صفحات الناس

رفقا بالمخابرات

null
سهيل كيوان
تورط قائد شرطة السير في حادث طرق جرح خلاله، ولكنه رفض أن ينقل الى المستشفى، وبعد أسبوعين من الحادث تسرب الى الصحافة العبرية خبر يفيد بأن قائد الشرطة رفض الذهاب الى العلاج في تلك اللحظة كي لا يفتضح أمره، فقد كان ثملا وقت وقوع الحادث، وهذا يعني فضيحة لحضرته، وحسب القانون، يتوجب سحب رخصته وكنسه من منصبه، وهكذا بدأ التحقيق في هذا الموضوع! ورغم ذلك فإن قائد الشرطة لم يتهم المخابرات بأنها أعدت له مقلبا، وأن مسربي نبأ سُكره إنما يريدون سوءا بإسرائيل وبأنهم يخدمون العرب والفرس، ولو ادعى ذلك لتحول الى نكتة! بكل بساطة هناك من ينافس قائد الشرطة على منصبه، فوشى به، كذلك لا يستبعد وجود شرطي ساذج غيور على مصلحة حركة السير! هيرشنزون وزير مالية سابق، اضطر للاستقالة بعد أن وجهت له تهمة السرقة، وأما عمري بن أرئيل شارون الجنرال، فقد سجن لستة أشهر، لأنه تلقى أموالا بشكل غير قانوني لحملة والده الإنتخابية، ولكن هيرشنزون وعمري شارون لم يتهما مخابرات السلطة الوطنية الفلسطينية بالوقوف وراء تورطهما، ولم يدعيا أنها مؤامرة عربية انتقامية وثأر من إبن الجنرال لضرب الحركة الصهيونية وتشويه سمعة أبنائها البررة! إيهود أولمرت اضطر لعدم ترشيح نفسه لقيادة حزب كاديما، ليس فقط بسبب فشله في حرب لبنان، بل أيضا بسبب فساده المالي، طبعا هناك متربصون أرادوا له الفشل والبهدلة كي يحتلوا مكانه، وعلى رأسهم شريكته تسيبي ليفني، ورغم ذلك لم يتهمها بالتآمر والتعاون مع حزب الله وبشار الأسد للإطاحة به! بل جلس أمام محقق شاب قال له.. أنت متهم بالسرقة وعليك أن تجيب بصدق على كل سؤال! وما على أولمرت سوى إثبات براءته وإلا فسوف يدان ويعاقب! كلها حالات تعامل بحجمها الحقيقي وكما هي، ولكن عندما يحدث أمر مشابه مع ‘قادة’ من العرب، داخل وخارج فلسطين، يسارع هؤلاء الفاسدون الى تحويل فسادهم وتورطهم الى قضية قومية ووطنية، فيدعون أن المخابرات المعادية خططت للايقاع بهم، وما تسريب الأنباء عن فسادهم وفضائحهم سوى جزء من حملة التشكيك بالقوى الشريفة والوطنية ليسهل ضرب الشعب والأمة! عندما تفوح رائحة فساد في جمعية عربية يسرق مسؤولوها الأموال باسم الوطن وفقرائه وأسراه وشهدائه ويحاول صحفي شهم كشف الحقيقة يفوعون بوجهه كالدبابير، ويتهمونه بالتآمر وخدمة العدو… حتى وإن كان هدفه شريفاً، فهو دون أن يدري يخدم أعداء الأمة ويسيء لقضية فلسطين، ويسهم بشق وحدة الصف، ويسكب نارا على زيت الفتنة في فلسطين ولبنان والعراق والجزائر ومصر! عندما ينهب رئيس بلدية أو قائد حزب عربي عشرات أضعاف المبالغ التي اتهم أولمرت بتسلمها كرشوة ويتصدى له أحدهم، يحول فساده الى قضية صمود وتحد، فهو فوق الشبهات أولا، ومن العيب أصلا أن يستجوب، والشعب مطالب بالدفاع عنه، لأنه أشرف وأرقى وأنقى من أن يدافع عن نفسه، فتشهر أقلام رجاله لتحكي الأساطير عن نظافته وتواضعه، وطبعا عن تربص المخابرات المعادية بالقائد وبالقوى الشريفة، وما توجيه التهمة له في هذا الوقت بالذات سوى حلقة من حلقات المؤامرة على ما تبقى من الأرض والحقوق وخصوصا حق العودة! هناك حالة من الإدمان لدى بعض الساسة العرب وكتابهم وصحفييهم على اتهام ‘المخابرات المعادية’ في كل صغيرة وكبيرة، وهكذا تتم تصفية حسابات التنافس على السلطة والنفوذ والمال من خلال اتهام الخصم بخدمة العدو، حتى وإن كان التدافع على الدور أمام مخبز في القاهرة، هكذا تحولت ‘المخابرات المعادية’ الى شماعة يعلقون عليها فسادهم وفضائحهم وحتى تصفية وقنص بعضهم البعض! صحيح أن جهاز المخابرات الإسرائيلي وأذرعه الظلامية مستعد لارتكاب أبشع الجرائم من أجل تحقيق أهداف سياسية وتاريخه حافل بذلك، ولا أحد يستخف بهذا، ولكن ليس كل فسادنا من صنع المخابرات المعادية، وليست هي التي تقف وراء كل شهوة مالية ونزوة جنسية، وإلا كان موشيه كتساب ومثله آلاف الإسرائيليين ضحايا الشاباك! كذلك ليس كل من تم قنصه أو فجّرت سيارته في دمشق وبيروت وغزة ونابلس والجزائر، تم قنصه وتفجيره بأيد أو حتى بتوجيهات إسرائيلية، رغم استفادة إسرائيل من ذلك، بالتأكيد يضحك مسؤولو المخابرات الإسرائيلية ويستمتعون عندما تنسب لهم كل جريمة، وقد يلمحون بالفعل أنهم وراء بعض الأعمال كي يزدادوا هيبة أمام شعبهم وشعوب المنطقة والعالم، وكي لا يعرف أعداؤهم الحقيقة أبداً. المخابرات ليست قادرة على كل هذا الذي ينسب إليها، ولكن البعض جعل من رجالها آلهة لأن هذا يخدم مصلحته، حتى صارت تبدو وكأنها موجودة في كل زمان ومكان عربي، فلا قنص ولا انفجار ولا رشوة،ولا نزوة مسؤول جنسية إلا بإيعاز منـــها..فرفقا بأنفسكم ورفــــقا بالمــخــــابرات المعـــادية، فهي لديها ما يكفي ويزيد من الجرائم والعفن والقرف، وهي مخيفة ورهيبة بدون تبرعاتكم ..
القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى