صفحات الشعر

أشعار تشارلز بوكوفسكي

null
ولد تشارلز بوكوفسكي في مدينة أنديرناخ بألمانيا في اب (أغسطس) عام 1924 من أب أمريكي وأم ألمانية. عام 1927 يعود والداه الي الولايات المتحدة. طفولة بوكوفسكي كانت مشوارا طويلا من الألم بسبب نزوات والده العنيفة الذي كان يضربه لأتفه الأسباب ويحرمه من متع الطفولة الصغيرة ومن اللعب مع أطفال الحي. أما أمه فكانت سيدة صموتاً لا تتدخل في ما علاقة الأب بالابن الذي قضي طفولته ومراهقته وكأنه يؤدي ضريبة فشل أبيه في حياته المهنية خاصة بعد أن فقد عمله اثر أزمة انهيار البورصة في نهاية العشرينيات.
في العاشرة من عمره أحس بأول مرة بالقوة السحرية التي قد تمنحها الكتابة أحيانا حين كتب قطعة انشاء في المدرسة يروي فيها معاينته لزيارة الرئيس الأمريكي هوفير للمدينة. وكان علي التلميذ بوكوفسكي أن يختلق كل شيء من خياله ذلك أن والده كان منعه من الخروج للشارع لرؤية الرئيس مع أقرانه. لاحقا سيصف بوكوفسكي هذه الواقعة بكونها كانت الحدث الحاسم في حياته والدافع الذي شجعه علي الكتابة. فقد تأكد وقتها أنه بفضل الخيال والكلمات يستطيع أن ينتزع اعجاب الآخرين. بعد حوالي خمس سنوات من هذه الواقعة سيصاب بوكوفسكي بمرض حب الشباب من النوع المستعصي يشوه وجهه الي الأبد ويطبعه طيلة الحياة. الأمر الذي عَقَّدَ علاقاته مع الآخرين وضاعف من شعوره بالدونية خاصة أمام الفتيات اللواتي كن دائما ينفرن من بشاعة وجهه ولا يترددن في مصارحته بذلك. هكذا باكرا سيتربي بوكوفسكي علي عقدتي الاضطهاد والدونية ويفضل الوحدة ورفقة المهمشين. الحدث الثالث الذي سيطبع بقوة مسار حياته وقع ذات مساء عندما عاد الي البيت ثملا وعندما عمد والده كعادته الي صفعه وضربه نازله بوكوفسكي ندا للند وتبادل معه اللكمات واضعا بذلك حدا نهائيا لقمع الأب الذي لم يلمسه بعدها اطلاقا. التحق بوكوفسكي في العشرين من العمر بالجامعة وحاول أن يدرس الصحافة الا أنه بعد سنتين غادر الجامعة وبيت العائلة وزاول مهنا يدوية متفرقة لأداء ايجار غرفة في الفندق ودفع مستلزمات العيش الأساسية من أكل وشرب. منذ ذلك الحين نظم بوكوفسكي حياته حول ثلاثة أقطاب: الكحول والأصدقاء والكتابة. ولأنه كان يعيش فقرا مدقعا يكفي بالكاد ثمن ايجار غرفة ضيقة في فندق مشبوه فقد كان محيطه الاجتماعي يتكون أساسا من المتسكعين وأبناء الشارع والنساء القبيحات المدمنات.
في تلك الفترة بدأ بوكوفسكي في كتابة قصص قصيرة تدور مواضيعها عن البؤس والتيه والادمان وارسالها للمجلات الأدبية وبعد محاولات شتي فهم أن هذا الشكل الروائي، علي الأقل في تلك المرحلة من حياته، لم يكن مناسبا البتة لما كان يريد أن يقوله بالطريقة التي يرغب فيها.
