صفحات الناس

النزاهـة نيــوز.. وداعــــاً..

null
بسام القاضي
يصلح العنوان مجازاً، كما هو قد أثبت صلاحيته واقعاً. ففي هذه المنطقة من العالم المنفية تحت ظلام خفافيش سوداء برائحة عفنة تعتاش من خوف الناس،
يمكنك أن تقول وداعاً لكل حي، أياً كان، فهو مأكول حكماً بالمخلفات الدبقة لقانون الطوارئ الأزلي!
فعلى مدى العامين الماضيين، لم يبق إلا القلة من المواقع الالكترونية لم تعانِ من حجب مؤقت أو دائم، تحت سيف سياف بقي يتخفى وراء وزارة الاتصالات حتى فضحه المحامي عبد الله علي، صاحب ومدير موقع النزاهة (والنزاهة نيوز لاحقاً)، بدعواه الشهيرة ضد حجب موقعه، تلك الدعوى التي كرست سابقة تاريخية أثق أنها لن تذهب هدراً، وإن كان مثل عبد الله في ذلك كمثل كل “القادة التاريخيين”: ما يلبثون أن ينهاروا تحت وطأة “تاريخيتهم” ويسقطون واهمين أن أمجاد الماضي ستغفر.. الحاضر..
تلك المواقع الالكترونية صمتت صمت المقابر أمام “غزو” الخفافيش! لم يتجرأ أحد منها على رفع صوته بالقول لا! بل إن بعضها لم يتوان عن “المناشدة” بأن لا تثار ضجة حول حجب مواقعهم حتى لا “تؤثر” تلك الضجة على “مفاوضاتهم”! يا لها من سخرية! يا له من عار! يا لها من سلطة رابعة لا تمون على نفسها! ولا تحترم حتى حقها البسيط بأن تحال إلى محاكم “الطوارئ المدنية” وغير المدنية! وكما أثبت التاريخ دائما، ها هو يثبت مرة أخرى، بمزيد من السخرية والسوداوية، أن ما قاله فرعون كان صحيحاً تماماً: لم أجد من يردعني!
لذلك، حين فكر هذا الصعلوك ذو الجسد الضخم والابتسامة المثيرة للأعصاب أن يحاول “ردعهم”، فتقدم بدعواه الشهيرة أمام محكمة سورية “مدنية”، قامت “الدنيا” ولم تقعد (الدنيا هي في الأسفل دائما!). فمن استدعاء إلى آخر، ومن تهديد إلى آخر، طأطأ عبد الله علي المحامي، وصاحب موقع النزاهة نيوز رأسه قليلاً، متنازلا عن الدعوى، ومعتقداً أنه بذلك يتجنب العاصفة! بينما لم يكن يفعل سوى أن يزيد من ضعفه الذي تبدى حين وقف الجميع يتفرجون: منظمات حقوق الإنسان عظيمة الشأن، المواقع الالكترونية التي ترفع شعارات جوفاء سخيفة، الناشطون الذين ما زالوا يفكرون بالدجاجة والبيضة.. وطبعاً، وحتى لا نستثني أحداً، رجال اللاهوت السماوي والأرضي الرافل بالديباج، الذين يقهقهون في دواخلهم لتخلصهم من صوت آخر يخاطب الناس (العامة وفق تعابيرهم)!
وحدهم الذين كانوا يشعرون أن الثيران هي الثيران مهما اختلفت ألوانها، حاولوا أن يتنحنحوا.. مهما بدا صوتهم ضئيلاً..
عبد الله علي المحامي، مراسل موقع منصات، ومطلق الفكرة الصحيحة 100 % ان الحكومة السورية غير دستورية بوجودها نفسه انطلاقا من المادة 122 من الدستور السوري نفسه، أصر في مشواره الطويل (من حجب موقعه وحجز الداتا خاصتها من قبل من يرفع شعارات تعادي الحجب وتطالب الحكومة السورية بإيقافه، وانتهاء بإصراره على اسم “النزاهة” رغم كل التغيرات)، أصرّ على أنه “لا يفعل شيئاً” يستحق “ملاحقته”! نخّ أخيراً تحت وطأة اعتقال لأكثر من 12 يوماً في قبو أحد “الأفرع” الكثيرة التي لم يعد يهم حقاً ما اسمه! فما الفرق؟ ما الفرق حين أشخاص يَجلسون على كراسي دوارة من تلك التي “تدوّر” الرأس يبدون إعجابهم بـ”النزاهة”! ويؤكدون على عمله! وآخرون يُجلسون الآخرين على “الدوارة” هم من يقررون، وهم من يعتقلون؟!
لكنه اليوم طأطأ رأسه خجلاً من نفسه، من أصدقائه، وخاصة من بلده الذي منحه سنوات مهمة من حياته وهو يحاول أن يحقق حلماً بأن يتمتع بـ”النزاهة”! ترك دمعة غير مرئية تتسلل من عينه المتعبة، وترك جملة واحدة معلقة في الفراغ، وإن كانت لا تغفر له ما اقترفت يداه: “تم إغلاق هذا الموقع لأسباب تعود إلى فريق تحرير هذا الموقع”! مع أنه يعرف جيدا كم كذبته مفضوحة! يعرف أن فريق تحرير هذا الموقع ليس له في هذا “القرار” إلا ما لعبد في سرايا! ما لخائف في ما يخيف! وما لسوري في سورية!
النزاهة نيوز، بعد النزاهة نت، ذهب أخيراً إلى حيث لا شيء. أو، بالأصح، قام عبد الله علي بترحيلها إلى غياهب الظلام، تاركاً قهقهات ذوي الأشداق الشرهة تتردد في كهوفها الصدئة. وتاركاً مساحة جديدة للظلام يتآكل فيها ما تبقى من حياتنا المريرة..
ولا تزعل.. أعرف، مثل الكثيرين والكثيرات في بلدي الصغير الذي لن ينتزعه أحد مني حتى في القبر، فكيف في الأقبية التافهة الزائلة! أعرف ما الذي تعرضتَ له يا عبدالله! لكنني آسف جدا: لا أستطيع أن أبلع ما قررت فعله! لا أستطيع أن أقبل سلوكك هذا! وبصراحة: أشعر بالأسف الآن أنني أملت ذات يوم أن يكون “النزاهة” أكثر من رغباتك..
لكن.. النزاهة نيوز يخيب أملي مرة أخرى، ويزيد (مؤقتاً فقط) شعوري الزائل أننا لسنا سوى كائنات عابرة في فضاء تافه. ولن يكون لمواقفنا أن تعيد الانفجار الكبير! فمع ذلك، وقبله وبعده وإلى آخر الدهر، لن أترك تكات الساعة الصغيرة القابعة في صدري المثقل بالنيكوتين، تنسحق تحت المطرقة الوهمية للخوف!
لا.. لا يا عبد الله! الخوف لا يعيش إلا ممن يخافون. وحين لا يجدهم، يأكل نفسه ويموت.
ملحقــات تافهــة:
*- اعتذار شخصي:
آسف عزيزي عبد الله. عندما قررتَ أن تُنشئ موقعا الكترونيا قررت أنتَ أن لا تكون ملك نفسك. هذه اتفاقية غير مكتوبة معروفة وموقعة حكماً بمجرد إطلاقك موقعاً ضم كتابات غير مدفوعة الأجر. ولذلك أنا هنا لا أتحدث عنك.. بل عن مشروع لطالما أعجبني فيه أن يرى في خفايا مدينة نائمة ومتعبة كطرطوس، حلماً جميلا ومتألقاً كفرح..
ولذلك، ليس لي أن أستأذنك فيما أكتب. ولا تقع علي مسؤولية أن “يجروك” مجدداً. “الجرّ” فعل مصادف في بلدنا كمصادفة أن تتنفس الهواء! لكنها مسؤوليتي، طبعاً، أن يجروني..
*- اقتراح شخصي:
بدلا من إغلاق الموقع على هذا النحو، دعه مفتوحاً للقراء، وضع اعتذارا لتخليك التام عنه. أو اعرضه للبيع. أو اتركه كما هو واصمت..
*- اقتراح ثان غير قابل للتطبيق:
تحت جملتك الباهتة، ضع الأسباب الحقيقية لإغلاق الموقع. فهذا من حق كل الناس الذين صرفوا النقود والجهد والأعصاب لقراءة ومتابعة موقع النزاهة نيوز، عداك عمن ساهم في بنائه.
*- فكرة سخيفة:
حين ستختفي، أو سأختفي، لا يعوزهم سبب لذلك. حتى إذا عشتَ في برميل مغلق. فتفكر!
*- استشهاد تاريخي:
في الواقع تعرضت الحكومة السورية لنقد شديد في مجالات مختلفة، بضمنها، بل على رأسها، حرية التعبير. لكن ما لم يقل أبداً: لم تنوجد حرية التعبير أبداً حيث لا يوجد أحرار يقاتلون من أجل أن يعبروا! والقتال لا يتضمن راحة البال!
*- خاتمة غير ملائمة:
أرجوك، تذكر: كل شيء إلى زوال. (البشر أشياء صادف أن خسرت انسجام كيميائها!).
بسام القاضي: ( كلنا شركاء )

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى