صفحات سورية

هل هناك تبدّل في السياسة أم في التكتيك الأمريكي

null
منصور الأتاسي
حاولت الولايات المتحدة الأمريكية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي السيطرة على مجمل التطورات العالمية تحت شعار سيادة القطب الواحد وقررت أن تبدأ بالهيمنة على مناطق إنتاج النفط بهدف السيطرة على شريان الصناعة العالمية وخصوصا الأوروبية اليابانية والصينية. وبدأت المحاولة الأولى بعد دفع النظام العراقي لاحتلال الكويت وما تلاه من تدخل عسكري عالمي وعربي واسع فيما سمي بحرب الخليج الثانية التي كانت تهدف إلى إسقاط النظام وترافق العمل العسكري بتحركات داخلية فيما يعرف بثورة الجنوب ولما لم يستطع العدوان العسكري الذي قضى على سلاح الجيش العراقي ولا التحركات الداخلية بإسقاط النظام اكتفت الولايات المتحدة بإصدار قرار دولي بمحاصرة العراق اقتصاديا وعسكريا وتابعت الحصار بدقة.
وبعد بوش الأب جاءت إدارة كلنتون لتحاول بالدبلوماسية ما فشلت القوة العسكرية في تنفيذه فأبقت على حصار العراق وبدأ حوار لحل المشكلة الفلسطينية. لتأمين دخول ناجح إلى المنطقة لعلمها أن القضية الفلسطينية كانت ولا تزال القضية المركزية في المنطقة. ودعا كلنتون الرئيس ياسر عرفات, وشارون للحوار في البيت الأبيض وأبقاهم هناك شهرا للوصول إلى ما سماه/سلام الأقوياء/ ولكن إصرار شارون على رفض عودة اللاجئين إلى ديارهم أدى إلى رفض عرفات لهذه المباحثات وإنهائها بدون أية نتائج مما أدى أيضا إلى سقوط شعار سلام الأقوياء الذي أدى فشله إلى انطلاقة المقاومة الفلسطينية مرة ثانية في محاولة من عرفات للضغط على الإسرائيليين لقبول مبدأ حق العودة. وكان حصار عرفات في مقره لعامين ثم قتله بالسم …
وبعد أن فشلت المحاولتان الأولى والثانية قررت إدارة بوش الابن التواجد العسكري المباشر في المنطقة وفرض الحلول الأمريكية بالقوة العسكرية وتغيير خارطة الشرق الأوسط التي رسمتها اتفاقية سايكس بيكو وكانت تنسجم مع المصالح الأوروبية وتأمين شرق أوسط جديد ينسجم والمصالح الأمريكية. واستفادت الولايات المتحدة من أحداث /11/ أيلول وبدأت باحتلال أفغانستان مستندة إلى قرار دولي. ثم انطلقت لتحتل العراق بمفردها متحدية الرأي العام الدولي والهيئات الدولية. أوقفت المقاومة العراقية الاندفاعة الأمريكية ولم تجد نفعا محاولات تأجيج الفتنة المذهبية بين الشيعة والسنة واتفق الجميع على إخراج الأمريكيين من العراق. وسرب العراقيون مسودته الاتفاقية التي كانت تحاول أمريكا فرضها على الحكومة العراقية مما أدى إلى رفضها. ولما لم تجد محاولات الهيمنة على العراق قررت أمريكا الانتقال إلى تحطيم المقاومات العربية. فصمدت المقاومة اللبنانية في حرب تموز التي أرادته أمريكا مخاض الشرق الأوسط الجديد, وأدى صمود المقاومة إلى تحقيق أكبر هزيمة عند الإسرائيليين المكلفين بالتنفيذ- في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي. وأيضا أدى صمود المقاومة الفلسطينية وعدم رضوخها رغم الحصار العربي وشدة الإجرام الإسرائيلي إلى إفشال المحاولات الأمريكية. في التدخل العسكري المباشر, في المنطقة العربية وأدى الاحتلال الأمريكي إلى :
1″- زيادة الاستنكار الشعبي العربي والعالمي للسياسة الأمريكية التي وقعت في عزلة خانقة
2″- إرباك الحكومات العربية الموالية للسياسة الأمريكية وبدء نشاط احتجاجي شعبي في دول (الاعتدال) يهدد بإسقاط حكوماتها.
3″- أدت الخسائر البشرية والاقتصادية إلى استياء الأمريكيين من هذه السياسة ورفضهم لها انعكس في إسقاط الجمهوريين في انتخاب مجلس النواب والشيوخ
4″- أدت الهزيمة في المنطقة إلى سقوط مبدأ سيادة القطب الواحد وبداية تشكل أقطاب عالمية جديدة هي سمة الفترة الحالية والقادمة والتي ستعيد تركيب الاصطفاف والصراع بما ينسجم ومراكز القوة الجديدة. روسيا-أوروبا-الصين –ثم إيران وتركيا وهكذا حصدت سياسة القوة التي تبناها بوش والليبراليون الجدد الفشل الذريع بسبب المقاومة الباسلة والتضحيات الجسيمة التي قدمتها المقاومة العربية فقد دفع الشعب العراقي مليون قتيل و/4/ مليون مهجر و/3/ مليون جريح و/6/ مليون طفل يتيم في مقاومته سقط قسم كبير من الضحايا في محاولات تأجيج الصراع المذهبي الذي رعته أمريكا.وانكلترا.