مناطق الوعي المكتسب في إبداعات تشارلز بوكوفسكي اشتغلت كثيراً على ماركة التبغ والكحول. استعداده لحشو قصائده بأشياء ملموسة وعادية كان مروعاً. إنه لم يخلي على شيء حتى البارات العفنة من البيرة والبول. والغرض الذي يرفع الأشياء المتتالية المنعدمة الأهمية إلى فكرة تحز في الوعي, هو أساس الغيب الخصوصي جداً, والذي يميز بوكوفسكي عن مبدعين آخرين من عصره. بالرغم من أن كتاباتهم كانت حديثة وحضارية جداً, أو بهلوانية أكثر, لا زالت مفقودة من تلك النقطة الهاربة المتواجدة بمكان ما بين القلب, أحشاء وخصيان الثور التابعة للشاعر. فكما معرفته الوصف بالدقة كيف إنساب مخموراً ومتسخاً في مجاري لوس أنجلوس, في الساعة الثالثة ما قبل الصباح, هكذا لم يتورع من غوصه في الأغوار العتيمة والأكثر قذرة في نفس الإنسان, ليجد هناك بين البؤس والشقاء والوسخ – إنتبهوا ! السبب للعيش. المقولة الإيجابية النيتشية مقولة: النعم للحياة رغم أن كل الأشياء البادية على وجه المسطح تعلن العكس تماماً.
وكيفما ننظر إلى ذلك فحياة تشالرز بوكوفسكي لم تكن سهلة. إنه ولد في أندرناخ ألمانيا عام 1920. والده هنري بوكوفسكي, كان جندياً أمريكياً من أصل بولندي, وصل لألمانيا أثناء الحرب العالمية الأولى وبقى هناك إلى تزوجه إمرأة محلية. وعام 1923 أنتقلت العائلة للوس أنجلوس للسكن في إحدى الحارات الفقيرة.
فبوكوفسكي حديث السن تألم كثيراً من تصرفات والده العنيفة, ومن مظاهر (الدمل) المراهقة لا على وجهه فقط بل على كافة جسده. فبعد سنتين في الكولج تنحى عن الدراسة وابتدأ بحياة التسول والتنقل في وسط لو أنجلوس, ماضياً أيامه بين الحانات والمكتبات التابعة للبلدية. هناك وجد وهو طالب جامعي يبلغ الثامنة عشرة, الكتاب الذي غير مجرى حياته. “إسأل الغبار” الكتاب الثاني من رباعية جون فانتيه. وبطله أرطورو بانديني, نجل مهاجرين فقير يتسول في الداون تاون (المدينة التحتى) بلوس أنجلوس, يجتهد على البقاء ويحلم أن يصير أديباً عظيماً. وهكذا يصاب بإنقلاب نفسي وذاتي يبغي ان يصبح متابعاً لمسيرة أشخاص مثل دوستوييفسكي وكنوط هامسون وهنري ميلر وف. س سالين. ليرى هدفه الأخير ككاتب أميريكي من طراز جيك لوندون وكرواك وغيرهم.
ومنذ بداية 1971 حين صدور روايته الأولى “الخدمة البريدية” عن دار النشر “الدوري الأسود” حاز على نجاحاً هائلاً. وابتدأ العيش على محاصيله من نتاجه الأدبي, الكتابه والمحاضرات والأمسيات الأدبية, التي عرفت بجميع انوع القرف. من الشتائم, اللعن والبصق على الجماهير وحتى استعمال العنف والمشاجرات. فبدت امسياته كحفلات الروك إند رول والفانك وأصبحت رائجة ومقبولة ككل شيء أدبي رغم كل شيء. إلى أن توفى سنة 1994 وعمره أربعة وسبعين عاماً.
وكان متابعاً لأسلوبه العنيف رغم الشهرة وكسب الأموال.
بوكوفسكي أثر على نخبة من الفنانين والمبدعين في شتى المجالات, أدباء, شعراء,
سينمائيين, موسيقيين … وأبرزهم الممثل شون فان والأديب راييموند كاربر الذي خصه بقصيدة تمجده “ملك الأفواه البذيئة في الشعر الأمريكاني” .
