نجاح لبنان في تحقيق سلام دائم على الحدود غير قابل للانتهاك, يضيف جبهة أخرى للسلام في الشرق الأوسط إلى جانب مصر والأردن, مما يعجل في إيجاد حلول دائمة وشاملة في الأراضي الفلسطينية والجولان.

إغلاق الجبهة اللبنانية يعني فك ترابط المسارين وتمكين سوريا من إنهاء انشغالها بالهم اللبناني والتركيز على التوصل لحل سلمي يعيد أراضيها المحتلة, للتوجه للتنمية والبناء الديمقراطي كبديل عن الاستبداد وهدر الطاقات في صراعات بلا طائل.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى