مَن يرد على التهديدات؟
حسام عيتاني
قبل أعوام، كتب الراحل جوزف سماحة أن لبنان ينتج من التفاهة أكثر من قدرته على الاستهلاك، مستعيرا عبارة لمؤرخ أوروبي بشأن البلقان. يبدو اليوم أن إنتاج التفاهة ما زال على أشده برغم انحسار أنواع كثيرة أخرى من الانتاج.
والحال أن بلدا يتعرض يوميا الى تهديدات تطال بنيته التحتية بما هي الاساس الذي تقوم عليه مصالح جميع مواطنيه وحياتهم، أي بما يتجاوز تناول خياراتهم السياسية التفصيلية والانقسامات التقليدية، ان بلدا كهذا يُظهر درجة عالية من الثقة بالنفس أو من سوء تقدير العواقب (تسمية ملطفة للغباء المحض)، عندما يتجاهل التهديدات اليومية المتصاعدة وينصرف سياسيوه الى سجال حول صلاحيات نائب رئيس مجلس الوزراء، على سبيل المثال.
تسير التهديدات الاسرائيلية في خط متصاعد. لم يتورع أحد من سياسيي وعسكريي الصف الاول الاسرائيلي عن توجيه رسائل شديدة الوضوح عن المصير الذي سيلقاه لبنان بجميع مكوناته، وليس حزب الله وحده، إذا اندلعت جولة جديدة من القتال. لم يخفِ المسؤولون الاسرائيليون عزمهم على ضرب لبنان بعنف ستصبح معه حرب تموز ذكريات سعيدة مقارنة مع ما يعدّه الاسرائيليون، وفق ما يستشف من الأقوال التي تنقلها وكالات الأنباء والصحف بوتيرة شبه يومية. بل لقد ذهب بعض المراقبين الى تحديد أهداف الاعتداءات الاسرائيلية المقبلة ووضع سيناريو كارثي لما قد يلمّ بلبنان، اذا تجددت الحرب الاسرائيلية عليه.
الغريب في السياسة اللبنانية أن يُترك أمر الرد على التهديدات هذه لحزب واحد أثار سلاحه الكثير من اللغط، أو لمن لا يملك وسائل الدفاع، من دون أن تبادر الدولة الى إصدار بيان يتناول ما يمكن أن يصيب هذا البلد أو أن تعقد اجتماعا يخصص لبحث الخطوات الكفيلة بوقف حملة التهويل الاسرائيلية اولا، لما يمكن أن تلحقه من أضرار بالحياة الاقتصادية في لبنان، ولإطلاق حملة دبلوماسية مقابلة للحيلولة دون نقل اسرائيل لتهديداتها من مجال الاقوال الى مجال الافعال، ثانيا، وللنظر في التدابير الوقائية والدفاعية التي يتعين على المؤسسات الرسمية اللبنانية، العسكرية وغير العسكرية، اتخاذها لحماية البنى التحتية اللبنانية التي قد تشكل أهدافا لأي اعتداء اسرائيلي مقبل، ثالثا.
لا يجوز أمام اتساع الحملة الإعلامية والسياسية والنفسية التي يتعرض لها لبنان الاكتفاء بردود تأتي على هوامش اجتماعات رسمية أو تصريحات موجهة للاستهلاك الداخلي.
وإذا كان سلاح حزب الله مشكلة أمام انتظام الحياة السياسية في لبنان، بحسب ما يرى العديد من القوى والأحزاب الممثلة في الحكومة، فمن باب أولى أن تبادر الجهات الرسمية اللبنانية الى العمل بما يُفهم منه أنها هي المولجة أمر الدفاع عن لبنان وعن مصالحه، فالمتابع لردود الفعل اللبنانية على حملة الاستفزازات الاسرائيلية اليومية يكاد يعتقد أنها موجهة الى بلد آخر وأن البحث في المناكفات حول الهدف من زيارة رئيس الحكومة الى العراق والاسباب التي جعلت هذا الوزير أو ذاك يمتنع عن المشاركة في الوفد الرسمي وما شاكل، هي محور الصراعات في المنطقة التي يبدو أنها مقبلة على فترة عصيبة تتزايد فيها إمكانات الانفجار.
يقابل ذلك، أن شعورا خادعا بالاطمئنان الى القدرة على ردع أي عدوان اسرائيلي تنتشر بين أوساط لبنانية عريضة. يتعين الاعتراف بأن اسرائيل مصممة على استعادة قدرتها الردعية التي تضررت في حرب تموز ،٢٠٠٦ وان أي تقليل من جدية التهديدات الاسرائيلية التي جعلت من الوحدة الوطنية اللبنانية معادلا للاستسلام لحزب الله، وهو انقلاب جذري في الرؤية الاسرائيلية الى الشأن اللبناني يتضمن رفضا مسبقا لأي تدخل أو وساطة دوليين في حال اندلاع الحرب، نقول إن تقليلا من خطورة هذا التوجه ينم عن سلوك غير مسؤول، سواء جاء من الحكومة اللبنانية أو من خارجها. لقد توافق ممثلو القوى السياسية الممثلة في الحكومة على بيان وزاري اعتبرته اسرائيل موقفا عدائيا حيالها، وعلى اللبنانيين التأكيد على استعدادهم لدفع ثمن الحرص على الوحدة الوطنية بغض النظر عما اذا كانوا قد قبلوا بالبيان راضين أو مرغمين.
ليس اللبنانيون معنيين بما تتخذه المقاومة من إجراءات دفاعية، فللمقاومة خصوصيتها التي أقرتها الحكومة الائتلافية الحالية. لكن اللبنانيين معنيون بمعرفة ما تعمل مؤسساتهم العامة لوقف هذا الهجوم الاسرائيلي اليومي الذي لا ينحصر في الانتهاكات الجوية والتصريحات العدائية والرسائل الهاتفية المسمومة، بل يصل الى حد التدخل في الطريقة التي يريد اللبنانيون أن يواصلوا بها حياة صعبة حتى من دون »فضل« الاسرائيليين عليها.
السفير