انفراج في العلاقات السورية-الإسرائيلية؟
دايفد إيغناتيوس،
من بين كافة الأوراق الغامضة في لائحة شؤون الشرق الأوسط، قد تكون هذه الورقة هي الأكثر إرباكاً؛ حيث أن الرئيس السوري بشار الأسد يبدو مستعدًّا لإجراء محادثات مباشرة مع إسرائيل، إذا كانت الولايات المتحدة ستنضمّ إلى فرنسا كبلد شريك متكفّل بتلك المبادرة.
هذا ما ورد عن كبار مستشاري الرئيس الأسد الذين تحدّثوا معي في ظل تواجدي في سوريا خلال هذا الأسبوع. وصدر التقييم نفسه للأوضاع عن بعض أبرز المسؤولين الفرنسيين في باريس. بالتالي، فمن شأن أي اجتماع مباشر بين البلدين أن يشكل خطوة إضافية في الحوار السوري-الإسرائيلي، علماً أنه كان يتم حتى الآن بشكل غير مباشر، من خلال تركيا.
في هذا السياق، يرغب السوريون في رؤية إشارة واضحة من إدارة بوش توحي بأنها تدعم عملية السلام وبأن الولايات المتحدة مستعدة للمشاركة مع فرنسا بصفة “عرّاب” للمحادثات. إلاّ أن المسؤولين السوريين متشائمون حيال ذلك الأمر ويشكّون في أن تقدم الإدارة الأميركية، التي سعت إلى عزل سوريا ومعاقبتها، على تغيير سياستها في الأشهر الأخيرة المتبقية لها. هذا قد يخيّب أمل بعض مستشاري الأسد الذين يفضّلون إحراز تقدّم سريع في هذا الشأن بدلاً من انتظار الإدارة الأميركية الجديدة لتنظّم أولويّاتها على صعيد السياسة الخارجية.
سوف يكون احتمال إجراء محادثات مباشرة بين سوريا وإسرائيل موضوع بحث أوضح وأدقّ في الأسبوع المقبل، أثناء قيام الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بزيارته المقرّرة إلى دمشق لإجراء محادثات مع الأسد، ويأتي هذا الاجتماع عقب زيارة الأسد إلى باريس لحضور قمّة الاتحاد من أجل المتوسّط، حيث جلس الرئيس السوري على طاولة مستديرة مع رئيس الحكومة الإسرائيلي إيهود أولمرت من دون أن يتبادلا الحديث.
تجدر الإشارة إلى أن المشاركة الديبلوماسية الفرنسية مع سوريا قد ساعدت في إيجاد مخرج للأزمة في لبنان، ممّا سمح أخيراً بإنتخاب رئيس للجمهورية وبتشكيل حكومة جديدة. وكان الرئيس اللبناني الجديد ميشال سليمان قد زار سوريا هذا الشهر، للتباحث في بدء علاقات ديبلوماسية رسمية، مع العلم أن دمشق قد رفضت هذا النوع من المناقشات في الماضي، حيث كانت تعتبر أنّ لبنان جزء من “سوريا الكبرى”.
هذا في حين كان المستشار الديبلوماسي للرئيس الفرنسي، جان دافيد ليفيت يبلغ مستشار الأمن القومي الأميركي ستيفن هادلي عن الخطوات الديبلوماسية الفرنسية بشكل منتظم ولكن كانت البيانات الأميركية في إطارها العام شديدة التحفّظ في هذا الخصوص.
تريد سوريا إشراك الولايات المتحدة في المفاوضات، ممّا يكفل، بشكل جزئي، إنسحاب إسرائيل من هضبة الجولان إلى ما وراء حدود 1967. وقد تلقّى السوريون ضمانات من خلال الوسطاء الأتراك، بأن إسرائيل سوف تنسحب، وذلك كجزء من اتفاق سلام شامل وأنه سيصار إلى حل النزاعات حول الحدود والمياه والمسائل التقنية الأخرى بين الجانبين، من خلال صيغ تم اكتشافها في المفاوضات المدعومة من قبل الولايات الأميركية التي جرت خلال التسعينات.
في غضون ذلك، يحذّر المسؤولون السوريون من أنه لا يُفترض بواشنطن أن تتوقع حدوث تغيّر سريع وحاسم في تحالف دمشق مع إيران. وحسبما قالوا، تهدف سوريا، بدلاً من ذلك، إلى توسيع علاقاتها لتشمل تركيا وفرنسا وروسيا وحتى الولايات المتحدة وإٍسرائيل، بالإضافة إلى إيران. ويتحدّث المسؤولون عن دور قد تلعبه سوريا كنقطة اتصال محتملة لإيران بدلاً من أن تكون سبيلاً جديداً لعزلها.
من المؤكّد أن السوريين يرغبون في التخفيف من اتّكالهم على إيران. والجدير بالذكر أن العلاقات بين البلدين قد أصبحت متوتّرة، منذ الإعلان عن الحوار غير المباشر مع إسرائيل في أيار، بسبب المنافسة الإقليمية الإيرانية مع تركيا.
كما حذّر أحد المسؤولين الفرنسيين قائلاً: “إذا أُجبر الأسد على اتّخاذ قرار بالتخلّي عن تحالفه مع طهران، كشرط للحصول على الدعم الأميركي لمحادثات السلام، فهو لن يفعل ذلك على الإطلاق. لذا يجب اقتراح عرض بطيء، يكتشف الرئيس السوري من خلاله تدريجياً أنه لا يحتاج إلى التحالف مع إيران”.
إن الزيارة التي قام بها الأسد إلى موسكو، الأسبوع الماضي والتي ناقش خلالها بعض القضايا مثل صفقات شراء الأسلحة والتعاون العسكري مع روسيا، قد أثارت بعض التخوّفات بأن تكون سوريا في صدد الانزلاق من جديد في انحيازها القديم في الحرب الباردة. لكن يقول المسؤولون هنا إن الدافع خلف زيارة الأسد يعود جزئياً إلى تخوّفه من أن يتم إقحام سوريا في أي نزاع مستقبلي بين إيران وإسرائيل وإلى رغبة سوريا في الحصول على الحماية الروسية. في هذا الإطار، قد تكون العلاقة الاستراتيجية مع روسيا حلاً بديلاً لاتّكال سوريا الحالي على إيران، حسبما يرجّح بعض السوريين.
حسبما أفادت بعض المصادر أيضاً، قد تتمثل إحدى الأوراق الأخرى التي يملكها الأسد بقدرته على الضغط على “حركة حماس” لوقف الاعتداءات في غزّة والضفة الغربية. وهذا قد يعالج أحد الهواجس الأميركية الرئيسة المتمثّل بدعم سوريا لكلّ من “حماس” و”حزب الله” وسائر المجموعات التي تعتبرها الولايات المتحدة أنها منظمات إرهابية.
من ناحية أخرى، كان الإسرائيليون يتساءلون طيلة أشهر عمّا إذا كانت دمشق ترغب فعلاً في عقد اتفاق السلام. قد يتسنّى لهم اكتشاف الحقيقة عمّا قريب، إذا قرّرت الولايات المتحدة مشاركة فرنسا في دعم الاجتماع الذي سيختبر صدق كافة الأطراف؛ ومن المعروف أن الإنفراجات الديبلوماسية المحتملة التي حصلت في الشرق الأوسط غالباً ما أثبتت أنها وهمية. لكن هذا ليس سبباً لعدم منح هذه المبادرة فرصة – وفي القريب العاجل.
The Washington Post ، الاربعاء 27 آب 2008
للاطلاع على المقال باللغة الإنكليزية
http://www.washingtonpost.com/wp-dyn/content/article/2008/08/26/AR2008082603077.html