ويمكننا القول: بوكوفسكي رغم يأسه وبؤسه وغيابه في ضباب الخمور, عرف تشخيص الحب ليس من الشموع ونور القمر, بل حتى من الحذاء…
حين صرخ الناشر جون وب في وجه بوكوفسكي قبل نشر أول كتبه: ” بوكوفسكي أنت سافل، لكني سأنشر كتابك ” ، أعتقد أنه كان يقصد ذلك فعلاً ، ليس لأن جون يعتبر الكتاب الذين لا يستخدمون الآلة الكاتبة سفلة فقط ، بل لأنه بالفعل سافل ، وأكبر فاشل في العالم كما وصفه أحد النقاد ، نعم هو لم يقصد أن يصبح شاعراً ، كان يعترف دوماً بأن الفرق بين الشاعر الجيد والشاعر الرديء لا يعدو كونه حظ ، تجربته غائمة في الغموض لدرجة أن لا أحد يؤكد فعلاً أنه كاتب فذ حتى هو نفسه ، كان يقول بأعلى صوت للنقاد الذي اتهموه بالسطحية: ” أنا كاتب رديء ” ، ورغم مضي 14 عام على رحيله لكن شعره مازال يستحق القراءة ، حين يحتفي بالرداءة ويخبرنا بأنها أول وآخر ما توصلت إليه البشرية.
كيف يمكن خروج كمية قصائد ونصوص كهذه من بؤرة فقيرة مليئة بالمدمنين ، وذاكرة لأب فاشل وعنيف ، وأم سلبية ؟!
في رأيي أن تشارلز خرج من رداءة العالم إلى رداءة العالم

شيء لمراهني الخيول، للراهبات، لموظفي البقالة ولك أنت
تشارلز بوكوفسكي
ترجمة: زياد عبدالله
تشارلز بوكوفسكيلدينا كل شيء ولا شيء
وبعض الرجال يفعلها في الكنائس
البعض بتمزيق الفراشات نصفين
والبعض في بالم سبرينغ
يدفنه في فراشاتٍ شقراء
لها أرواح الكاديلاك
كاديلاك وفراشات
لا شيء وكل شيء،
الوجه يذوب إلى آخر زفرةٍ
في قبوٍ في كوربس كريستي
هناك شيءٌ لمراهني الخيول، للراهبات،
لموظفي البقالة ولك أنتِ..
شيءٌ ما في الثامنة مساءً، في المكتبة،
في النهر،
كل شيء ولا شيء.
في المسلخ تأتي عابرةً
السقف على خطّاف، وتأرجحها
مرةً
مرتين
ثلاثاً
وبعدئذٍ تحصل عليه، اللحم الميت
يساوي مئتي دولار. عظامه مقابل عظامك
شيء ولا شيء.
دائماً من المبكر أن تموت
ودائماً من المتأخر جداً،
وفي الحوض الأبيض خيط الدم
لا يوحي لك بشيءٍ أبداً
وحفارو القبور يلعبون البوكر بعد
قهوة الخامسة صباحاً، بانتظار أن
يطرد العشب الندى.
لا يوحون لك بشيءٍ أبداً.
لدينا كل شيء ولا شيء
أيامٌ بحوافّ زجاجية ونتانة طحلب النهر
التي لا تطاق أسوأ من البراز،
رقعةُ أيامٍ من الحركات والحركات المضادة،
مشاغل لواطية، مع شعورٍ عارمٍ بالهزيمة
يماثل الشعور بالنصر، أيامٌ بطيئة مثل بغالٍ
تنوء بها مذابةً ومتجهمةً ومسفوعة
أعلى الطريق حيث يجلس المجنون كامناً
وسط طيورٍ وقعت في الشراك وتهاوت
نُتَفاً.
أيام جميلة مفرطة بالنبيذ والصراخ، والعراك
في الأزقة، أفخاذٌ مكتنزةٌ لنساءٍ يتخبطن
في أحشائك المتوارية بالأنين،
الإيماءات في حلبات مصارعة الثيران مثل ماساتٍ تتشكى
الأم كابري، بنفسجاتٌ تنبثق من الأرض
تسألك نسيان الجيوش المبادة وعلاقات الحب
التي نهبتك.
أيام عندما يقول الأطفال أشياءَ مضحكةً ولمّاحة
مثل وحوشٍ تحاول بأجسادها إرسال رسالةٍ إليك
بينما أجسادها ما زالت حيةً كفايةً
لتنقل وتحس وتعدو جيئةً وذهاباً
دون أقفالٍ وإيصالات وغايات
وممتلكاتٍ وأراءٍ شبيهةٍ بالخنفساء.
أيام عندما تستطيع البكاء طوال اليوم
في غرفةٍ خضراء بابها مقفل، أيام
عندما تستطيع الضحك على الخباز
لأن ساقيه طويلتان، أيام
النظر إلى الأسيجة…

ثم لا شيء، لا شيء. أيام
أرباب العمل، رجالٌ شاحبون
بأنفاسٍ كريهة وأقدامٍ كبيرة، رجالٌ
بدوا كالضفادع، كالضباع، رجالٌ
يمشون كما لو أن النغم لم يُخترع، رجالٌ
يظنون أن من الذكاء أن تعمل وتُطرد
وتكسب، رجالٌ يملكون زوجاتٍ باهظات
مثل أرضٍ مساحتها ستون أكراً حُرثت
أو عُرضت أو سُيّجت في وجه
مخيبي الآمال، رجال يقتلونك
لأنهم مجانين، ويبررون ذلك
بأنه القانون، رجالٌ يقفون أمام
نوافذ عرضها ثلاثون قدماً ولا يرون شيئا،
رجالٌ يبحرون حول العالم بيخوتٍ فخمة
ولم يخرجوا بعد من جيوب صدارهم،
رجالٌ يشبهون الأفاعي، رجالٌ يشبهون سمك الإنكليس، رجالٌ
يشبهون البزاق، وليسوا بأفضل ..
ثم لا شيء، تحصل على راتبك الأخير
في مرفأ، في معمل، في مشفى،
في مصنع طائرات، في ملهى
في محل حلاقة، في عملٍ لم تعد تريده
أبداً
ضريبة الدخل، مرض، ذل، أذرع
محطمة، رؤوس مهشمة كل الحشوة
كما لو أنها تسربت من مخدةٍ قديمة.
لدينا كل شيء ولا شيء.
البعض يفعلها جيداً لبرهةٍ ومن ثم
يستسلمون. تنال منهم الشهرة أو القرف
أو العمر أو الافتقار لحميةٍ مناسبة
أو غشاوةٍ في العينين أو أبناءٍ في الكلية
أو سياراتٍ جديدة أو ظهورٍ مكسورة
بينما يتزلجون في سويسرا أو سياساتٍ جديدة أو زوجاتٍ جديدات
أو مجرد تغييرٍ طبيعي أو انهيار
الرجل الذي عرفته البارحة معلقاً بخطاف
لعشر دورات أو يثمل لثلاثة أيام وثلاث ليال
قرب جبال سووتوث
ليس الآن سوى شيءٍ تحت ملاءةٍ أو صليبٍ
أو حجرٍ أو تحت وهمٍ خفيف الوطأة،
يحمل الإنجيل أو حقيبة غولف أو محفظة:
كيف سيرحلون! كيف! كل
الذين فكرت بهم لن يرحلوا.
أيام مثل هذه. مثلَ يومك اليوم.
ربما المطر الضارب على النافذة يحاول
الوصول إليك. ما الذي تراه الآن؟
ما هو؟ أين أنت؟ أحياناً الأيام
أفضلها الأولى، أحياناً
المتوسطة وأحياناً حتى الأخيرة.
القُرعة الفارغة ليست سيئة، الكنائس
في أوروبا على بطاقات البريد ليست سيئة.
الناس المتجمدون في متاحف الشمع بعقمهم الأثير
ليسوا بسيئين. مريعون لكن ليسوا بسيئين.
المدفع، فكر بالمدفع. و<<التوست>> للفطور
القهوة ساخنةٌ كفايةً لتشعر
بأن لسانك ما زال هناك.
ثلاث ورود جرانيوم خارج النافذة، تسعى
لتصير حمراء، لتصير وردية وتسعى
لتصير ورود جرانيوم.
أحياناً دون سبب تبكي النساء، دون سببٍ
لا تريد البغال صعود التلة.
هل أنت في غرفة فندقٍ في دوترويب
تفتش عن سيجارة؟
يومٌ جميلٌ آخر. البعض منه.
وبينما الممرضات يخرجن من المبنى بعد
مناوبتهن، منهكات، تعبر تسع ممرضات
المرج بأسماءٍ مختلفة وأماكن مختلفة للذهاب،
منهنَّ من تريد جريدةً وكولا، منهنَّ من تريد حماماً ساخناً
منهنَّ من تريد رجلاً، منهنَّ من لا تفكر بشيء أبداً.
يكفي ولا يكفي. أقواس وحجاج، برتقالات
مزاريب، سرخس، أمصال، علب مناديل ورقية.
في الشمس الأكثر حشمةً أحياناً
ثمة دخان رقيق أحسه من الجرار
صوت طائراتٍ حربية معلّب
وإن دخلت ومررت أصابعك
على إفريز النافذة
فستحظى بالقذارة، وربما بملمسٍ رقيق.
وإذا نظرت إلى الخارج
فسيكون النهار، ومع تقدمك
في العمر ستظل تراقب
وتراقب
ماصاً لسانك ببعض
آه آه لا لا ربما
البعض يفعلها بعفوية
البعض بصفاقة
في كل مكان.
10/9/04 السفير

خصيان الثور
القرش
القرش يطرقون بابي
يدخلون فيطلبون المعروف
كيف هم يلهثون علي مقاعدي
يتفحصون الغرفة بنظراتهم
بينما يطلبون أوراق-المِلك
نور, هواء, دراهِم
كل ما يستطيعون الحصول عليه
بيرة, دخان, أنصاف الدولارت, الدولارات
الخمسات والعشرات
كل هذا كأنما بقائي مؤكداً
كأنما وقتي ليسه بشيء
وحضورهم ثمنه بالغاً.
أجل! لكل منا قروشه. إنني متأكد
وهناك طريقة واحدة للتخلص منهم
قبلما يقضمون ويمزقون هلاكاً
للكف عن طعامهم, فهم سيجدون
طعماً أخراً, لقد أتخمتهم
بعشرات زياراتهم الأخيرة
والآن أبعثهم خارجاً
إلى البحر.
ملذات الملاعين
ملذات الملاعين
محدودة للحظات سعادةٍ
سريعة
كالبصر في نظرة كلب
كمربع شمع
كنار تشب في دار البلدية
في البلاد
في القارة
كنار تشب بشعر
الصبايا والمسخ
والجلم تطنطن على شجر الخوخ
البحر يجري بين جوارحها
الزمان
سكران وندي
كل شيء يلتهب
كل شيء رطب
كل شيء على ما يرام.
جليد النسور
أتذكر مرة تلو الأخرى بالخيول
في ضوء القمر
أتذكر مرة تلو الأخرى كيف علفت الخيول
بالسُكر.
أقراص سكر مستطيلة
أكثر شبهاً بالجليد
وكانت لها رؤوس كما للنسور
رؤوس صلعاء تمكنت من العض
ولم تعض
الخيول كانت ملمسوسة أكثر
من أبي
ملموسة أكثر من الله
وتمكنت دوس
أقدامي. لكنها لم تدوس
تمكنت ان تفعل بي الضرر
لكنها لم تفعل
كنت فيما يقارب الخامسة
ياإلهي! كم كانت قوية ولطيفة
السنتها الحمراء تفرز لعاباً
من نشاماتها.
بساطة كل شيء في فييتنام
شخص أصيب في ظهره, وهو
يتمسك بجلباب قسٍ شاب
يبدو كإمرأة
ونحن هنا معلقين:
غطاء في الدقة
دراجات نارية في كل شيء, نحلات نائمة.
جنيات صدئة
إقليم مشّوه
ونحن ننفض عظامنا
هاهو ضرير آخر
والجندي يهوي ميتاً
عسكري آخر مات
والآن الجلباب الأسود للقس الشاب
البادي كالإمرأة
يطلى بأحمر ساحر
والدبابات
تقتحم وتمر.
نتذوق الجزر والبحر
إنني أعلم في إحدى الليالي
بغرفة نوم ما
قريباً
أصابعي
ستشق طريقاً
في شَعرٍ رخو
ونقي
هكذا قصائد ليس بمذياع
ليبثها
جمها حزينة, تسخر
من اتخاذ التيار المتدفق.
إمرأة في الشارع
حذائها وحده
كان ينير غرفتي
كالعديد من الشموع

إنها ذاهبة كما جميع الأشياء
البارقة على الزجاج
ككل الأشياء
التي تغير شيئاً. إنها ذاهبة عني…

ترجمة وتقديم: فرج بصلو
الحب كلب من جهنم

انهم ، جميعا، يعرفون
أسأل رسامي الأرصفة في باريس
أسأل نور الشمس على كلب نائم
أسأل الخنازير الثلاثة
أسأل موزع الصحف
أسأل موسيقى دون زيتي
أسأل الحلاق
أسأل المجرم
أسأل الرجل المتكئ على حائط
أسأل المبشر
أسأل صانع الخزن
أسأل النشال أو المرابي
أو نافخ الزجاج أو بائع السماد
أو طبيب الأسنان
أسأل الثائر
أسأل الرجل الذي أقحم رأسه
في فم أسد
أسأل الرجل الذي يظن نفسه المسيح
أسأل العصفور الأزرق الذي يعود الى بيته
في الليل
أسأل المتلصص توم
أسأل المحتضر بالسرطان
أسأل رجلا بحاجة لحمام
أسأل الرجل ذي الساق الواحدة
أسأل الأعمى
أسأل الرجل ذي اللثغة
أسأل مدمن الأفيون
أسأل الجراح المرتجف
أسأل الأوراق التي تمشي عليها
أسأل مغتصبا أو قاطع تذاكر في تراموي
أو رجلا عجوزا ينتزع العشب الضار من حديقته
أسأل مصاص دماء
أسأل مروض براغيث
أسأل رجلا يلتهم النار
أسأل أتعس رجل تصادفه
في أتعس لحظاته
أسأل معلم الجيدو
أسأل راكب الفيلة
أسأل مريض الجذام، المسلول، المحكوم بالسجن المؤبد
أسأل بروفيسيرا في التاريخ
أسأل الرجل الذي لم يقلم أظافره أبدا
أسل مهرجا أو أول وجه تصادفه
في وضح النهار
أسأل أباك
أسأل ابنك وابنه القادم
اسألني
اسأل ؛لمبة” متوهجة في كيس ورقي
أسأل المغوي، الملعون، الأحمق
الحكيم، النخاس
أسأل بنائي المعابد
اسأل رجالا لم ينتعلوا أحذية في حياتهم
اسأل المسيح
اسأل القمر
اسأل الظلال في المرحاض
اسأل الفراشة، الراهب، المجنون
أسأل من يرسم كاريكاتير جريدة النيوركر
أسأل سمكة ذهبية
أسأل ورقة سرخس تتمايل لدرجة الرقص
أسأل خريطة الهند
أسأل وجها طيبا
أسأل الرجل المختبئ تحت سريرك
أسأل أكثر رجل تكرهه في العالم
أسأل الرجل الذي خرم قفازات جاك شاركي
سأل رجلا يشرب القهوة بوجه حزين
اسأل السمكري
اسأل الرجل الذي يحلم بالنعامات كل ليلة
اسأل جامع التذاكر في حفل استثنائي
اسأل مزور النقود
اسأل الرجل النائم في زقاق
تحت جريدة
اسأل فاتحي الأمم والكواكب
اسأل الرجل الذي قطع إصبعه للتو
اسأل الدالة في الإنجيل
اسأل الماء ينقط من حنفية بينما يرن الهاتف
اسأل اليمين الكاذب
اسأل الأزرق الغامق
اسأل المظلي
اسأل رجلا يؤلمه بطنه
اسأل العين الإلهية اللامعة جدا والمغرورقة بالدموع
اسأل الولد الذي يرتدي بناطيل ضيقة
في الأكاديمية الباهظة
اسأل الرجل الذي تزحلق في حوض الحمام
اسأل الرجل الذي التهمه سمك القرش
اسأل من باعني زوج قفازات مختلفة
اسأل هؤلاء وكل أولئك الذين تركتهم
اسأل النار النار النار-
اسأل حتى الكاذبين
اسأل أي واحد تشاء في أي وقت
تشاء في أي يوم تشاء
سواء كان الجو ماطرا
او مثلجا
أو كنت تخطو خارج مدخل
مصفر من التدفئة
اسأل هذا اسأل ذاك
اسأل الرجل الذي على شعره خراء عصفور
اسأل معذب الحيوانات
اسأل الرجل الذي شاهد الكثير من مصارعات الثيران
في اسبانيا
اسأل مالكي سيارات الكاديلاك الجديدة
اسأل المشهور
اسأل الجبان
اسأل الأمهق
والموظف الحكومي
اسأل أصحاب البيوت ولاعبي البلياردو
اسأل المحتالين
اسأل القتلة المأجورين
اسأل الصلعان والبدناء
والرجال الطوال والقصار
اسأل الأعور، الشبقين
والباردين جنسيا
اسأل الرجال الذين يقرأون
كل افتتاحيات الصحف
اسأل رجالا نسلهم ورود
اسأل الرجال الذين لا يشعرون بألم يذكر
اسأل المحتضر
اسأل جزازات العشب ومشجعي
كرة القدم
اسأل أي واحد منهم أو جميعهم
اسأل اسأل اسأل
وجميعهم سيخبرونك:
زوجة مزمجرة على الدرابزين
أكثر مما يحتمله رجل.

حياة بورودين

في المرة القادمة عندما تستمع لبورودين
تذكّر أنه كان كيميائياً فحسب
يؤلف الموسيقى ليرتاح،
كان بيته مكتظاً بالناس:
طلاب، فنانون، سكِّيرون، معربدون،
ولم يتعلم أبداً كيف يقول: لا.
في المرة القادمة عندما تستمع لبورودين
تذكّر زوجته التي استعملت مؤلفاته
لفرش علب القطط
أو لتغطية مرطبانات الحليب الفاسد
كانت تعاني من الربو والأرق
وتطعمه بيضاً نصف مسلوق
وعندما يود إخماد الأصوات في البيت
تسمح له فقط باستعمال الملاءة
إضافةً إلى كون أحدهم في سريره عادةً
(كان كلٌ ينام وحده هذا إن ناموا)
وبما أن كل الكراسي استُولي عليها
غالباً ما نام على الدرج
ملفوفا بشالٍ متهرئ
كانت تخبره متى يقلّم أظافره
وألا يغني أو يصفر
أو أن يضع الكثير من الليمون في الشاي
وألا يعصرها بملعقة.
السيمفونية الثانية، مينور B
الأمير إيفور
على أبواب آسيا الوسطى
لم يكن بمقدوره النوم
ما لم يضع قطعةً من القماش الأسود على عينيه.
في عام 7881 حضر حفلةً راقصة
في الأكاديمية الطبية
مرتدياً زي مهرجٍ شعبي،
في النهاية بدا مرحاً على غير عادته
وعندما سقط على الأرض
ظنوا أنه يهرج.
في المرة القادمة عندما تستمع لبورودين
تذكّر…
إلى مارلين مونرو
تنسل توقاً داخل الرماد المضاء
مبتغىً لدموع الفانيلا
في الليالي المظلمة
جسدك الواثق أضاء شموعاً للرجال،
والآن ليلكِ أشدّ حلكةً
مما قد تتطاله الشموع.
سننساكِ بعض الشيء
ومن المؤسف
أن الأجساد الحقيقية أكثر قرباً
كما لهاث الدود من عظامكِ،
لذا أود أن أخبرك
أن هذا يحدث للدببة والفيلة
للطغاة والأبطال والعمّات
والضفادع،
ما زلت تستدعين شيئاً لنا
شيئاً من الانتصار الطفيف،
ولهذا أقول:
أبعدي الأسى عنا تماماً
مثل وردةٍ جفت ورُميت
ننسى
نتذكر
ننتظر.
طفلةٌ، طفلةٌ، طفلة
أرفع كأسي لدقيقةٍ
وأبتسم.

أصوات
1
شاربي مُلصَقٌ
وشعري المستعار وحاجباي
وحتى عيناي…
ثم يذهلني شيء…
تترنح ظلات المصابيح، أسمع
أصوات مخيفة
وسحرية وهادرة
2
أعرف أني جُننت، كفصلٍ
في نظرية:
التائهون عادوا
والمرضى صحّوا
والعقيمون أضحوا
خلاّقين.
