صفحات سورية

الطلاق غير الملحوظ بين إيران وسوريا

null

كتب المحلّل السياسي في صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية (في عددها المؤرّخ السبت 31 أيار ـ الأحد 1 حزيران 2008) مقالة تناول فيها تطوّرات الأوضاع في الشرق الأوسط، مسلّطاً الضوء على ما جرى مؤخراً في لبنان ونتائج اتفاقية الدوحة، وموقع كلّ من سوريا وإيران من هذه التطورات، وما طرأ على التحالف القائم بينهما.

قال آدلر في مقالته هذه ما معناه:

لكي نفهم الشرق المعقّد لا ينبغي لنا دائماً، وعلى الضدّ ممّا كان يعتقد الجنرال ديغول، الإنطلاق من أفكارٍ بسيطة. (…) كان التطرّف القومي البعثي في سوريا والتطرّف الإسلامي لنظام الحكم الإيراني متلاقيين إن لم يكونا متطابقين. ولكن مع تصويب كلّ من سوريا وإيران لسياستيهما في اتجاه أكثر براغماتية، أو حتّى أكثر اعتدالاً، فُقِد التلاقي بين نظامي الحكم المذكورين مع أنهما يتبنيان تحليلات متشابهة.

فمن جهة، يؤدي الصعود المتزايد للمحافظين البراغماتيين المتحالفين مع التقدميين في إيران إلى تعزيز نظام الحكم الشيعي الموالي للأميركيين في العراق وإلى خيار السياسة التوفيقية في لبنان. فلا هذا ولا ذاك يرضيان سوريا. فعوض أن يؤدي الأمران إلى تعزيز تحالفٍ تكتيكي مستحيلٍ بين علمانيين سلطويين سوريين وبين فاشية إسلامية إيرانية، فإننا نشهد انحيازاً من قبل دمشق إلى سياسة براغماتية أخرى تبقي على تشدّدها حيال لبنان لكنّها تختار الانفتاح على الأغلبية السنية داخل سوريا، والتحالف الاقتصادي الستراتيجي مع تركيا الجديدة، والتهدئة المشهودة مع إسرائيل، وهو أمر لا يُرضي إيران اليوم. مما لا شكّ فيه أنّ كلا البلدين، أي سوريا وإسرائيل، سوف يجري في آخر المطاف بعض التصويبات في مساراته الحالية وسيواصلان السير باتجاه الحوار مع باقي بلدان العالم. ولكن في الأثناء يكون الطلاق السوري الإيراني قد تمّ فعلاً حتّى دون ان يتذكّر أحدهما ما الأسباب الفعلية التي دعت إلى مثل هذا الطلاق.

لندخل قليلاً في تفاصيل هذه القطيعة التي تعنينا.

لبنان موشك اليوم، وبفعل دينامية ديموغرافية لا رادّ لها، على التحوّل إلى دولة ذات أغلبية شيعية. فنحن نرى، منذ اليوم، أنّ الكتلة الشيعية التي يلتحق بها لأسباب انتهازية بعض المسيحيين بقيادة الجنرال عون، تواجه كتلة مقابلة تشمل جميع القوى الأخرى (من مسيحيين ودروز وسنّة )، وفي أعقاب اشتباكات دامية في بيروت يقبل الشيعة بانتخاب رئيس ماروني مستقلّ عن سوريا مقابل منحهم حقّ النقض (الفيتو) على القرارات الحكومية في تشكيلة حكومة وحدة وطنية.

ويقول آدلر إنّ مثل هذا الواقع قد يستمرّ لفترة طويلة: فلا حزب الله ولا إسرائيل يستعجلان نشوب حرب بينهما كما في السابق. كما أن الدروز والمسيحيين غير مهدّدين بوجودهم؛ أمّا إيران التي تبحث بفارغ الصبر عن منفذ لها على المتوسّط للخروج من واقع إغلاق الخليج الفارسي في وجهها من قبل البحرية الأميركية، فقد حظيت بنسبة نفوذ تقارب الخمسين في المئة في دولة لا تقوى على العيش اقتصادياً إلاّ بوفاق جميع طوائفها.

ولكن سوريا، يقول آدلر، هي الضحية الكبرى في ما جرى، فقد خسرت موقعها المسيطر منذ ما يزيد على الربع قرن من الزمن في بيروت. ولكي تثأر لنفسها أعلنت عن مباحثاتها السريّة مع إسرائيل.

هكذا يُفهم، بحسب آدلر، التقارب بين سوريا والإسلام المعتدل الحديث الذي يسيطر على تركيا اليوم، الذي يوازن التقارب البارز بين شيعتي العراق وإيران.

لذا فإننا ما زلنا بعيدين جداً عن سلام فعلي في المنطقة، يقول آدلر. غير اننا بتنا بعيدين أيضاً عن “مشهد الرؤيا” الذي كان الجميع يتوقّعها. ولكن يبقى أن تشاء سخرية القدر لحكومة أولمرت التي وصفت بأنّها الأسوأ في تاريخ إسرائيل أن تكون هي التي أطلقت بوادر التسوية من طريق التفاوض مع سوريا والتلويح بإعادة الجولان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى