المناورة السورية
يجب أن لا تدّعي روسيا بأنها قادرة على جرّ الشرق الأوسط الى حرب باردة جديدة.
قبل شهر، كان يتمّ الاحتفاء بالرئيس السوري بشار الأسد في باريس. فقد كانت سوريا على قاب قوسين أو أدنى من تطبيع علاقاتها مع لبنان، وكانت تجري محادثات مع إسرائيل، وبدا من الممكن عقد اتفاقية سلام تنهي بها سوريا عزلتها التي دامت طويلاً. واليوم سيلتقي الأسد نظيره الروسي ديمتري مدفيديف في سوتشي. وتحضيراً لهذا اللقاء، عمد الأسد الى إبداء دعمه المطلق للغزو الذي قامت به موسكو في جورجيا، ووقع للحصول على مجموعة جديدة من معدات الدفاع الروسية، مستهزئا بعجز الأسلحة الإسرائيلية والمستشارين الإسرائيليين عن تجنيب الجيش الجورجي هزيمة شائنة.
اليوم، تنتشر مضاعفات أزمة القوقاز بسرعة، ما يسرّ موسكو. وثمّة احتمال بأن يؤدي ذلك الى اصطفاف دول الشرق الأوسط على جبهات عدة، كأيام الحرب الباردة. اذا حصل ذلك فإن سوريا وحلفاء الاتحاد السوفياتي سابقاً في المنطقة، سيكونون الخاسر الأكبر.
إن أسباب سعي روسيا الى جرّ سوريا الى الدوران مجدداً في فلكها واضحة. فعلى الصعيد الاستراتيجي، يكسب ذلك البحرية الروسية امكان استخدام مرفئين سوريين، في الوقت الذي تحاول فيه أوكرانيا إعادة صياغة شروط استخدام الروس لقواعدها في كريميا. وقد استطاعت موسكو الإعلان عن إرسال أنظمة دفاع جوي روسية الى سوريا في نفس اليوم الذي وقّعت فيه الولايات المتحدّة مع بولندا اتفاقية لنشر صواريخ دفاعية في الدولة الاوروبية. وعلى الصعيد الديبلوماسي، فإنّ هذا التقارب (بعد سنوات من العلاقات المتوترّة بسبب عدم تسديد سوريا الديون المتوجبّة عليها) يرسل إشارة الى حلف الناتو مفادها أنّ احتواء روسيا الجديدة يتطلّب أكثر من مجرّد مدّ الجسور مع جيرانها.
لقد حذرّت الولايات المتحدّة روسيا من أنّ تماديها باتباع مثل هذه السياسة الخطرة سيؤدي الى عزلتها، فكان جواب السيّد مدفيدف أن بامكانه دائماً إيجاد أصدقاء جدد. غير أنّ تصرّف سوريا المتماشي مع روسيا ينمّ عن غباء وتقلّب.
ففي حين يستمتع السيد الأسد بمشاهدة البحر الأسود حيث يقضي السيد مدفيديف عطلته الصيفيّة، عليه ألاّ ينسى أنّ روسيا ليست الاتحاد السوفياتي، فلو كانت كذلك لتمّ اللقاء في يالطا. والأهم من ذلك هو أنّ ليس لموسكو أي سبب عقائدي يدفعها الى تمويل سوريا وإنمائها، فما أن يخبو سعي روسيا الحالي لاستقطاب الأصدقاء حتى تقتصر علاقتها الجديدة بسوريا على الشقّ التجاري فحسب.
فضلاً عن ذلك، على السيد الأسد أن يعي أنه لم يختر أصدقاء مناسبين، إذ إنّ البلد الثاني الوحيد الذي رحّب بمغامرة روسيا في القوقاز هو روسيا البيضاء، البلد الأوروبي الوحيد الذي لا يزال فيه نظام ديكتاتوري. فحتى الأسبوع الماضي، كان بامكان سوريا أن تأمل بعودة العلاقات الديبلوماسية بينها وبين الولايات المتحدة مع وصول الرئيس الجديد الى الحكم، أما اليوم فإنّ هذا الاحتمال يتراجع.
سيكون على دمشق أن تدفع ثمن تصرّفها هذا من خلال استمرار فرض الولايات المتحدة عقوبات عليها. ولكن كيف يجب أن يكون رد الغرب عموماً على هذه المناورة السورية؟ القاعدة الأولى التي سيطبقها هي عدم التوتّر، ذلك أنّ موسكو تعبّر عن الحرب الباردة تلك من خلال البيانات التي تنشرها حول بطاريات الصواريخ والمرافئ، علماً أن مثل هذه الأساليب الحربية قد انتهت.
يدلّ انفتاح روسيا على دمشق على سعي روسيا الى اضعاف القيادة الغربية لعملية السلام في الشرق الأوسط. وليس هذا الهدف بعيد المنال في حال توفّر له التعاون المطلوب، إذ لا تزال روسيا عضوا في الحلف الرباعي الذي يدعم حلّ الصراع الإسرائيلي ــ الفلسطيني من خلال إقامة دولتين، ولها مصلحة في حدوث استقرار في المنطقة، ليس أقلّه بسبب وجود اكثر من مليون روسي العرق يعيشون في إسرائيل، وتقرّبها من دمشق يمكن أن يخفّف من اعتماد سوريا على إيران، ويعزّز امكانية توقيع اتفاقية سلام مع إسرائيل.
خارج الشرق الأوسط، اتبعّت روسيا سياسة خارجية تقوم على المعارضة و هزم الذات، ومن الغباء أن تسير سوريا على خطاها.
The Times