3
حتى ولو كنت هانئ البال، ومدجناً
ومحنّكاً لما أقدمت أبداً على شرب
دماء القداديس
وتسميتها نبيذاً.
4
لماذا اضطررت إلى رفع سيارة تلك الفتاة
الجميلة من مصدها لأن الرافعة تعطلت؟
لم أستطع الوقوف باستقامة
فأبعدوني مثل قطعة بسكويت قاسية وجلّسوني
غير أني لم أقدر على الحركة…
كان خطأ المشفى، خطأ الأطباء
ثم أسقطني الشابان في الطريق إلى
غرفة الأشعة… صحت “قضية!”
لكني أعتقد أنه خطأ الفتاة تلك
فما كان عليها أن تكشف لي كل تلك الساق
والفخذ.
5
اسمع، اسمع، يا حبي القذر، مزّق واقذف،
يا حبي القذر، يا حبي، يا حبي، اقتل، تعلّم أن تستخدم
سلاحاً، افتح مناطق، تعلّم، كن قديساً، يا حبي
القذر. إنه يقترب…
6
في روايتي الأولى ابتعدت عن E.H،
ومن وقتها وأنا أعيش حياةً نضرة. لعلي
أفضل صحافي أنجبته أميركا، أستطيع
التبرّز على أي موضوع، ولهذا أساس.
وإعجابك بي يفوق كثيراً إعجابك
بأول رجلٍ تقابله في الشارع
صباحاً. ولكن صحيح، مع ذلك
أني عشت خلال فترةٍ خاليةٍ من أي
كاتب، لذا نلت مكانة بارزة
لأنه لم يبرز أي شيء آخر. حسن،
إنه عصر سيّئ. أعتقد أني في القمة.
لكن الوضع يختلف عما كان عليه عندما كان
بيننا عمالقة يؤثرون فينا. لا عليك:
إني أعيش حياةً نضرة.
7
أنا كاتب رديء، قتلت N.C لأني أعطيته
أكثر من حقه، ومن ثم أضفت التفاصيل
على كتابي أكثر مما يستحق، كان هناك
فقط ثلاثة كتّاب سيئين مقبولين
في الأدب الأميركي.
ثم كان لدينا توماس وولف، ثم جئت أنا. لكن
عندما حاولت أن أختار بيني وبين توماس وولف،
كان لا بد لي من اختيار وولف. أقصد بوصفه أسوأنا. أحب
أن أفكر بما قاله كابون عني، وهو كاتب رديء آخر:
إنه ينسخ فقط. أحياناً حتى
الكتّاب الرديئون يقولون الحقيقة.

8
مشكلتي، كمشكلة أغلبنا، التكلف الفني.
أعيش، مملوءاً بالمقليات الفرنسية والمجد
ثم أنظر حولي، فأرى الشكل الفني، فأقفز إليه
وأخبرهم كم أنا جيد وعما أفكر فيه.
والسمة المضجرة تلك هي نفسها التي كادت
تدمر الفن طوال قرون، وذات مرة سجلت صوتي
وأنا أقرأ قصائدي على مسمع أسد في حديقة الحيوان
فزأر بعنف، كأنه يتوجع، والشعراء كلهم يستمعون
لهذا التسجيل ويضحكون عندما يثملون.
9
أتذكر روايتي التي تدور حول سجن
تغطي جدرانه الصخرية
صور الأبطال والعشاق؟
حققت شهرةً. وجئت إلى هنا.
اشتهيت سائقي الدراجات النارية السود من
فالي ويست وبيكر زفيلد
الذين أخذوا شهرتي وخرقوها
وجعلوني أمص وحدتهم وجنونهم
وحلمهم بالروح البيضاء الكاديلاك
وبالروح السوداء الكاديلاك
وحلبوه في مؤخرتي
وفي منخريّ وفي أذنيّ
وأنا أقول، الشيوعية، الشيوعية
فكشّروا وعلموا أني لم أكن أقصد.
ترجمة الكاتب زياد عبد الله

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى