قانون لمنع الأحزاب
ميشيل كيلو
لن يقبل النظام ولن تقر السلطة قانون أحزاب كرمى لشيء تافه اسمه الحرية، وشيء آخر أشد تفاهة اسمه الديمقراطية، وشيء مقيت هو الأحزاب.
طالبت المعارضة الديمقراطية والإسلامية، أول ما طالبت، بقانون أحزاب عصري، ثم بقانون أحزاب، ثم بمجرد الاعتراف الرسمي بوجود أحزابها ومنظماتها، وأخيرا بالاعتراف بأن للإنسان والمواطن حقوقا يجب على السلطة احترامها. لكن مطالباتها ذهبت أدراج الرياح، بينما كانت قيادة السلطة تلّوح طيلة السنوات الخمس الماضية بوعد غامض أملى مضمونه العداء للحرية والديمقراطية سمّي مشروع قانون الأحزاب،
الذي صار معلوما أنه تم إنجازه قبل نيف وثلاثة أعوام، ليس من أجل أن يناقش ويقر، بل ليستخدم في تجارة إعلامية بائرة، في الداخل والخارج. عندما يقابل مسؤول ما صحافيين أجانب أو عربا، فإنه يقول بطريقة مفعمة بالأسرار والوعد: إننا نناقش قانون أحزاب على وشك الصدور، وقد فرغنا بعض الرفاق لإنجاز المرحلة الأولى من العمل: إعداده في ضوء تجربة التاريخ المعاصر الحديثة. أما المراحل الباقية، فتبقى طي الكتمان، وهي إقراره من قبل القيادة في مرحلة ثانية، وإنزاله إلى النقاش العام في مرحلة ثالثة، وخلق إجماع وطني حوله في مرحلة رابعة، وتوافق القيادة عليه في مرحلة خامسة. بما أن الثورة ليست مستعجلة على الإصلاح، كما قال الرئيس بشار الأسد في خطبة الجامعة، فإن اجتياز هذه المراحل لن يكون أمرا ذا أولوية، وصدور قانون الأحزاب لن يكون سريعا، بـ”النظر إلى حساسية الموضوع”–، كما أكد في خطبته المذكورة . وكان الرئيس قد قال في أحاديث مختلفة وصلت إلى أسماع الرأي العام إنه يخاف انفراط عقد البعث والنظام، إن هو سمح بصدور قانون يبيح حرية تأسيس الأحزاب، لذلك يحسن الحديث عن الموضوع من دون الاقتراب الجدي منه، ما دام المطروح ليس إتاحة الحرية للمواطنين، بل تعويم النظام من دون تغيير أي شيء في الوضع القائم.
في هذه الأثناء، سرب الرفاق في المخابرات، وبخاصة الرفاق في الأمن السياسي، معلومات حول خطة السلطة الحقيقية، تقول إن المخابرات ستبادر إلى تشكيل جمعيات أهلية يسبق تأسيسها قانون الأحزاب، على أن تكلف بالعمل في مختلف مجالات “المجتمع المدني” ، وبعد تجريبها خلال أعوام ثلاثة إلى أربعة، سيصدر قانون يعتبر الناجح منها أحزابا شرعية، سيكون هو قانون الأحزاب العتيد. إلى أن يحدث هذا، لا بد من تقطيع الوقت بالضحك على المعارضة والشعب، وخير طريقة للضحك عليهما هي تقديم الوعود وإنضاجها على نار حامية من دون تحقيق أي منها، أما الحجج والذرائع فهي كثيرة: تبدأ بالمؤامرة الإمبريالية ــ الصهيونية الخالدة كرسالة البعث، وتمر بتحرير العراق ومزارع شبعا، وتنتهي عند ضرورة تطهير المجتمع المدني من مخربين يسمون أنفسهم “لجان إحياء المجتمع المدني في سورية”، لا مفر من قصف أعمارهم وأعمار لجانهم وغيرها من الجهات المعارضة قبل صدور أي قانون، وإلا تحولوا إلى حزب وأحدثوا المزيد من الفوضى والتخريب العام، تحت غطاء شرعي هو قانون الأحزاب. لن يقبل النظام ولن تقر السلطة قانون أحزاب كرمى لشيء تافه اسمه الحرية، وشيء آخر أشد تفاهة اسمه الديمقراطية، وشيء مقيت هو الأحزاب.
أنا لست من الذين يصدقون الرفاق السياسيين في نظام المخابرات والأمن السوري العتيد. أنا، بصراحة، من الذين يصدقون أصحاب الأمر والنهي في هذا النظام، الاخوة والرفاق في المخابرات، الذين لم يكذبوا علينا كمستخدميهم من السياسيين، وأنكروا دوما، على سبيل المثال لا الحصر، انه سيكون في البلد إصلاح، وسخروا من الذين تحدثوا عن حرس قديم وحرس جديد. سأصدق، إذاً، الرفاق في المخابرات، وسأنتظر كغيري من المواطنين تأسيس جمعياتهم الأهلية مزدوجة المهمة – القضاء على لجان إحياء المجتمع المدني والتحول إلى أحزاب سيعترف القانون بها من دون غيرها من الأحزاب القائمة اليوم، إلا من تعتبره المخابرات منها جمعيات أهلية من الطراز المطلوب – وسأنتظر من ثلاث إلى أربع سنوات قبل صدور القانون العتيد، الذي تعلن ورقته أنها لن تسمح بأحزاب دينية – إسلامية – أو اثنية – كردية – أو عرقية – قومية، ناصرية – أو جهوية – عشائرية أو قبلية – أو خارجية – ليبرالية -، ولن تلغي المادة الثامنة من الدستور، التي تجعل البعث قائدا للدولة والمجتمع، وتمنع عمليا انتظام 70 في المئة من الشعب السوري في أحزاب، فهو قانون منع الأحزاب وليس الترخيص لها، الذي يعامل السوريين على طريقة: تعال وتمتع بأطايب الطعام، بس مقسوم لا تأكل وصحيح لا تقسم! وما دمت أقبل هذا كله، فإنني لن أنتظر هذه المدة الطويلة لأعرف أن قانون الأحزاب لن يسمح بوجود أي حزب في البلد غير حزب البعث العتيد.
اتصلت بي قبل حوالى خمسة أشهر زميلة من صحيفة أسبوعية تسألني رأيي في قانون الأحزاب، فقلت لها: سأقول رأيي عندما يكون هناك قانون. قالت: لكنه أحيل إلى مجلس الشعب لمناقشته. رددت مازحا: ومتى كانت الإحالة إلى المجلس المذكور علامة على جدية أي أمر؟ قالت: قل رأيك عموما. قلت. لا أريد المشاركة في همروجة دعائية يفتعلها نظام يرفض إصدار قانون أحزاب. لو كان النظام جادا، وكان ينظر إلى أوضاعه وأوضاع البلد في ضوء مبدأ الحرية، لما تفنن في المماطلة وإضاعة الوقت ، بخاصة وأن الوضع حساس. عزيزتي: قولي لهم أن يخيطوا بغير هذه المسلة، ويعترفوا بما نعرفه جميعا، وهو أن المخابرات منعت وستمنع صدور قانون أحزاب، حتى بالشكل المشوه الذي تضمنته ورقة بائسة روجوا لها، لا تساوي ثمن الحبر الذي كتبت به، لن يقبلها أحد أو يتقيد بها، لأنها تحفل بالعداء للشعب، وللحرية، ولحقوق الإنسان والمواطن، وللدولة الحديثة، والمجتمع المدني. قولي لهم لا قانون ولا كمنجة. ولكن تؤخذ الدنيا غلابا