صدام المشاريع
موفق نيربية
في مقالة لدومينيك مويزي، يقول إنه «سواء كان باراك أوباما أم جون ماكين رئيساً قادماً للولايات المتحدة، فإنه سوف يحافظ على التحالف الثنائي (مع إسرائيل)، لكن الوضع لن يكون كما كان، فحتى لو بقيت الولايات المتحدة قوة عظمى، فإنها لن تستمر وحيدة في ذلك. وحين كان جورج بوش في القدس، ظهر هنالك أيضاً لاكمار ميتال، ملك صناعة الفولاذ في العالم. وإذا كان بوش هو الرئيس المغادر، فإن ميتال يمثّل المستقبل القادم، الذي ينبغي لأميركا فيه أن تتقاسم النفوذ مع القوى الصاعدة مثل الصين والهند وروسيا والبرازيل، والاتحاد الأوروبي إذا توصّل أعضاؤه إلى مستوى العمل الموحَّد».
كما يقول في المقالة نفسها إن المجتمع والاقتصاد الإسرائيليين يبدوان «مُصَمّمين بشكل ممتاز للعصر ما بعد الأميركي في العولمة السياسية والاقتصادية. وبالأهمية ذاتها، فإن إسرائيل ستكون مضطرة إلى مواجهة حقيقة اليأس الفلسطيني، التي أبقاها ارتباطها الخاص بالولايات المتحدة في حالة تشويش واستبعاد لوقت طويل».
وليس من المحتّم أن تكون الأوضاع كذلك بالنسبة إلى إسرائيل. وبالطبع لن تكون بالنسبة إلى إيران، ولا المنطقة عموماً، علماً بأن الآخرين، ما عدا إسرائيل، لا يبدون في حالة «استراتيجية» تخطط لمثل هذه المرحلة المقبلة على الإطلاق. تبدو إسرائيل بمقوماتها الداخلية المذكورة أكثر قابلية من غيرها للتكيّف مع التحولات الدولية المقبلة، لكنها لن تستطيع الاستمرار بمشروعها (أو مشاريعها) الإقليمية من دون تعرضها لأخطار بنيوية بالعدوى مما تفعله حولها. وأوضاع الفلسطينيين التي تبدو لبعض الإسرائيليين سارة ومفرحة هي مقدمات للآتي الأعظم. لقد كان الحل الأمثل لها هو تلبية المتطلبات الفلسطينية وتحقيق الدولة المستقلة، لكنها غلبت شهوة السيطرة والهيمنة، والمزيد من الغلبة والقهر.
وسوف ترى المزيد مع اشتباك المشاريع في المنطقة، إذا دخلت في مسلسل التدهور اللولبي مع الإيرانيين في المرحلة المقبلة.
يساعد على هذا الاستنتاج ما أصبح ملموساً من ملامح المشروع الإيراني في المنطقة، الذي يعبر عنه الرئيس أحمدي نجاد بوضوح وصراحة، حين يتحدى وجود إسرائيل ويكرر الحديث عن تدميرها، وحيث يعبر عن سياسة نفوذ فائض ومتفجر في العراق ولبنان والمنطقة كلها. ذلك يدل على ميول هيمنة أكبر من مساحة العباءة الإيرانية. مع أنه لا نكران لحق إيران بما تتسع له هذه العباءة.
من أخطر تعبيرات المشروع الإيراني تهديداته الدورية لأمن الخليج، وتعقيده لمحادثات ملفه النووي، وغبطته بإيحاءات امتلاك القنبلة. من دون ذلك لا يبدو صعبا التوصل إلى حل لاستخدام الطاقة النووية سلميا، وإلى ضوابط تطمئن الخائفين- وهم كثر، وكثر جداً خارج المناورات السياسية- إلى عدم التحول من الطاقة إلى السلاح. والمسألة قد لا تكون إلا حرب المشاريع على النفوذ،
لكن المشروع الأشد سوءاً، والذي يدافع عنه كثيرون تحت لافتات متنوعة، هو المشروع العربي، فلا يعدو هذا المشروع ابتذال الأسباب إلى استقرار الأنظمة واستمرارها. ومن أجل ذلك لا تواجه هذه الأنظمة المشاريع المتفردة على الأرض إلا بما يقتضيه مشروعها الضيق، ولا فخر!
أما ما يجري الحديث عنه صباحاً ومساء، فهو المشروع الأميركي، الذي تختلط بتعريفه المسألة الإسرائيلية والنفطية و«الإسلامية» و«القومية»
و«الديمقراطية»، وجميعها يستلزم استعمال القوسين حولها.
ومما يؤسف أن سلوك الإدارة الحالية الملتبس المليء بالأخطاء والخطايا أحياناً، قد سمح لهذا الاختلاط أن يحدث ويتطور، فهي لم تستطع الخروج من مأزق تداخل مشروعها الخاص مع المشروع الإسرائيلي، وأصبح من الصعب تصحيح تسمية مشروعها من حيث هو «أميركي-صهيوني»، وفي ذلك تستحق الولايات المتحدة عداءنا لها.
وحتى مشروعها «النفطي» لا يخلو من المثالب، ولا أدل على ذلك من اختلاف الرؤية إلى أسباب أزمة الأسعار الراهنة، من حيث تراه نتيجة لانخفاض الإنتاج ويراه الأقربون إليها نتيجة للمضاربة في سوق النفط العالمية. ويمكن تذكر العراق هنا، وكيف كانت السياسة الأميركية (النفطية) سبباً للعماء في السياسة.
وحتى مشروعها «الديمقراطي» اللاحق لأحداث الحادي عشر من سبتمبر، كان مليئاً بالألغام التي وضعتها الإدارة بنفسها لنفسها، وها هي حالة العراق سببٌ لدعاوى التنفير من الديمقراطية من قبل أصحاب المصلحة بذلك، بعد أن قيل إن التجربة العراقية سوف تكون بؤرة التقدم في المنطقة كلها. وكان على حق من قال إن من دعم الاستبداد عقوداً، ومارس تمييزا «عنصريا» ولا أخلاقيا حين حمل راية الديمقراطية في العالم كله في ربع القرن الأخير، واستثنى منطقتنا من ذلك، لا يرى إلا من العدسة الإسرائيلية.
رغم ذلك المأزق كله، لا مخرج لنا إلا بتغيير مشروعنا المذكور أعلاه، أو أن يكون التغيير مشروعنا.
كاتب سوري
الجريدة