صفحات الناس

مبروك .. مشعل التمو في السجن..!!

null
ميشال شماس
عندما ذهبت صباح يوم أمس إلى القصر العدلي لحضور جلسة محاكمة معتقلي تجمع إعلان دمشق، فوجئت بحالة الارتياح والابتسامات التي ترتسم على شفاه عدد من محامي الدفاع وأصدقاء المعتقلين وهم يدخلون إلى قاعة محكمة الجنايات الأولى بدمشق، فاستغربت هذه الحالة، وظننت في نفسي أن أمراً مفرحاً قد حدث في قضية معتقلي تجمع إعلان دمشق، كأن تكون توقعات الإفراج عنهم قبل مجيء الرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي إلى سورية في أيلول القادم في طريقها إلى التحقق، أو شيئاً من هذا القبيل، دخلت إلى قاعة المحكمة ففوجئت بأنها مكتظة بالحضور وأن هناك شخصيات سورية قد أتت من الخارج، فزدت اقتناعاً بأن أمراً إيجابياً ما قد حدث، خاصة بعد أن شاهدت معتقلي إعلان دمشق يدخلون إلى قاعة المحكمة بدون أي قيد أو أغلال على غير العادة؟ وحاولت إيجاد تفسير مقنع لكل ذلك وخصوصا ذلك الارتياح الذي بدا ظاهراً بوضوح على وجوه الجميع.
توجهت بالسؤال إلى أحد زملائي عن الجديد في قضية المعتقلين، وهل هناك من أمر إيجابي قد حدث في قضيتهم؟ فاستغرب زميلي سؤالي هذا، وقال لا جديد في هذا القضية سوى زيادة نسبة الحضور في قاعة المحكمة، فقلت له: وهل يبرر هذا الحضور المتزايد على أهميته هذا الارتياح الذي أراه بادياً على وجوه الجميع؟ فضحك زميلي وقال: نحن سعداء لهذا التضامن الواسع مع قضية المتعقلين الذي من شأنه أن يعطيهم دفعاً معنوياً كبيراً، ألم تلاحظ فرح المعتقلين وبسماتهم العريضة عندما شاهدوا هذا الحشد الكبير؟ وأضاف الزميل قائلاً : ولكن هذا الارتياح وتلك البسمات التي تراها على وجوه البعض ليس سببها ذلك الحضور الواسع والكبير، بل إن السبب هو أننا منذ قليل عرفنا أين هو مشعل التمو؟ فقلت أين هو الآن، أجاب : لقد أخبرنا أنه موجود في نظارة القصر العدلي بدمشق، فسألته عن التهم الموجهة له،وقبل أن يجيب على سؤالي دخل رئيس المحكمة المستشار محي الدين الحلاق معلناً بداية الجلسة التي خصصت لتلاوة مطالبة النيابة العامة بدمشق، والتي أكدت على تجريم كافة المتهمين وفقاً لقرار الاتهام الذي سبق أن صدر عن قاضي الإحالة. وبعد أن عبر العديد من المتهمين وفي مقدمهم الكاتب أكرم البني وفايز سارة ورياض سيف وعلي العبدالله عن رفضهم التام للتهم الموجهة إليهم ، وأن قضيتهم هي قضية رأي ، وإن المحاكمة سياسية بامتياز، وتأكيدهم على ضرورة احترام حرية الرأي والتعبير، أعلن رئيس المحكمة رفع الجلسة إلى يوم الأربعاء الرابع والعشرين من شهر أيلول القادم، مفسحاً المجال لهيئة الدفاع لتقديم دفاعها عن معتقلي تجمع إعلان دمشق. خرجت بعدها من قاعة المحكمة وأنا غير مصدق أن مصدر ذلك الارتياح وتلك الابتسامات التي شاهدتها على وجوه الكثيرين ممن حضروا جلسة اليوم هو ذلك الخبر السعيد بمعرفة مصير الأستاذ مشعل التمو، وأين ؟ موقوفاً في نظارة القصر العدلي..!!
لفت انتباهي وأنا خارج المحكمة صوت يقول:” مبروك لقد وجدنا مشعل التمو” فالتفت إلى مصدر الصوت ، وإذ بسيدة تتحدث على الهاتف الجوال، يبدو أنها تبث خبر معرفة مكان مشعل التمو لأحد أقاربه، وما أن أنهت مكالمتها سلمت عليها وقلت لها : هل يبعث وجود الأستاذ مشعل التمو موقوفاً في نظارة القصر العدلي إلى الفرح وإرسال وتلقي التهاني؟ فأجابت ألم تسمع كيف خطف؟ وكيف أن كافة أجهزة الأمن أنكرت معرفتها بمكان وجوده؟ ثم تنفست الصعداء قائلة : الحمد لله على أنه مازال حياً يرزق حتى ولو كان موقوفاً في نظارة القصر العدلي، ثم أضافت : كنا نخشى أن يلقى نفس مصير الشيخ الخزنوي الذي اختفى ثم وجد مقتولاً.. قلت لها : لا أرى ما يبرر خشيتك، خاصة بعد أن قيل أن نجل الأستاذ مشعل، قد أعلن قبل أسبوع أنه شاهد سيارة والده لدى أحد الفروع الأمنية في حلب، مما يعني أنه كان في ضيافتها.!!
لقد ذكرني هذا المشهد، بما حدث مع القيادي في حزب الشعب الديمقراطي فائق المير بعد صدور الحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات، حيث ارتسمت الابتسامات على شفاه أغلب الحاضرين في قاعة المحكمة الذين كانوا ربما يتوقعون حكماً أقسى من الحكم الذي صدر، ففرحوا بتلك السنوات الثلاث، حتى إن فائق المير نفسه ونتيجة هذا الارتياح الذي شاهده على وجوه الحاضرين،وفي لحظة إنسانية توجه بالشكر إلى هيئة المحكمة لأنه وكما شعر في تلك اللحظة الإنسانية أن المحكمة قد أنصفته جزئياً قياساً بما كانت تطالب به النيابة العامة.
بئس هذا الزمن الذي أصبحنا فيه نبارك بعضنا البعض لوجود إنسان عزيز علينا في السجن ونفرح لوجوده هناك ،أو نفرح بأن فلاناً قد حكم عليه حكماً مخففاً..أو ..أو ..الخ.
تُرى متى يأتي ذلك اليوم الذي نفرح فيه بالإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي والضمير والكف نهائياً عن تلك الاعتقالات السياسية، وشطبها إلى الأبد من قاموس السياسة في سورية؟ نأمل أن يتم ذلك اليوم قبل الغد..!
ملاحظة: كتبت هذه المادة قبل أن يستجوب قاضي التحقيق الأول الأستاذ مشعل التمو استناداً للتهم التي وجهتها النيابة العامة بدمشق والتي تصل عقوبة بعض تلك التهم إلى الإعدام كما في المادة 298 من قانون العقوبات.
كلنا شركاء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى