قمة دمشق الرباعية
عمر كوش
أظهرت زيارة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي لدمشق، ثم القمة الرباعية التي جمعت الرئيس مع الرئيس بشار الأسد ورئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان وأمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، أن سياسة عزل سورية قد انتهت، وأن الباب بات مفتوحاً أمام الدبلوماسية السورية كي تلعب دوراً هاماً على الصعيد الإقليمي والدولي.
وتعتقد الأطراف التي شاركت في قمة دمشق الرباعية أن الحوار سيشجع القيادة السياسية السورية للمضي قدماً في مفاوضاتها غير المباشرة مع «إسرائيل»، والتي ترغب في أن تتحول قريباً إلى مفاوضات مباشرة، حيث تحدث في هذا المجال الرئيس الأسد عن ست نقاط تنتظر الرد الإسرائيلي حولها، وذلك كي تشكل قاعدة للتفاوض المباشر ما بين سورية وإسرائيل.
ولاشك في أن هنالك مراهنات أوروبية وأميركية وعربية على أن دخول سورية في عملية التفاوض المباشر مع إسرائيل، والتقدم في عملية التفاوض، سيقودها إلى الانسحاب التدريجي من الحلف الإستراتيجي مع إيران، لكن، بالمقابل، هنالك أيضاً من يعتقد أن هذه المراهنات مجرد وهم، وأن ما يجري هو محاولة لكسب الوقت، إذ من الصعب التقدم على مسار عملية السلام من خلال هذه المفاوضات، خصوصاً أن الطرف الأميركي مشغول هذه الأيام بالحملة الانتخابية الرئاسية، وأن التحالف ما بين إيران وسورية لا يمكن فكه من خلال الدخول في عملية التفاوض المباشر ما بين سورية وإسرائيل.
وأيا يكن الأمر، فإن الانفتاح الفرنسي، وبالتالي الأوروبي، على سورية له أكثر من محرض وسبب، فهنالك مشروع الاتحاد من أجل المتوسط الذي يقوده ساركوزي، ويهدف من خلاله إلى تقوية الدور الفرنسي والمصالح الفرنسية في المنطقة، وهنالك الخوف من توجيه ضربة عسكرية أميركية وإسرائيلية لإيران، على خلفية البرنامج النووي الإيراني، بالرغم من تراجع احتمالها في أيامنا هذه. وقد عارض أمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني زجّ دول الخليج في صراع مع إيران. ويبدو أن أطراف القمة الأربعة تعمل على منع المنطقة من الدخول في أتون حرب جديدة، لا أحد يعلم نتائجها وإرهاصاتها وانعكاساتها على دول وشعوب المنطقة، وعليه اختار الرؤساء الأربعة شعار «الحوار من أجل الاستقرار» عنواناً لقمتهم الرباعية.
ويمكن القول أن قمة دمشق الرباعية شكلت بداية تحول سياسي، بوصفها خطوة على طريق الواقعية، لكن المطلوب من الجانب الفرنسي والتركي هو العمل من أجل جعل الطرف الإسرائيلي يكف عن سياسته ومساعيه العدوانية، وأن يتجاوب مع شعار وأهداف القمة. ولا ننسى أن فرنسا وتركيا وقطر هي دول لها مع الولايات المتحدة الأميركية ومع إسرائيل علاقات ولو بدرجات متفاوتة، حيث إن التحالف الفرنسي الأميركي وثيق على أكثر من صعيد، إلى جانب علاقة ساركوزي المميزة مع إسرائيل. ومعروف أن تركيا تمتلك علاقات مميزة مع الولايات المتحدة الأميركية ولها علاقات جيدة مع الطرف الإسرائيلي، وبالتالي، فإن باستطاعة هاتين الدولتين التأثير في الساسة الأميركيين والإسرائيليين من أجل تفادي كارثة حرب جديدة، ويمكنهما تقديم النصح للأميركيين من أجل الدخول في الحوار مع القيادة السورية، ودعم المسعى المؤدي إلى إحلال السلام والاستقرار في المنطقة.
وتبرهن زيارة ساركوزي لدمشق على أن فرنسا بدأت تلعب أدوراً مختلفة عما كانت تلعبه خلال فترة رئاسة جاك شيراك، وأن دبلوماسيتها حيال منطقة الشرق الأوسط تبدو أكثر براغماتية وحيوية، مع أنها لا تبتعد عن سياسة الولايات المتحدة الأميركية بشكل عام، بل يراها نيكولا ساركوزي متكاملة مع السياسة الأميركية مع اختلاف النهج والوسائل. ومسعى ساركوزي من هذه السياسة هو الحفاظ على مناطق نفوذ يعتبرها تقليدية بالنسبة إلى فرنسا في المنطقة، لذلك كان الرئيس ساركوزي يركز على الدوام على أهمية استقرار الوضع في لبنان، وعلى حل الأزمة السياسية اللبنانية. وهو أمر بدأ بالتحقق بعد التوصل إلى اتفاق الدوحة، الذي شكل فاتحة الانفتاح الفرنسي على سورية.
ويبدو أن الرئيس ساركوزي يريد من حواره مع سورية أن تتحول بدورها إلى ركن هام في السياسة الشرق أوسطية لفرنسا، وبما يضمن استمرار مصالح فرنسا السياسية والاقتصادية، وهو أمر يتطلب إقامة علاقة مع كل الأطراف المعنية في المنطقة.
كاتب من سورية