ساركوزي في دمشق!! الاتحاد المتوسطي: اتحاد سياسات وأسواق أم لقاء شعوب وحوار حضارات؟!
زهير سالم
لن يعجز كل من يجول حول المتوسط، حتى في عصر المدن بلا ملامح، أن يقتنص الكثير من الشواهد الإنسانية (الأنثربولوجية) والعمرانية الحضارية والمدنية التي تربط شعوب حوض المتوسط بعضهم ببعض.
كما يدرك كل الدارسين والممحصين لتاريخ الحضارات والأفكار أن الأديان الكبرى والثقافات العظمى انطلقت من حوض هذه البحيرة الصغيرة. ولن يجدي في هذا السياق أي نزاع بيني على الأولية التاريخية، وإن كان أكثر المنصفين يصرون على أصول أثينة السمراء، وعلى أنه لولا (العرب) ليس فقط لما عرف أرسطو وأفلاطون كما هو شائع، بل لما كان أرسطو وأفلاطون كما يقرر الباحث الفرنسي بيير روسي لن يكون قابلا للجدل التشكيك في انتساب (ألفا بيتا غاما..) أو (abc) نسبة شرعية إلى رأس شمرا الموطن الأول لأبجد هوز…
سيدرك المتتبعون لتاريخ العلاقة بين ضفاف البحيرة أن الصراع بأشكاله ومذاهبه قد ساد هذه العلاقة وشكل منطلقاتها وآفاقها على السواء. وسيذكرون في سياق اعتباطي الاسكندر وكليوباترا وهاني بعل (هانيبال) والزباء (زنوبيا) وهرقل وخالدا وعمرا وطارقا والغافقي ورولاند وقلب الأسد وصلاح الدين وبونابرت وألنبي وغورو ويوسف العظمة وعمر المختار و…
وفي سياقات أخرى سيذكر المعلم الأول وابن حنين وابن سينا والفاربي وابن رشد وابن ميمون وابن النفيس وروجر وفرنسيس بيكون (العم وابن أخيه) وروسو وجده الذي عاش في حاضرة الإسلام (استانبول) وجيل روسو من حملة مشروع التنوير دون أن ننسى بالطبع المعري ودانتي وشعراء التروبادور وأقاصيص الرومانسية وقيم الفروسية والحصان العربي والكثير من المشترك الثقافي في الألفاظ والأمثال والعادات وأنماط السلوك ومستويات ردود الأفعال والأذواق.
نعم ثمة تاريخ مشترك خلف وراءه الكثير من المشتركات التي يمكن أن تكون أساسا أو مدخلا لعلاقة في عصر وعي الإنسان لذاته ولإنسانيته على السواء. وإذا صح منا القول إن العلائق التاريخية المشار إليها لم تكن في الأفق المنشود وإنما قامت دائما على الصراع وعلى ما هو أكثر مأساوية من الصراع، لأنها ارتبطت في غالب الأحيان بمعايير القوة المادية وبالتعصب المنغلق على الذات الذي أنجب ألفونسو وإيزابيلا ومحاكم التفتيش وقوائم الكتب الممنوعة التي لم تسقط من الفاتيكان إلا في الستينات من القرن العشرين والتي ما تزال نظاما معمولا به في دول معولمة تنادي بالعلمانية أو ترفع شعارات حقوق الإنسان!! إلى جانب محارق الكتب التي لم تقل في بشاعتها عن محارق الإنسان.
هل يستطيع (الإنسان) في القرن الحادي والعشرين أن يتجاوز سلبيات التاريخ ومآسيه ليرسم أفقاً وضيئاً يغمر أطفال البحيرة الذين يتواثبون في ماء واحد ساعات الأصيل!!
هل يمكن للذين يحلمون بالاتحاد المتوسطي أن يزيحوا عن مخيلتهم أحلام السيطرة والنفوذ والمكاثرة والمكاسرة وأيضا أحلام السوق والمضاربة والربح والخسارة بمعاييرها المادية الزائفة.
هل يمكن للذين يعلنون ولاءهم وحبهم للمتوسط أن يحرصوا عليه نظيفا من كل وسائل السيطرة وأدواتها ومن كل أشكال الظلم الإنساني والسياسي والاجتماعي والظلم الإنساني إنما يعني أن ينظر الإنسان بكبر إلى أخيه الإنسان فيغمطه حقه في الاحترام الإنساني الذي قامت عليه الشرائع والحضارات.
أي رسالة سيرسلها عبر هذا الاتحاد طفل مرسيليا إلى أطفال غزة؟!! إلى الطفلة الفلسطينية تقتل في مهدها، أو تفقد أسرتها بصاروخ إسرائيلي أو إلى الطفل السوري على شاطئ اللاذقية ينتظر مهجّرا غير مسموح له أن يعود، أو إلى أطفال الشواطئ الجنوبية للبحيرة الذين يتكدس آباؤهم في مدن الصفيح في الضواحي الجنوبية لباريس!!
الرئيس الفرنسي يقول إن زيارته لدمشق هي زيارة صداقة للشعب السوري!! والشعب السوري الذي يعرف جيدا كيف يستقبل الضيف يجيد أيضا قراءة الرسالة ويحسن الجواب عليها.
مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية
أخبار الشرق