مـرة أخـرى
ساطع نور الدين
هو ليس فقط احد اخطر القرارات التي تتخذها ادارة الرئيس جورج بوش من اجل دعم لبنان. لعله اغباها ايضا: التلويح بالقوة العسكرية التي لم يسبق ان ساهمت في علاج أي أزمة لبنانية بل ادت بالعكس الى تدهورها. التاريخ شاهد. وذاكرة اللبنانيين حافلة بالتجارب والعبر، وزاخرة بالصور المرعبة لكل الامكنة التي تدخل فيها الاميركيون او حتى اقتربوا من شواطئها .
قرار إدارة بوش إرسال المدمرة «كول» الى المياه الاقليمية اللبنانية، هو عبارة عن عملية عرض عضلات من بعيد، من وراء البحار، لتغيير معادلة سياسية في لبنان وفي سوريا، لم يسبق ان شهدت اعترافا دقيقا بموازين القوى العسكرية، ولم يسبق ان خضعت في أي وقت مضى لقوانين الحرب التقليدية، ولن تسلم في أي يوم بالمعايير العقلية للنصر او الهزيمة.. بل كانت ولا تزال تقاوم الطبيعة، وتتحداها، وتكتسب كل يوم جمهورا جديدا، اشد حماسة من الجماهير السابقة.
الهدف الجوهري من القرار هو الاعلان ان لبنان لا يزال على جدول الاعمال الاميركي، لم يسقط من الحساب، ولن يتم خذلان الحلفاء اللبنانيين والعرب الذين يخشون خسارته امام هجوم المحور السوري الايراني وشركائه المحليين، المدفوعين باحساس عميق بالغلبة العسكرية والامنية للمطالبة بتكريس الموقع المتقدم والحيوي للجبهة اللبنانية في الصراع مع الاعداء على اختلاف هوياتهم.
لكن الخطوة الاميركية تتسم بسذاجة غريبة، لانها في حدودها الحالية على الاقل، لن تؤدي الى ترهيب صيادي الاسماك على الشواطئ اللبنانية، ولن تدفع ايا من القوى السياسية المحلية الى تغيير جدول اعمالها.. قبل التثبت اولا من ان الاميركيين يعرفون لبنان جيدا ويعترفون بانه لا يليق التلويح للبنانيين بمدمرة سبق ان دمرت في اليمن، وقبل التحقق ان الاميركيين جديون فعلا بالتدخل مرة اخرى في لبنان، الذي سبق ان استعصى بالامس القريب على الاسرائيليين، وما زال يستعصي على الاوروبيين الذين ارسلوا جيشا كاملا الى حدوده الجنوبية.
وعندما يتم التثبت من الجدية الاميركية، تصبح العودة الى الماضي إلزامية، ولا يبقى السؤال عن موعد وصول المدمرة «كول» الى شواطئ لبنان، بل عن موعد ابتعاد اخر قطعة بحرية اميركية للمياه اللبنانية، وما اذا كان الانسحاب الاميركي المقبل سيشبه تجربة العام 1958 ام تجربة العام 1982 او العام ,1983 او العام 1985 .. وكيف ستكون صورة لبنان بعد رحيل الاميركيين هذه المرة.
يمكن الزعم، ان الاميركيين الذين قرروا منذ هجمات 11 ايلول ان يتولوا ادارة الشرق الاوسط بانفسهم وبشكل مباشر، لن يكرروا ايا من هذه التجارب البائسة، لكن الكلفة اللبنانية في هذه الحالة ستكون باهظة جدا وتفوق باضعاف ما تكبده الافغان والعراقيون، لاسيما وان مختلف القوى اللبنانية، المعارضة والموالية على حد سواء لن تنتظر وصول طلائع الاسطول الاميركي لكي تعمد الى تصفية حسابات يرقى بعضها الى ثلاث سنوات فقط لكن معظمها يعود الى عقود او ربما الى قرون مضت.
الاميركيون عائدون: فلتفتح الملاجئ.
السفير