المفاوضات السورية ـ الإسرائيلية هل هي خاتمة الأحزان أم بدايتها الجديدة؟
سامي مشاقة
ليست المفاوضات السورية ـ الاسرائيلية الجديدة غير المباشرة، بالتأكيد، المفاوضات الأولى التي تجري بينهما. بل هي تأتي في سياق من المفاوضات غير المباشرة الصعبة والمعقدة بين سوريا وإسرائيل.
نحن نعلم بأن المفاوضات في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد بلغت مراحل متقدمة كادت أن تنتهي الى عقد معاهدة سلام، إلا انه لم يتــسنّ لهذه المــفاوضات أن تنتهي ايجابياً بسبب إصرار اسرائيل على الحفاظ على سيادتها على بحيرة طبريا، وبهذا يصار الى استــنتاج مفاده بأن الصراع ليس على قطــعة أرض بل على فرض السيادة الوطنية على الأرض الوطنية.
فهل يمكن اليوم للمفاوضات الجديدة عبر الوسيط التركي أن تصل الى نتيجة لمصلحة سوريا، وخاصة بعد التغيرات الهامة في مختلف الميادين في منطقة الشرق الأوسط؟
لقد عقدت سوريا جولات عدة مع اسرائيل، يبشرنا المراقبون بأن المناقشات بهذه الجولات تجري بمرونة تبشر بمواقف قد تفضي بنهاية المطاف الى مفاوضات مباشرة بحضور الولايات المتحدة الاميركية، بعد أن تكون قد أعطت الضوء الأخضر للفريقين، الذي لم يتحقق حتى الآن. وسوريا من جانبها تصر على أن تكون المفاوضات بحضور الولايات المتحدة الاميركية، لأن هذا الحضور يزخّم المفاوضات ويكسبها المصداقية، فضلاً عن كونه يمثّل ضمانة للوصول الى نتائج وضمان تطبيقها.
وفي رأينا، فإنك المفاوضات الجارية اليوم والتي توصف بالمرونة ويجري إسقاط قدر كبير من التفاؤل عليها، ستجابه مجموعة من الصعوبات والعقبات، نتوقع أن يكون حلها صعبا ومعقدا وطويل الأجل، بسبب خطورة المواضيع المطروحة وأهميتها. فالمطلب السوري الأساسي هو استعادة هضبة الجولان وانسحاب اسرائيل حتى حدود الرابع من حزيران عام ١٩٦٧ تنفيذاً لقرار مجلس الأمن ٢٤٢ والتزاما بالشعار الشهير: الأرض مقابل السلام الذي رفعته القمم العربية المتعاقبة.
وتقابل المطلب السوري المحق أصلا شروط إسرائيلية تتمتع بالاستقلال الذاتي، وشروط أميركية ـ إسرائيلية مشتركة تتركز على القضايا التالية:
أولا: »حق« اسرائيل بنيل حصتها من مياه الجولان التي توفر حاليا جزءا لا يستهان به من حاجة اسرائيل الى المياه.
ثانيا: مطالبة اسرائيل بنيل حصتها من الموارد المالية الناجمة عن استغلال المشاريع السياحية في الجولان عبر السياحة والاصطياف للاسرائيليين والعرب والأجانب. خاصة ان اسرائيل أقامت خلال فترة احتلالها مجمعات سياحية عصرية صيفية وشتوية، مستغلة الطبيعة الجغرافية لهذه المنطقة السورية، ومن هنا يأتي إصرارها على مشاركتها لسوريا في استغلال هذه المجمعات المرافق.
ثالثا: تصر اسرائيل ايضا على نيل حصتها من مياه الوزاني في جنوب لبنان.
وبالإضافة للشروط الاسرائيلية، هناك شروط أميركية ـ إسرائيلية مشتركة وهي تتلخص بالبنود التالية:
أولا: فك ارتباط سوريا بحركة المقاومة للاحتلال الاسرائيلي في كل من فلسطين ولبنان، وبالتحديد مع حركة حماس والجهاد في فلسطين وحزب الله في لبنان.
ثانيا: حظر نشاط تحرك المنظمات الفلسطينية في دمشق.
ثالثا: رفع يدها عن التدخل في الشؤون العراقية.
رابعا: فك التحالف بينها وبين ايران.
ولا شك بأن هذه الشروط في غاية الخطورة والأهمية، لا لأنها تؤدي الى تغيير الخارطة السياسية في منطقة الشرق الاوسط وحسب، بل لأنها أيضا تمس السيادة السورية وحرية سوريا في اتخاذ القرارات التي تخدم مصالحها كدولة مستقلة ذات سيادة.
ونشير هنا الى ان اسرائيل ترغب في الوصول الى سلام مع سوريا ومع العرب عموماً وتسعى لهذا السلام، لأنه يؤدي الى فك العزلة السياسية والاقتصادية عنها وينهي وضعها كدولة هجينة في الأرض العربية، أنشئت أساساً لتطويع الدول العربية »المارقة« وخدمة للامبريالية، وبالتالي كدولة معترف بها، تدخل في شبكة العلاقات السياسية والاقتصادية في المنطقة، وينهي وضعها كدولة أمنية تحشد كامل إمكاناتها لتطوير قواها العسكرية. إلا ان السلام الذي ترغب به اسرائيل وتسعى اليه هو السلام الذي يحفظ وجودها كقوة إقليمية كبرى متقدمة.
