قمة دمشق: دمشق في القمة
سعد محيو
كيف يمكن ان نُطل على القمة الرباعية الأخيرة في دمشق؟
من زاوية يتيمة: إنها نصر إقليمي متألق لسوريا زاده تألقاً عاملان: الأول، الثقل الدولي الجديد الذي حازته حليفتها الدولية القديمة روسيا، والثاني، التطورات المتلاحقة التي كان محورها دمشق خلال الأيام القليلة الماضية: من زيارة الرئيس الفرنسي ساركوزي إلى سوريا والتي كسرت عزلة غربية عليها منذ العام 2005 (والبعض يقول كسرت أيضاً القرار الدولي 1559)، مروراً بالحدث الأكبر وهو زيارة الرئيس السوري الأسد إلى موسكو حيث دعا من هناك إلى ميزان قوى جديد في كل من أوروبا والشرق الأوسط وقارة أوراسيا برمتها.
أكثر من ذلك: برزت صدفة مدهشة حوّلت القمة الرباعية (رمزياً على الأقل) إلى ما يشبه القمم الأوروبية الشهيرة في القرن التاسع عشر التي كانت تقرر فيها مصائر أمم العالم. فبشار الأسد هو الرئيس الحالي لمؤسسة القمة العربية. ونيكولا ساركوزي هو رئيس الدورة الحالية للاتحاد الأوروبي. والشيخ حمد بن خليفة آل ثاني هو رئيس الدورة الحالية لقمة مجلس التعاون الخليجي. ثم أن بلاد رجب طيب أردوغان تترأس منذ سنوات منظمة المؤتمر الإسلامي.
كل هذه التطورات كانت بالنسبة لدمشق أجمل من أن تكون حقيقة، لأنها حوّلتها بين ليلة وضحاها من دولة محاصرة ومعزولة إلى قوة إقليمية تقوم هي بمحاصرة وعزل الآخرين. أو كما قال وزير الإعلام السوري السابق مهدي دخل الله ل”واشنطن بوست”: “خلال السنوات الثلاث الأخيرة، مرت مرحلة راهن فيها الناس على أن النظام السوري يعيش أيامه الأخيرة. لكن الآن النظام أثبت مدى قوته. إن فرنسا هي التي غيرّت سياستها وليس سوريا”.
لكن، وبرغم أهمية كل هذه المعطيات، ثمة ما هو أهم: الشبح الروسي الذي خيّم فوق قمة دمشق الرباعية، والذي دفع العديد من المراقبين إلى القول بأن رئيس الوزراء الروسي بوتين كان الغائب- الحاضر الأكبر في هذه القمة. وهذا بفعل عاملين رئيسيين: الانقلاب الكبير الذي أحدثته ثورة الدب الروسي في جورجيا ضد التمدد الأطلسي الخطر في مثلث القوقاز- قزوين- آسيا الوسطى، والانقلاب الآخر الذي أسفر عنه الانقلاب الأول حين تمدد صراع القوقاز سريعاً إلى الشرق الأوسط، وبالطبع لمصلحة سوريا.
وهذه النقطة الأخيرة شدد عليها يغال بلمور، نائب مدير وزارة الخارجية “الإسرائيلية”، الذي أعلن الأربعاء الماضي (أي عشية قمة دمشق) أنه “يتعّين على الأوروبيين أن يحاذروا جداً حين يدرسون الانفتاح على سوريا، لأنه باستثناء تغّير طفيف في اللهجة لا تزال السياسة السورية على حالها، كما أن دمشق مهتمة بتصعيد التوتر الدبلوماسي بين روسيا وأوروبا”.
كل هذه الأمور كانت حاضرة بقوة في قمة دمشق. وهي منحت الرئيس السوري أوراق ضغط استراتيجية ربما تؤدي (في حال تصاعد الصراع الروسي الغربي) إلى قلب الأمور الدبلوماسية رأساً على عقب: بدل أن تبذل الضغوط على سوريا لحملها على قطع علائقها الإستراتيجية مع إيران ولإبرام سلام شامل مع “إسرائيل”، ستكون سوريا في موقع التهديد بالورقة الروسية لهدم المعبد على رؤوس الجميع إذا لم تؤخذ مطالبها الإقليمية والوطنية في عين الاعتبار.
أليست هذه بالنسبة إلى دمشق تطورات أجمل حقاً من أن تكون حقيقية!