المسكوت عنه في قمة دمشق الرباعية!
الطاهر إبراهيم*
كان الرئيس السوري الراحل “حافظ أسد” يكرر أمام محدثيه مقولة: “في السياسة لا يوجد عداوات دائمة ولا صداقات دائمة، ولكن مصالح دائمة”. قالها يوم أن أرسل وحدات من الجيش السوري في عام 1991 لتقاتل الجيش العراقي جنباً إلى جنب مع الجيش الأمريكي، ربما ليبرر انقلابه الفجائي من عدو لدود لواشنطن إلى مجرد جندي يقاتل تحت رايتها.
تذكرت هذه المقولة وأنا أتابع اللقاء الرباعي الذي جمع في دمشق كلا من الرئيس الفرنسي “ساركوزي” ورئيس الوزراء التركي “رجب طيب أردوغان” وأمير قطر “حمد بن خليفة آل ثاني”، إضافة إلى المضيف الرئيس السوري “بشار أسد”. وإذا كان هذا اللقاء قد أجاب على سؤال أو اثنين، فإنه قد أثار زوبعة من الأسئلة التي تحتاج إلى أجوبة. ولا يستطيع أي من الزعماء الأربعة أن يلزم نفسه بجواب صريح على واحد من تلك الأسئلة المثارة.
الرئيس السوري نفى أي صفقة قد تتم على حساب المقاومة (اللبنانية، العراقية، الفلسطينية). وأن ما سيبرمه ما هو إلا “مصالح مشتركة” بين سورية والأطراف التي حضرت اللقاء/ القمة. فتم –على هامش اللقاءات- إبرام عدة صفقات مع شركات فرنسية تهتم بالتنقيب على البترول والغاز. كما أخذ لبنان حيزاً كبيراً من مساحة المؤتمر الصحفي بعد القمة. إلا أن الجميع يعرف أن موضوع لبنان لا يبحث في غياب رئيس لبنان. وأن الصفقات التي تمت لا تحتاج إلى كل هذه المظاهرة التي كان مسرحها كواليس القصر الرئاسي بدمشق. فأين كانت العقدة أو العُقَد التي حاول المجتمعون حلَّها أو “فكفكتها” إذن؟
نحن نزعم أن فك العزلة المضروبة –أمريكياً وعربياً- على دمشق، كان على رأس أولويات ما أراده الرئيس السوري من هذا المؤتمر. وأن أفضل فرصة لفك هذه العزلة هو في غياب الحضور الأمريكي الدولي خلال الانتخابات الرئاسية الأمريكية. لكن الرئيس السوري لا يريد فك العزلة وحسب! بل يريد أكثر من ذلك، يريد العودة بالعلاقات مع واشنطن إلى ما كانت عليه من دفء أيام الرئيس الراحل حافظ أسد. إذن ما تحقق من فك العزلة لم يتجاوز المظاهر التي ستزول بانتهاء المؤتمر. ويبقى السؤال ماذا أراد الرئيس السوري إذن؟
بعض المحللين اللبنانيين ذهبوا أبعد من ذلك، فقالوا إن العزلة الأمريكية على سورية ستتلاشى تلقائياَ عند عقد أي اتفاق سلام مع “إسرائيل”. وغني عن القول إن دمشق لا يهمها كثيراً مقاطعة الدول العربية المعتدلة، إذ أن هذه المقاطعة لا تهم دمشق كثيراً إذا حضر الرضى الأمريكي. وإن الزمن سيتكفل بمحو ما يبقى في أذهان الشعوب العربية من القضية الفلسطينية، إذا ما تم توقيع سلام مع “إسرائيل”، كما جرى مع مصر بعد “كمب ديفيد”.
الأمر الأهم في رأي هؤلاء المحللين اللبنانيين: كيف سيعالج الرئيس السوري إصرار إيران القاطع –واستتباعاً حزب الله- على رفض أي معاهدة صلح أو سلام بين سورية و”إسرائيل”. لأن ذلك يعني بالنسبة لإيران –ظاهرياً على الأقل- هو التنازل عن فلسطين نهائياً. ويضيف هؤلاء اللبنانيون: إن الدعم الهام –الأدبي والمالي- الذي تقدمه طهران لدمشق سوف يتأثر كثيراً، وإن دمشق لا تستطيع أن تتنفس خارج الماء الإيراني مدة طويلة.
معارضون “سوريون” يتفقون مع التحليل اللبناني أعلاه. لكنهم يضيفون شيئاً هاماً وهو: أن أشد ما يخافه الرئيس السوري هو أن تحاول طهران –واستتباعاً حزب الله- أن تنقل البندقية من على كتف الرئيس “بشار أسد” إلى كتف رجل آخر من أسرته (أخيه ماهر أو أي من أخواله)، وربما نقلها إلى أسرة من الطائفة مناوئة لأسرة “أسد”.
معارضون “سوريون إسلاميون” يزعمون أن إيران تعارض أي اتفاق سلام بين دولة عربية و”إسرائيل” من شأنه فرط القضية الفلسطينية. لكنهم يضيفون: أن معارضة إيران ليست مطلقة. فإذا ما تضمنت ترتيبات إنهاء القضية الفلسطينية ضمانَ دور استراتيجي لإيران في المنطقة، بأن يتحقق لها ما تصبو إليه في الخليج العربي، على غرار ما صرح به “محمد رضا باقري” مساعد وزير الخارجية الإيراني في شهر آب “أغسطس” الماضي.
يعيد هؤلاء المعارضون الإسلاميون إلى الأذهان ما هو معروف عند شيعة إيران بمبدأ “التقية”، وهو إظهار أمر و”إبطان” آخر. وحسب هؤلاء، فإن إيران تظهر معارضتها لإبرام أي اتفاق سلام نهائي مع “إسرائيل” ينهي القضية الفلسطينية. لكنها لا مانع لديها من ذلك إذا كان لها دور. وهذا الدور الذي تقبل به هو أن يراعي مصالحها الإستراتيجية، كأن يتم الصلح مع “إسرائيل” وفق أجندتها في المنطقة، كما ظهر من حديث نائب وزير الخارجية الإيراني.
استطراداً، فإن “علي أكبر هاشمي رفسنجاني” بين نهج إيران بمبدأَ “التقية” عبر برنامج “حوار مفتوح” من خلال قناة الجزيرة، مع الداعية الإسلامي الشيخ “يوسف القرضاوي”، الذي رفض رفضاً قاطعاً أن تكون “التقية” مباحة –كما يفهمها شيعة إيران- في الإسلام. فالآية 28 من سورة “آل عمران”: (لا يتخذِ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين، ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء، إلا أن تتقوا منهم تقاة، ويحذركم الله نفسه، وإلى الله المصير) إنما حصرت التقية في العلاقة بين مؤمنين وكافرين، لا بين مؤمنين ومؤمنين.
ومع عدم إهمال أي من الآراء السابقة، فإن مقصوداً آخر كان في أذهان القادة الذين حضروا مؤتمر قمة دمشق، وهو أنهم أرادوا من المؤتمر أن يكون مؤتمر “علاقات عامة”، لا أكثر ولا أقل. ظهر ذلك مما قيل في المؤتمر الصحفي، حيث أعاد تكرار مواقف سابقة.
حضور الزعيم التركي غير مبرر. لأن “ساركوزي” لا يمكن أن يعطيه شيئاً في موضوع دخول تركيا إلى السوق الأوروبية. ولا يقال في تبرير حضور “رجب طيب أردوغان” كونه “العراب” في المفاوضات السورية الإسرائيلية، فقد سلّم الجميع أن المفاوضات سائرة على سكتها لا يثنيها شيء إلا أن تتراجع “إسرائيل”. كما صرح “أردوغان” أن لقاءً في “اسطنبول” بين مندوبين من سورية و”إسرائيل” سيعقد في يومي 17– 18 أيلول الجاري.
* كاتب سوري