وفي هذا السياق، لا نعتقد أن اسرائيل مستعدة لتقديم تنازلات مؤلمة كما تزعم، إذ إن التنازلات المنوه عنها هي تنازلات على حساب العرب، كالقبول بالانسحاب من الجولان ومزارع شبعا وتلال كفرشوبا، وهذا التنازل في نظر سوريا ولبنان ليس تنازلا بل هو حق من حقوقنا الوطنية نصت عليه القرارات الدولية. ويمكن قول الشيء نفسه عن قيام الدولة الفلسطينية الديموقراطية الحرة القابلة للحياة والتطور.
لذلك كله نقول انه لا ينبغي التفاؤل كثيرا في الوصول الى التفاهم، فضلا عن الاتفاق على قضايا النزاع تمهيدا لعقد معاهدة سلام بين سوريا واسرائيل، وبين لبنان واسرائيل في ما بعد، بسبب الأهمية القصـوى للقضايا المطروحة. ومن هنا فإننا نــتوقع أن تكون المفاوضات، سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة، صعبة ومعقدة وطويلة. وقد سبق لإسرائيل أن قدمت لنا نموذجاً عن طبيعة المفاوضات التي تجريها، وهذا النموذج يتمثل في المفاوضات بشأن طابا، هذه القطعة الصغيرة من الارض التي استمرت أكثر من ثلاث سنوات مع مصر التي كانت قد وقعت مع اسرائيل اتفاق كامب ديفيد الذي أدى الى تحييد مصر عن الصراع العربي ـ الاسرائيلي، فكيف يمكن تصور مفاوضات بين سوريا واسرائيل بشأن مواضيع تتسم بهذا المستوى من الخطورة. وخاصة في ظل اختلال ميزان القوى العسكري بين سوريا واسرائيل، الذي يجب أن يكون متقاربا حتى تُرسى المفاوضات على أسس موضوعية.
لقد دأبت اسرائيل دائما على استفراد كل دولة عربية على حدة لعـقد مفاوضات ثنائية مباشرة معها، وهذا ما حصل بين مصر واسرائيل وبين الاردن واسـرائيل، ونجم عن هذه المفاوضات اتفاقا كامب ديفيد ووادي عربة، وتحاول اليـوم جر سوريا ومن ثم لبنان الى مثل هذه المفاوضات.
إلا أننا نعتقد أن هذا النهج لن يكتب له النجاح، لأن سوريا تطالب بالمقابل بالسلام، ولكنه السلام العادل والشامل ومبدأ الأرض مقابل السلام. والسلام لا يمكن ان يكون عادلاً وشاملاً إلا اذا شمل كل الأطراف واستهدف حل كل القضايا المعلقة في سوريا وفلسطين ولبنان. وفي تقديرنا أن هذه المواضيع لا يمكن مقاربتها فضلا عن بلوغ حل لها بيسر وسهولة.
ومن باب المعقولية نقول انه ربما أحرزت هذه المفاوضات بين سوريا واسرائيل ايجابية هامة وتفاهما على القضايا المتنازع عليها، مما أدى الى عقد معاهدة سلام بين الدولتين ينهي هذا النزاع، ولكن هل يعني هذا الوصول الى السلام. هذا اذا سلّمنا جدلا بموافقة سوريا على الشروط الاسرائيلية، وهذا ما نستبعده تماما. ان الجواب هو بالنفي طبعاً، لأن جوهر السلام هو السلام العادل والشامل، والمعاهدة لا تلبي هذه الغاية. وبالتــالي فإن معاهدة كهذه ـ اذا عقدت ـ لا توفر فرصة حقيقية لتطبيع العلاقات بين البــلدين، ولا توفر سلاما حقيقيا، وقد سبق للرئيس بشار الأسد أن التقط هذه الفكــرة وأشار مؤخرا الى أن معاهدة بهذا المسـتوى لا تمثّل السلام المنشود والحقيقي الذي نطمح الى بلوغه.
لا نريد أن نستبق الأمور فنتوقع فشل المفاوضات الجارية، سواء عبر الوسيط التركي أو المباشرة مع الادارة الاميركية ـ الاسرائيلية المشتركة، أو مع اسرائيل مباشرة بمباركة وحضور أميركي فاعل ومباشر. ولكننا نكتفي بالقول ـ دون الوقوع في الخطأ ـ إن المفاوضات بين سوريا واسرائيل ستكون مفاوضات شاقة وصعبة وطويلة، بسبب عدم جهوزية سوريا للخضوع للشروط الاسرائيلية والشروط الاميركية ـ الاسرائيلية المشتركة، وعدم جهوزية اسرائيل للانسحاب في ظل معارضة داخلية متعاظمة، وبالتالي عدم جهوزية الفرقاء على إقامة سلام دائم وشامل وعادل في المدى المنظور.