ودفع اللبنانيون ألوف القتلى والجرحى وهدمت مدن وقرى الجنوب والضاحية الجنوبية ودفع الفلسطينيون ألوف الضحايا. وكان الثمن كما ذكرنا باهظا ولكنه لم يذهب هدرا. حصدت السياسة الأمريكية الفشل الذريع وأمام هذا الفشل في السياسة الأمريكية بدأت الإدارة الأمريكية بتغيير تكتيكها ورفع شعار /سلام الضعفاء/ مستفيدة من حالة الضعف التي تعتري الحكومات العربية المختلفة بالإضافة للحكومة الإسرائيلية المتواجدة فالرئيس الفلسطيني /أبو مازن/ في أضعف حالاته وأدت سياسته إلى تمزيق مناطق الحكم الذاتي وإلى إضعاف دور منظمة فتح والمؤسسات الفلسطينية مما دفعه للوصول إلى أي شكل من الاستسلام لإنقاذ حكمه وكانت الحكومة العراقية ضعيفة بعد أن انسحب /10/ من وزرائها وبعد بدء اشتباكاتها مع التيار الصدري.
والحكومة اللبنانية ضعيفة بسبب عدم قدرتها على تأمين حل مشاكلها الداخلية وعدم قدرتها على إدارة المؤسسات اللبنانية ولجوء جزء من وجوهها للاستقواء بالولايات المتحدة. فقد عبر جنبلاط في تلك الفترة أنه مع المشروع الأمريكي ومن العاملين على تنفيذه. وأيضا إضعاف حكومة السودان وتأجيج الصراع الداخلي سيدفعها إلى المشاركة في الحوار المطلوب أمريكيا. واعتبر أن حصار سوريا وضعف اقتصادها بسبب انتشار الفساد العام وعدم قدرة حكومتها الانفتاح على المجتمع سيدفع بها للمشاركة في الخطة السياسية الجديدة للولايات المتحدة. وهكذا بدأت الإدارة الأمريكية بتغيير تكتيكها. وعلينا قبل الدخول في مناقشة إمكانية نجاح أو فشل السياسة الجديدة أن نؤكد على أهمية إفشال ضغط أمريكا في السيطرة على المنطقة بالقوة وبالاحتلال. وأن مثل هذه السياسة لن تمارسها إدارة الاحتلال. ولكنها ستعمل على محاولة إعادة هيمنتها وستستمر في نهجها الهادف إلى السيطرة على المنطقة.
ومن منطق هزيمة التدخل المسلح علينا أن ننبه جميع من لازالوا مقتنعين باستمرار السياسة العسكرية الأمريكية من خطورة عدم رؤية السياسة الجديدة وعدم التصدي لها.. وهذا خطرا كما نرى سيبعثر قوى الممانعة العربية بشقيها المسلح والسياسي. ونحذر أيضا من جانب آخر من الانتشاء بالنصر واعتبار أن السياسة الأمريكية كلها قد هزمت.والاندفاع بوعي أو بدون وعي بالمشاركة في السياسة الأمريكية الجديدة. وهذان الخطران يشكلان في الظروف الحالية نقطة الضعف الرئيسية في صفوف قوى الممانعة كما ذكرنا.
ورغم خطورة تبعثر قوى الممانعة فإن عوامل التصدي للسياسة الجديدة بدأت تظهر فقد أدت تحركات المعارضة اللبنانية إلى إنهاء الاستعصاء في لبنان وانتخاب رئيس لبنان والموافقة على تشكيل حكومة وحدة وطنية.
وفي العراق انتهى الخلاف داخل الحكومة العراقية وعاد الوزراء العشرة المستقيلين للحكومة على أرضية رفض اتفاقية الإذعان الأمريكية والمطالبة بجلاء قوات الاحتلال من العراق.
وانكفأت القوى السياسية العربية التي كانت تراهن على انتصار السياسة الأمريكية السابقة وأدى هذا الانكفاء إلى نمو ظاهرة الانقسام والبعثرة في صفوفها.
وبالمقابل اندفعت الحكومة السورية لحوار غير مباشر مع الإسرائيليين,معتبرة أن ما جرى هو انتصار نهائي وعليها أن تحصد قسماً من نتائجه. وأدلى بعض دبلوماسيها بتصريحات مطمئنة منها ما قاله مقداد أن هناك خلافا في الموقف من إسرائيل بين إيران التي تريد إزالتها وسورية التي تتفاوض معها ولا ندري لصالح من أعطي هذا التصريح. وأيضا التصريح المطالب بأن تكون الولايات المتحدة هي راعية الحوار بين سورية وإسرائيل. وكأن الولايات المتحدة حيادية في الموقف من الطرفين وكأن الإدارة الأمريكية الجديدة ستكون ضد السياسة الإسرائيلية وكأن إسرائيل لا تمثل في وجودها المصالح الأمريكية العليا….وهكذا من هذا المنطلق ننظر إلى خطورة شعار سلام الضعفاء وندعو إلى أهمية اليقظة وإلى معرفة خطورته. وإلى استمرار وحدة قوى الممانعة وإلى إتاحة الحريات العامة لتأمين تيار شعبي قوي ورادع.
إننا إذ نرفض الاندفاع نحو الحوار مع الإسرائيليين أو الأمريكان نرى أنه يتصارع الآن في المنطقة نوعان من السلام سلام المقاومة الذي فرضته المقاومة اللبنانية والتي حققت فيه ما لم تحققه جامعة الدول العربية أو الإسلامية مجتمعة.
وسلام الضعفاء الذي تسعى إليه بعض الدول العربية ونحن نحذر من خطورته وندعو إلى تأمين أوسع جبهة للتصدي له وإسقاطه كي يعمم سلام المقاومة.
خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى