المرونة الفرنسة في مواجهة الفوضوية السورية
جهاد صالح
تعيش دمشق وسلطتها غبطة كبيرة ونرجسية سياسية باتت معهودة من ديكتاتورية لاتتغير أبدا، هذه الفرحة السورية تسير في أجواء تاريخية بعد أن فتحت فرنسا الديمقراطية الأبواب الإقليمية والدولية أمامها ،وأعادت العربة السورية إلى السكة لتبدأ رحلة جديدة قد تطول فيما إذا حققت دمشق رغبات الغرب الكثيرة والصعبة في آن.
الفرحة السورية ظهرت لأجل زيارة رئيس فرنسا نيكولا ساركوزي إلى دمشق والتي ستكون يوم الأربعاء ،بعد تجميد للعلاقات الفرنسية مع سوريا منذ عهد الرئيس شيراك عام 2005 في شباط بعد اغتيال رفيق الحريري ،وغضب شيراك الشخصي من بشار الأسد المسؤول غير المباشر عن جريمة الاغتيال حسب المتداول دوليا. صحافة السلطة السورية أطلقت أبواقها ومزاميرها واجتمع الفرح والغرور معا على صفحاتها ،ولتتحدث عن محورية سوريا وأهميتها في المنطقة ولهذا انفتحت فرنسا عليها،وانطلاقا من مصالحها ودورها التاريخي في الشرق وتفهمها لأهمية دمشق في كل الأعمال الإقليمية.
واعتبرت أن باريس هي بوابة سوريا إلى الغرب ودمشق بوابة فرنسا إلى المنطقة وأنهم قبلوا بالانفتاح عن طريق الفرنسيين لما لهم من صداقة قديمة مع القضايا العربية.
ومن جديد يراهن قادة البعث على أنفسهم وسياساتهم الرعناء وكأن الزمن والأيام القادمة ستكون لهم ، خارج حتمية التغيرات العالمية والإقليمية،فيتحدثون عن أن زيارة ساركوزي إلى دمشق تؤكد على استقلالية مواقف فرنسا عن الإدارة الأمريكية، وهي في مصلحة السلام والأمن للمنطقة، وأن النفوذ الأمريكي منحاز لإسرائيل على حساب قضايا العرب ؟ ولهذا نجد أن الدبلوماسية الدولية والعربية تتزاحم على أبواب دمشق وأن سورية ستكون الأربعاء “محط الأنظار إقليميا ودوليا لاستضافتها قمة على درجة كبيرة من الأهمية” يتم خلالها “بحث العلاقات الثنائية وسبل تعزيزها إضافة إلى ملف المفاوضات غير المباشرة بين سورية وإسرائيل، وقضايا المنطقة وعلى رأسها لبنان”.وهذا الحديث نقيض الأفعال السورية التي تمنت حتى اللحظة الود الأمريكي ، وأعلنها الأسد مرارا وتكرارا أنه مستعد لتلبية المطاليب الأمريكية ولكنه لايفهمها؟
ليس بشي جديد على نظام القمع في سوريا الوقوف أمام المرايا والابتسامات البلهاء والتصفيق لذاته، لانتصاراته الورقية، وقناعته أن الغرب وفرنسا وغيرهم حين يحاورونه فهذا ليس إلا من باب ( الذكاء والحنكة الدبلوماسية السورية). لكن الحقيقة أن النظام وأدواته وحلفائه ينشرون فوضى وإرهاب دموي في لبنان والعراق وفلسطين ، والحقيقة الأخيرة أن ساركوزي يسعى لمنح دمشق فرصة أخيرة ، قائمة على الالتزام بالانفكاك عن إيران وحزب الله وحماس والجماعات الإرهابية الأخرى، وهي استجابت في الموضوع اللبناني بعض الشيء ( رئاسة الجمهورية – تشكيل الحكومة- العلاقات الدبلوماسية) . ولكن بقيت تشعل النيران والمشاكل في طرابلس والجنوب مؤخرا عبر حزب الله والأقلية العلوية وتحويل شمال لبنان إلى بؤرة لحرب صغيرة تكبر شيئا فشيئا.
ساركوزي من الصعوبة أن يعود من دمشق منتصرا، فهناك قضية السجناء والمفقودين اللبنانيين في السجون السورية والتي اعترف نظام دمشق بوجودهم ولكن بالمقابل فتح في وجهها قضية المفقودين السوريين في لبنان، أما عن مزارع شبعا فيتهرب الأسد وساسته منها بحجة أنه لايمكن حلها وترسيم الحدود ما دام الجولان محتلا. وبالنسبة عن علاقة سوريا مع حلفائها الإيرانيين فمن المستحيل أن تفعلها ،وهذا ما صرّحت به القيادات السورية مؤخرا،فقط في علاقتهم بحماس استجاب الأسد للرغبات الإسرائيلية وطرد مشعل إلى السودان ( لهذا نجد موقف حماس تغير من إسرائيل ودخلت في هدنة وحوارات).الحقيقة أن ساركوزي ما يهمه هو أن يكون لفرنسا وجود من خلال سوريا داخل المنطقة ولو على حساب حقوق الإنسان السوري، فالعلاقة مع نظام الأسد ستجلب لفرنسا عقود اقتصادية واستثمارات هائلة ، ورضاءا إسرائيليا ،كون إسرائيل تحبذ بقاء النظام السوري ورغبتها مع الأسد في أن تلعب فرنسا دور راعية لمفاوضات السلام السورية الإسرائيلية إلى جانب تركيا وقطر بعد رفض أمريكا بالمطلق، وكتمهيد لإزالة الأشواك وكسر الجليد نحو واشنطن؟
إذا الأسد عن طريق فرنسا يحلم برضاء إسرائيلي وأمريكي يمده بالشرعية والطمأنينة للبقاء كلاعب إقليمي يتحكم بمفاتيح العرب ومتسلحا بالدعم الغربي والأمريكي والإسرائيلي، وعدم التدخل في شؤون سوريا الداخلية.
أما فرنسا والغرب ومن وراء الكواليس أمريكا فيحاولون تهدئة الشر السوري وإطفائه عبر لعبة الحوارات وكسب الوقت إلى ما بعد الانتخابات الأمريكية . وعدم مواجهة إيران وسوريا وحزب الله وحماس دفعة واحدة ،ومعالجة كل طرف بمعزل عن الآخر ،عبر عزل سوريا عنهم أولا،ومن ثم إيران، وحزب الله داخل الدولة اللبنانية.
قد يضحك النظام في دمشق لأيام ويتحدث بلكنة فرنسية ،ويمسح ساركوزي بأصابعه الطرية على ظهر الأسد،لكن بالمقابل قد يخسر الطرفان كل شيء. ساركوزي برهانه على نظام لايعرف الخير لنفسه ولا للغير،والأسد بسياساته الدونكيشوتية عبر العيش في عظمة شخصه والحديث عن سوريا كدولة عظمى تجتاز الحدود إلى جورجيا وما بعدها ( الحفاظ على الأمن القومي السوري عالميا)؟
. بيروت
خاص – صفحات سورية –