واقع المرأة في أجندة الإسلاميين
أحمد شهاب
لاحظ الباحثون في شؤون التحولات الديمقراطية والتطوير السياسي أن الموقف من المرأة، يعتبر أحد أنشط المؤشرات على استجابة الدولة أو المجتمع أو الجماعة السياسية لدعاوى التطوير والتجديد، ولقياس مدى انفتاحها على الأفكار والمعطيات السياسية والاجتماعية المعاصرة، وقد اهتمت المنظمات الدولية بوضع سياسات حديثة تعزز النهوض بدور المرأة وتمكينها من المشاركة في مختلف مرافق المجتمع والدولة، ودفعها وتأهيلها نحو التنسيق بين أداء دورها الأسري بنجاح وأداء دورها العام بما يحقق درجة متقدمة من التكامل في المجتمع.
لقد عانت المرأة في سنوات سالفة من توجه ذكوري لاستبعادها والعمل على تهميش دورها في الحياة العامة، لكن المتغيرات الثقافية والإعلامية، والانفتاح الاجتماعي والسياسي، وحصول المرأة على جرعة عالية من التعليم والتدريب، ساهم في السنوات الأخيرة بتغيير نظرة المرأة أولا لدورها ومكانتها، ورفضها للبقاء تحت الوصاية الذكورية الشاملة، وثانيا ساهم في تعزيز مكانة المرأة في المجتمع، وأصبحت مجتمعاتنا التقليدية أكثر وثوقا بإمكانية أن تقدم المرأة الكثير من الجهود لخدمة أمتها ومجتمعها، تماما كما هي قادرة على إدارة شؤون أسرتها. والمتابع للحركة النسوية في العقود الماضية يلاحظ أن الفكر الإسلامي لم يساهم إلا متأخرا في تقديم معالجات وتجديدات فكرية أو فقهية لقضايا المرأة، وربما يكون الدافع الأساسي وراء هذا التأخر هو انشغاله في الدفاع عن تصوراته للمرأة في مقابل الأفكار والتيارات الغربية والمتغربة التي استفزت قيم وثقافة الإسلاميين، ودفعتهم للتشدد في كل ما يتعلق بالمرأة وشؤونها، كما كان لإغفال التواصل والتكامل المعرفي مع النصوص الدينية والأفكار الإصلاحية التي كان من المنتظر أن تساهم في القفز بالدور النسوي إلى الأمام منذ أمد بعيد أثر في تأخر حركة التجديد في هذا الحقل، فجاءت أطروحات الإسلاميين في الستر مكثفة بكثافة أطروحات العلمانيين في التخلي عن الحجاب الشرعي، وتأكيدهم على عزلة المرأة في بيتها جاء ردا على نداءات المتغربين بخروج المرأة وتحررها من القيم والتقاليد والأسرة. هذا التأخر النسبي في اهتمام الإسلاميين بشؤون المرأة، لا ينفي القول إن المرأة استطاعت بوعيها وثقتها بنفسها أن تسعى لتأكيد ذاتها داخل أروقة الحركة الإسلامية، وخلال السنوات الأخيرة أصبح الشعور العام عند الحركات الإسلامية أن المرأة يجب أن تكون جزءا لا يتجزأ من مشروع الحركة وبرامجها، بعد أن تأكدت أنها تمتلك قدرات علمية وثقافية واجتماعية وسياسية كبيرة سوف تعود بالنفع بصورة مباشرة على الحركة الإسلامية وأنشطتها وانتشارها، لكنها رغم ذلك لم تنل المكانة التي تستحقها، وهو ما دفع الدكتورة والناشطة الإسلامية «منى يكن» للدعوة إلى الاعتراف بأن القسم النسائي في الحركة الإسلامية لم يبلغ المستوى الذي ينبغي أن يصل إليه، بالرغم من انتشار الدعوة في صفوف النساء، وتحمل الرجل مسؤولية هذه النتيجة من خلال هيمنة الرجل على جميع المواقع القيادية والتي كانت تمثل فرصة جيدة لإبداع المرأة.
فالكثير من النساء ذوات التعليم العالي والثقافة المتقدمة لم يستطعن حيازة مواقع متقدمة داخل الحركة الإسلامية، بل يصعب عليهن منافسة رجال يقلّون عنهن شأنا من ناحية المؤهلات العلمية والفنية، فكانت ولاتزال تابعة للرجل وهو الأمر السائد والمقبول رغم أن القوامة التي تتحدث عنها الآيات في قوله تعالى:(الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم) فقوله (وبما أنفقوا من أموالهم) تدل على أن المراد قوامة الرجل داخل الأسرة، وهي ذاتها الدرجة التي منحها الله للرجال في قوله تعالى: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة)، أما خارج نطاق الأسرة فإن العلاقة هي التكافؤ لقوله تعالى: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر).
لقد اهتمت الحركة الإسلامية بتوجهاتها المعتدلة والمتشددة بتوظيف المرأة داخل برامجها، لكنها في الغالب لم تسع لتأهيلهن للتصدي للمواقع المهمة داخل الحركة، أو للإبداع في الحقول السياسية والثقافية والاجتماعية داخل المجتمع، كما لم تعودها على المشاركة في اتخاذ القرار، وهو ما انتهى إلى تهميش الوجود النسائي مهما اتسع أو ضاق حجمه داخل الحركة بحيث لا يتعدى وظيفة التجميل الرمزي للجماعة.
وما يثبت هذا القول، أن الحركة الإسلامية في المشرق العربي تحديدا لا يتعدى دور المرأة فيها مهمة الداعم لمسيرة الرجال الدينية أو الاجتماعية أو السياسية، وتقبل معظم نساء الحركة هذه المعادلة عن طيب خاطر، ويعود ذلك للثقافة التي تغذيها الحالة الاجتماعية، فحسب الأستاذة «مهجة قحف» إن المسألة ذات علاقة بالأصول الاجتماعية والثقافية لأبناء الحركة الإسلامية أنفسهم الذين ينحدرون في معظمهن من الطبقات الفقيرة والمتوسطة، حيث ما يزال دور المرأة محدوداً وثانوياً وتابعاً، ويدعم هذا القول أيضا أن الكثير من الكوادر النسائية اللاتي استطعن أن يحظين بمناصب ومواقع متقدمة من الناحية الهرمية في بعض الحركات الإسلامية يشعرن بالعجز وعدم القدرة على إدارة أي مشروع إلا تحت مظلة الكوادر من الرجال، حتى ولو كان هذا الرجل يقل كفاءة ثقافية وأكاديمية عنهن، كما يحصدن الفشل عند اقتحامهن ساحة العمل العام.
ويعود ذلك تحديدا إلى غياب برامج التدريب الموجهة للمرأة، فدفع وتحريض المرأة سياسيا يجب أن يسبقه دخولها في برامج تدريب تسعفها على اقتحام حقول العمل وهي متسلحة بذخيرة معرفية وعملية تكون بمثابة الزاد للممارسة السياسية والاجتماعية والثقافية، بينما نجد أن أغلب البرامج التدريبية توجه للرجال دون النساء، ومجهودات الدعم في العادة توجه للرجال فيما يُهمل نصيب المرأة في ذلك، ونوثق هذا الرأي بما نشاهده في الواقع المحلي، حيث لا يتعدى عدد النساء البارزات داخل أي حركة إسلامية في الكويت اثنتين إلى ثلاث وفي العادة واحدة لا أكثر، وهو دليل آخر على أن الوجود النسائي في المواقع المهمة والقيادية للحركة أو في ساحة العمل العام لا يزال «ورقة تجميل» لا أكثر.
التقدم النسوي داخل الحركة الإسلامية يتطلب جهدا فكريا يتسم بالجدية والجرأة، لنفض غبار الثقافة التقليدية التي قوضت مكانة المرأة وخفضت من أدوارها، وإطلاق قراءات تجديدية توائم بين الفكر الإسلامي وغاياته وبين الدور الذي ينبغي أن تستلم رايته المرأة بموازاة الرجل، فمن شأن تصاعد دور وموقع المرأة داخل الحركة الإسلامية أن يعيد التوازن داخل الحركة وداخل المجتمع، ويستثمر المزيد من الطاقات لصالح القضايا الكبرى التي تتبناها الحركة وتعود بالنفع على المجتمع. ولاسيما أن جميع المؤشرات تثبت تفوق العنصر النسائي في البلدان العربية بصورة عامة، وتشير الإحصاءات المثبتة إلى ارتفاع حظ المرأة من التعليم، وارتفاع عدد الفائقين في أوساطهن، وهو ما يشجع على التفكير جيدا في كسب المرأة والاهتمام بها وفتح الأبواب المغلقة أمامها لتمثيل الحركة وتشريفها وتمثيل المجتمع وخدمته، وحتى تتحول إلى رقم مهم ورئيس في بناء الجماعة ومشاركة فاعلة في اتخاذ قراراتها، وليس فقط للقول إن حركتنا فيها خط نسائي.
جريدة أوان الكويتية