ساركوزي في دمشق

رندة تقي الدين
زيارة وزير خارجية فرنسا برنار كوشنير الى دمشق اتسمت «بالحذر المتبادل» ويقظة الوزير إزاء الوعود السورية لفرنسا حول لبنان. فكوشنير زار دمشق التي استقبلته بحفاوة عشية الزيارة التي سيقوم بها الرئيس نيكولا ساركوزي الى سورية في الاسبوع المقبل لتكريس انطلاقة جديدة في العلاقة السورية – الفرنسية.
كوشنير قال بعد زيارة دمشق انه غادرها «بعيون مفتوحة ويقظة مستمرة» ولكنه لاحظ انفتاحاً سورياً على فرنسا ينبغي الاستفادة منه والتقدم على طريق اقناع سورية بضرورة التطبيع مع لبنان.
الواضح ان سورية أهدت ساركوزي موضوع العلاقات الديبلوماسية بين لبنان وسورية، فقد وافق مجلس الوزراء اللبناني الخميس الماضي على فتح سفارة في دمشق. والآن يقال ان على البرلمان السوري ان يجتمع للموافقة على إقامة العلاقة الديبلوماسية مع لبنان. وتتوقع فرنسا تبادل السفراء قبل نهاية هذا العام. فهذا الأمر الرمزي مهم من الناحية التاريخية وينبغي الترحيب به ولو أنه كان بالإمكان الإسراع فيه، لأن هذه الخطوة لا تتطلب أشهراً لتنفيذها، ولكن يمكن انتظار ثلاثة اشهر اضافية لتحقيق هذه الخطوة المهمة بعد العقود الماضية التي لم تكن فيها علاقات ديبلوماسية بين البلدين.
أما بالنسبة الى النقاط الست التي بحثها الرئيس اللبناني ميشال سليمان في دمشق مع نظيره السوري، فالجانب الفرنسي يرى انها مسائل ستأخذ وقتاً طويلاً لحلها. فبالنسبة الى قضية مزارع شبعا كانت باريس على علم منذ زيارة الفريق الفرنسي الذي قاده أمين عام الرئاسة الفرنسية كلود غيان قبل قمة المتوسط في تموز (يوليو) الى دمشق ان سورية غير مستعدة للاعتراف رسمياً بلبنانية مزارع شبعا طالما ان الجولان السوري محتل. فقضية ترسيم الحدود اللبنانية – السورية ستأخذ وقتاً طويلاً في نظر باريس. أما قضية المفقودين اللبنانيين في السجون السورية فهي قضية تهم الرئيس اللبناني ميشال سليمان شخصياً، إذ انه معني بها لدواع انسانية وهو ملتزم أمام عائلات المفقودين اللبنانيين بالعمل على الوصول الى حل لهذه القضية، إلا أن الجانب السوري متشدد حول الموضوع ويطالب بالبحث في مصير المفقودين السوريين في لبنان، مع ان لبنان كان خاضعاً للوصاية السورية في تلك الفترة.
ستكون زيارة ساركوزي إلى دمشق مهمة من اجل تطبيع العلاقة بين سورية وفرنسا، على رغم أن الرئيس الفرنسي يصر على أن يكون موضوع لبنان في أساس هذا التطبيع. ففرنسا كانت عرّابة القرار 1559 ولو إن كان ذلك خلال رئاسة جاك شيراك، ولكن باريس لا تتراجع عن قرارات اصدرها مجلس الامن وكانت هي وراء صدورها. وإقامة العلاقات الديبلوماسية بين البلدين خطوة أولى على طريق تنفيذ بنود القرار 1559 ولكن يبقى الكثير. فالسؤال هل دمشق مستعدة حقيقة لتغيير اسلوب تعاملها مع القضية اللبنانية؟ هذا ما سيكتشفه ساركوزي في العلاقة المستجدة بين فرنسا ودمشق. فالرئيس الفرنسي قد يعطي الكثير لسورية إذا أظهرت له أنها ستتعامل بشكل مختلف عما مضى. وهو عازم على ان يختبر بنفسه نوعية التعامل السوري والتزامه بوعوده. صحيح أن ساركوزي مهتم بالمفاوضات السورية – الإسرائيلية، وتريد فرنسا المشاركة إلى جانب الولايات المتحدة في مفاوضات سلام سورية – إسرائيلية مباشرة، ولكننا ما زلنا بعيدين عن هذه المرحلة، خصوصاً على ضوء التغييرات السياسية الإسرائيلية بعد استقالة أولمرت من رئاسة الحكومة.
والمرجو الآن أن تكون زيارة ساركوزي إلى دمشق مثمرة، وأن يخرج الرئيس الفرنسي بنتائج ملموسة بالنسبة إلى مستقبل العلاقة اللبنانية – السورية.
الحياة