سوريا تُسيّس الاتحاد من أجل المتوسط
بقلم محمد ديبو
أكثر ما يلفت الانتباه في سورية هو جهل الشارع السوري بأي شيء له علاقة بالاتحاد من أجل المتوسط فكل ما يعرفه الشارع السوري هو وجود الرئيس السوري بشار الأسد في فرنسا، الأمر الذي يعني له أن البلد قد دخل في مرحلة انفراج نسبي بعد احتقان سياسي طويل وعزلة مديدة عانى منها النظام السوري والبلد بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري واتهام أطراف محلية وإقليمية ودولية للنظام السوري بالتورط في عملية الاغتيال.
ولكن هذا الجهل لا ينسحب على شرائح المجتمع الدنيا والمعدمة/عمال وفلاحين .. فقط بل يتعداه إلى الشرائح المتعلمة / جامعيين ومهندسين وأطباء ومحامين / إذ تكاد معرفتهم تنحصر بأن البلد ارتاح سياسيا. فهم لا يعلمون بأن هناك مشروع اتحاد من أجل المتوسط يطرح قضايا تتعلق بمصيرهم ومصير اقتصادهم المتهالك أصلا. فكل اهتمامهم في الشأن العام منحصر في موجة الغلاء التي بدأت تضرب البلد بعد تبني حكومتهم نموذج اقتصاد السوق الاجتماعي الذي يطبق بأسوأ نموذج له.
وهذا ليس مستغربا في سورية التي تم إفقار المجتمع المدني فيها بعد أن اختُزلتْ الدولة في سلطة رهنت المجتمع بأسره وقلّصت رقعه المدنية وضربت قواه الحية عبر طرق متعددة تبدأ بتعميم ثقافة الخوف ولا تنتهي عند حدود السجن لكل صوت يعارض توجهات السلطة وطروحاتها.
لكن الأمر المثير للاستغراب هو جهل قسم كبير من النخبة المثقفة وخاصة التي تشتغل في مجال الأدب /روائين وشعراء. فهم أيضا تنحصر معلوماتهم بأن هناك مشروع اتحاد من أجل المتوسط يأتي كاستمرار لعملية برشلونة مع تعديلات طفيفة حيث يرى أغلبهم أن المشروع صيغة أخرى للسيطرة من قبل الشمال على الجنوب بعد فشل مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي حاولت الإدارة الأمريكية بالتعاون مع بعض الأطراف الأوربية فرضه بالقوة من خلال الحرب الأخيرة على لبنان، حيث تحاول الدول القوية – حسب تعبيرهم- أن تأخذ بالدبلوماسية ما عجزت عن أخذه بالقوة وذلك كله لمصلحة إسرائيل / النموذج الغريب واللا شرعي في المنطقة. إضافة إلى محاولة فصل سورية عن إيران لكي يتثنى لهم التخلص من الطموح النووي الإيراني بأقل تكلفة ممكنة بعد التكاليف الباهظة في العراق وأفغانستان.
وعندما تسألهم : أليس هناك أي إيجابيات لهذا المشروع؟ تنحصر أغلب الإجابات في أن الايجابية الوحيدة تكمن في إبعاد شبح الحرب نسبيا عن المنطقة وفي صرف النظر عن الدعوة إلى تغيير النظام السوري بالقوة بما يستتبعه ذلك التغيير من مخاطر جنونية وكارثية على منطقة الشرق الأوسط برمتها.
وعندما نقول لهم أن هناك مزايا اقتصادية واستثمارات قد تنعش الاقتصاد السوري ؟ يجيبون أن هذا من قبيل الجزرة التي لا بد من دفعها ثمنا لتحقيق طموحات أكبر.
تعكس هذه الآراء مدى التسييس الذي تعاني منه النخبة المثقفة، فهم ينظرون إلى أي أمر من زاويته السياسية الضيقة فقط بعيدا عن أية رؤية أخرى قد تكون مفيدة اللبلد عموما.
أكثر من لديه اهتمام بمشروع الاتحاد من أجل المتوسط في سورية هم أطراف المعارضة السورية / أحزاب وأفراد/ المصابين بخيبة أمل كبيرة من جراء التطورات الحاصلة في الفترة الأخيرة فهم يرون في المشروع انتصار للنظام السوري الذي نجح في إدارة المعركة جيدا لصالحه، فهم يجمعون أنّ المشروع تفريط بمواضيع حساسة في سورية والمنطقة الجنوبية عموما كالديمقراطية وحقوق الإنسان وإطلاق سراح السجناء السياسيين وسن قانون عصري للأحزاب والسماح للأحزاب المعارضة بشرعية العمل السياسي حيث تم إغفال كل هذه الأمور من مشروع الاتحاد من أجل المتوسط. كما تخشى التيارات السياسية اليسارية والقومية من أن يكون المشروع بديلا عن الوحدة العربية أو على الأقل التكامل العربي في المجالات السياسية والاقتصادية , وإعاقة بطريقة ما لعمل الجامعة العربية والخشية الكبيرة –حسب تعبير أحدهم- من أن يكون المشروع كله فقط لدمج إسرائيل في المنطقة العربية على حساب الحل العادل للقضية الفلسطينية واستعادة الأراضي المحتلة في الجولان السوري ومزارع شبعا اللبنانية أو أن يكون مشروعا اقتصاديا بحتا فقط يسعى لنهب ثروات الجنوب “بطريقة حضارية”.
وآخرون عبروا عن خشيتهم من أن يكون تبني الحكومة السورية لنموذج اقتصاد السوق الاجتماعي تماهيا مع الشروط الخفية المفروضة من الشمال على الجنوب خاصة مع بروز أصوات داخل الحكومة تدعو لخصخصة قطاعات حيوية هامة على تماس مباشر مع لقمة المواطن اليومية كالكهرباء والمياه و و.
وحدها السلطة وإعلامها في سورية ترى في المشروع أفقا جديدا لعالم جديد نجحت سورية – حسب تعبيرهم- في نيل الاعتراف كلاعب إقليمي في المنطقة لا غنى عنها .
وحتى هؤلاء في مدحهم لمشروع المتوسط يمدحونه من زاويته السياسية الضيقة بمعنى نجاح النظام في سورية بفك عزلته الدولية وتجاوز مرحلة الضغوط السابقة والدخول إلى ملعب السياسات الدولية عبر البوابة الفرنسية .وهكذا عنونت أغلب الصحف الرسمية صفحاتها الأولى بعناوين من قبيل”الرئيس الأسد نجم القمة المتوسطية” ” تواصل الاهتمام الإعلامي بزيارة الرئيس” …دون أن نجد أي عنوان له علاقة بالشراكة المتوسطية أو الاتحاد من أجل المتوسط .
ملاحظات لا بد منها :
وفق تصورنا هناك مجموعة ملاحظات لا بد من أخذها بعين الاعتبار إذا أريد لمشروع الاتحاد من أجل المتوسط المتوسط النجاح، ومنها:
1- يجب أن يضع المشروع نصب عينيه إيجاد حل عادل ونهائي للصراع العربي الإسرائيلي، بما في ذلك حل قضية فلسطين بطريقة مُرضية للجميع لأن أي تجاوز لهذا الموضوع سيبقي الجمر تحت الرماد ومهما فعلت الحكومات العربية لتجاوز هذا الأمر لن تستفيد شيئا لأن الموضوع الفلسطيني موضوع جوهري ووجداني لشعوب المنطقة العربية مجتمعة، فكل بلد متوسطي يوجد به لاجئين فلسطينيين يعيشون في ظروف مزرية وخاصة في لبنان حيث لا يتمتع الفلسطينيون بأية حقوق، وفي سورية يوجد حوالي خمسمائة لاجئ فلسطيني ينتظرون حلا نهائيا لوضعهم، إضافة إلى أن كل التيارات الإسلامية المتشددة تستعمل القضية الفلسطينية كشعار لجذب أنصار لها، الأمر الذي يعني سحب هذه الورقة من يديها في حال حل قضية الصراع العربي الفلسطيني. وأي حل ناقص سيشعر شعوب المنطقة بالغبن والظلم الذي سيهيئ الأرضية اللازمة لنمو التطرف والرفض لكل مشروع غربي . في حال لم يحل الصراع العربي الصهيوني ستبقى إسرائيل نموذجا غريبا مرفوضا من قبل شعوب المنطقة ولن يغير تطبيع الحكومات العربية من الأمر شيئا، وأكبر دليل على ذلك هو مصر التي رفض شعبها التطبيع مع الإسرائيليين رغم توقيع معاهدة السلام منذ ثلاثين عاما تقريبا. وهذا الأمر نستطيع أن نتبيّن ملامحه منذ الآن في سورية، فالشعب السوري الذي تربى على شعارات الصمود والتصدي والمقاومة ودعم فلسطين لن يستطيع أن يتعامل مع إسرائيل بسهولة حتى لو نجحت المفاوضات الجارية حاليا في تركيا ووقع النظام السوري اتفاقية سلام مع إسرائيل .
2- أيضا لا بد من أخذ الموضوع العراقي بعين الاعتبار لأن هذا الأمر ذو أهمية كبرى بالنسبة لسوريا التي تحتضن حوالي مليوني لاجئ عراقي أدى وجودهم في سورية إلى حدوث تغيرات ديمغرافية واجتماعية عديدة، الأمر الذي يتطلب التعامل مع الوجود الأمريكي والبريطاني في العراق كاحتلال واضح بعيدا عن المداورة والسعي لإيجاد حل لمأساة هذا البلد .
3- يجب على مشروع الاتحاد من أجل المتوسط أن يدرج داخل مشاريعه مشروع دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان شرط أن يكون هذا البرنامج بعيدا عن التسييس لأن كل التجارب السابقة مع الغرب كانت تستخدم هذه الملفات كورقة ضغط على الحكومات لتبتزها سياسيا . وأغلب الظن أن هذا الطرح لن يلقى التجاوب لأن كل أنظمة دول الجنوب المشاركة هي أنظمة قمعية !
4- على الدول الشمالية أن لا تفرض على دول الجنوب أن تفتح اقتصاداتها بما يتناسب مع مصالح دول الشمال فقط. بل عليها أن تأخذ مصالح دول الجنوب بالدرجة الأولى لأن بناها الاقتصادية ضعيفة وغير مبنية على أسس علمية صحيحة . وخاصة فيما يتعلق بالخصخصة واقتصاد السوق المفتوح هذا النموذج الذي بدأت الدول التي تبنته تحصد نتائجه السلبية خاصة في مصر التي تعاني من الانقسام الحاد بين شرائح دنيا لا تملك شيئا وشرائح عليا تمتلك كل شيء ونلاحظ ذات الأمر بصيغة مخففة في سوريا حيث بدأت القطاعات الشعبية الفقيرة تعلن تذمرها علنا من نموذج اقتصاد السوق الاجتماعي الذي بدأت الحكومة بتطبيقه .
5- إن التركيز على الاقتصاد والقضايا البيئية بعيدا عن رؤية سياسية واضحة لمنطقة المتوسط لن يجدي كثيرا , والتجربة الفلسطينية خير دليل على ذلك : كم من المليارات قدمت للسلطة الوطنية الفلسطينية بعد اتفاق أوسلو ؟ وكلها ضاعت تحت دبابات الاحتلال الإسرائيلي أو في جيوب الفاسدين الفلسطينيين .
وكم من المليارات قدمت دعما لمشاريع تنموية واقتصادية في دول الجنوب باءت بالفشل بسبب عدم ارتباطها بمشروع سياسي يهيئ الأرضية القانونية والاجتماعية للنجاح الاقتصادي ولجذب الاستثمارات التي لن تغامر بالمجيء إلى منطقة مكتظة بالمشاكل والتغيرات السياسية العاصفة؟؟
6- على دول جنوب المتوسط أن لا تنظر للاتحاد المتوسطي كبديل عن التكامل العربي أو تطبيع العلاقات العربية / العربية، لأن تصحيح العلاقات العربية بين دول الجنوب المتوسطي، وإقامة تكتل اقتصادي عربي سليم يساعد هذه الدول على الدخول إلى الاتحاد المتوسطي بمشروع ورؤية موحدة تستطيع أن تفرض من خلالها رؤيتها ومصالحها، بمعنى أنها تنتقل من موقع التابع إلى موقع الشريك .
أخيرا نستطيع أن نقول أن السوريين – رغم كل شيء – ينظرون إلى مشروع الاتحاد من أجل المتوسط بشك كبير لا يخلو من الأمل، فهم لا يقرؤون الأمر إلا من زاويته السياسية الضيقة مستندين في ذلك إلى خيباتهم المتكررة منذ مؤتمر برشلونة , لذا على الطرف الأوربي أن يبدد هذه الشكوك بمشاريع عملية وبرامج إنمائية تثبت حسن النوايا بعيدا عن تحولات السياسة ومتاهاتها المتعبة.