صفحات سوريةمازن كم الماز

فيما يتعلق بحرية الرأي و بالفتنة المذهبية

null
مازن كم الماز

في الحقيقة يبدو أن الطائفة ستكون هي الشكل الاجتماعي و ربما العقيدي الفعلي الذي علينا أن نعيش في ظله جميعا لبعض الوقت و من المؤكد أن هذا الواقع سيشكل قاعدة أساسية لحياة الناس و تفكيرها حتى استكمال عملية مخاض ولادة سلطات و أنظمة جديدة تعيد تحجيم الطائفة و مؤسساتها في إعادة إنتاج علاقة معقدة كانت فيها

السلطة دائما هي مركز الفعل و فرضت على المؤسسة الدينية دور التابع الهامشي أو باتجاه إقامة مؤسسات فوق طائفية تكون حاملة لمشروع حالة سياسية اجتماعية عقيدية تقوم على حرية البشر العاديين..إن إعلان الهدنة بين حزب الله و من سموا بالتيارات السلفية و التراجع السريع عنه و من ثم زيارة السفير السعودي لطرابلس , ما هو إلا دلالة على ما علينا أن ننتظره من هذه المركزية المفروضة للطائفة و زعاماتها و مؤسساتها على حياتنا كإطار وحيد ممكن لحياة الأفراد اليوم مع الانهيار الذي يصيب الحالة الاجتماعية و الاقتصادية جراء فعل و وجود الأنظمة الاستبدادية و المشروع الأمريكي للهيمنة على المنطقة و العالم..لا شك أن هذا التطييف لا يقتصر على مجتمعاتنا , إن البرجوازية نفسها تنكص إلى الوراء إلى ما قبل صراعها ضد الإقطاع لتستحضر أرواح الماضي وصولا إلى محاكم التفتيش التي نصبت لمسلمي و يهود إسبانيا لتنصبها من جديد في شكل القوانين الاستثنائية الجديدة و مختلف أنواع السجون التي تقيمها لضحاياها المعاصرين , لا تستطيع البرجوازية أن تعرف نفسها إلا بشخصية عدوها , الإقطاع أولا ثم الاشتراكية خاصة الماركسية بعد أن ظهرت الحركات العمالية كقوة هامة بعد منتصف القرن التاسع عشر , و أخيرا الأصولية الإسلامية , هذا مع الإصرار على تعميم شخصية كوزموبوليتية تشبه تماما ما جرى في أيام الإمبراطورية الرومانية عندما جرى تعميم نمط حياة و آلهة و قوانين المركز على الأطراف المحتلة..بوش في الصين يدعو القيادة الصينية “الملحدة” لعدم الخوف من الأديان , لكن إدارته في نفس الوقت تدعم أنظمة استبدادية وفق النموذج الأتاتوركي و تفرض تغييرات على دول كالسعودية مثلا باتجاه تحجيم الدور الكبير تاريخيا للمؤسسة الدينية الإسلامية مثلا..يجري هذا في إطار هدم أو إضعاف الدول القومية التي عبر قيامها عن انتصار البرجوازية التاريخي , إن مركزة السلطة العالمية بيد أمريكا و ما تمثله من مركز للنظام الرأسمالي العالمي تؤدي لتغيير عميق في بنية الأنظمة المحلية في أطراف هذا النظام , أنظمة أوروبا الشرقية كمثال أساسي , هذا يعيد أيضا تعريف هذه الدول , حتى في دول المركز كان تعريف المواطن حتى وقت قريب , قانونيا أو نظريا على الأقل , مفتوح لجميع أعضائها , بينما يعتبر هذا التعريف اليوم المسلمين في الغرب طابورا خامس داخل البلد و يعطى هذا التحديد الإيديولوجي الإعلامي بعدا قانونيا عبر قوانين استثنائية موجهة أساسا ضد المسلمين في الغرب , وفق هذا النسق يعتبر الإسلاميون أيضا كل المسلمين في الغرب قوة احتياطية للإسلام ( محمود الزهار مثلا تحدث مؤخرا عن أن نسبة النمو السكاني في أوساط الجاليات الإسلامية ستجعلها تحتل مكانة أكبر مع الوقت في بلدانها و أن هذه النسبة المرتفعة نفسها مقارنة بنسبة التوالد في بقية المجتمعات ستعني أن الأرض ستكون ذات أكثرية إسلامية بعد وقت ما متناسيا أن أقلية ما تحتكر السلطة و القوة و الثروة كانت قادرة تاريخيا على أن تفرض إرادتها على أكثرية تستخدم كخدم لتلك الأقلية ) و أن الشيعة مثلا في كل مكان يوجدون فيه فإن ولاءهم الحقيقي هو لإيران أما المسيحيون في المجتمعات الإسلامية فهم احتياطي للغرب – خطاب القوات اللبنانية و الكتائب و الأصوليون الإسلاميون في نفس الوقت..قد يمثل البلقان و من ثم القوقاز مثالا على طريقة استخدام القوى الكبرى المسيطرة في العالم لهذه الاختلافات والتناقضات الدينية و الأثنية و المذهبية بما ينسجم مع مصالح و خطاب نخب محلية بعضها “متنور”..يجب هنا ألا نهمل دور أساسيا للأنظمة البيروقراطية الاستبدادية التي استخدمت الطائفة أو العشيرة حاملة و درعا لها..هنا يمكننا حتى دون التطرق إلى قرارات التكفير المتبادلة التي تتبادلها المؤسسات الدينية للطوائف و المذاهب و الأديان أن نحاول أن نحدد ملامح موقف إنساني من قضية الحرية الإنسانية , و الاختلافات الطائفية و المذهبية و حتى قضية التكفير..هنا للموضوع بعدان , الأول يتصل بحرية المؤسسات الدينية في اتهام الآخرين و فرض آرائها على الآخرين كمحتكرة للحقيقة , أو في استخدام هذا الموقف كفزاعة و مبرر لحصر هذا الحق , أي تحديد الصح و الخطأ و معاقبة الناس , بالدولة البيروقراطية , و يتصل الثاني بحرية البشر أنفسهم حتى على الضد من مواقف و فتاوي هذه المؤسسات الدينية و بالتأكيد السلطة..طبعا سيكون علينا هنا مواجهة نكتة أن الحرية الإنسانية مقيدة بالضرورة و أن هذه القيود تحددها أساسا السلطة حرصا على المجتمع نفسه الذي تقمعه و المؤسسات الدينية المسؤولة عن ضمير الإنسان و عن روحه..أحد الأسئلة الأساسية اليوم هي تنافس القوى الإسلامية و السلطات التي تدعي العلمانية على السلطة مثلا , و بالتالي “حدود” حرية المؤسسة الدينية التي لا بد أن تكون حريتها هذه على حساب حرية الناس أنفسهم , لأن أساس ما تقوم به هو تحديد حدود حرية تفكير و تعبير البشر , حدود المسموح و الممنوع , و قبل هذا و ذاك تكريس السلطة المطلقة بالفعل للدولة في مواجهة الجميع , مع عدم نسيان الدور المركزي الذي يلعبه رجال دين القصور في تكريس هوية طائفية خاصة للدولة و لمواطنيها “المخلصين الجديرين” أو “المثقفين العلمانيين” في تكريس تهميش المؤسسة الدينية و اضطهادها لحساب الدولة المطلقة حسب الظروف الخاصة بكل دولة و مجتمع..بالعودة إلى الوثيقة التي وقعها حزب الله و السلفيون اللبنانيون لا أجد مشكلة , انطلاقا من حرية كل البشر في اعتناق ما يريدون و التفكير كيفما يشاؤون , في أن يمارس رجال الدين السنة أو الشيعة , أو من يشاء , تكفير الآخر , بل إنني أرى أن من حق أي إنسان أن يعلن كفره و إيمانه بما يشاء , القضية هنا أن هذا “الكافر” هو إنسان يمارس حقه في التفكير و استخدام عقله , و على الجميع أن يكفوا عن اعتبار هذه جريمة تستحق العقاب , إنها موقف يستمد مشروعيته من حقيقة أن الإنسان كائن عاقل..يجب تضمين هذا في الوثيقة , و لكي تكون كاملة يجب التأكيد أيضا على أن أي إنسان و فكر قابل للنقد , نبيا كان أو رجل دين أو سلطان أو مفكر , أي أن يكون حق الانتقاد و الاتهام محفوظ للطرفين على قدم المساواة دون أن يفرض أيا منهما عصمته على الآخرين بقوة التدمير المقنعة..قد يكون هذا بداية لتوثيق مختلف عن حرية الناس , كل الناس , في استخدام عقولهم دون تابوهات بما يعني إعادة ترتيب المشهد الحالي للخطابات الإقصائية للقوى المسيطرة و الموجهة أولا ضد الآخر المختلف و في الواقع ضد الإنسان نفسه , كمقدمة للدفاع عن هذا الإنسان في وجه القوى التي تهيمن على حياته و تحوله إلى آلة لتوليد الثروة و لتحقيق هيمنتها بقتله للآخر…..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى