ماذا بعد قمة دمشق الرباعية؟
خليل حسين
اختصرت قمة دمشق ثلاث منظمات اقليمية تجمع بينها هواجس وقلق كبير، واتقاطع بينها مصالح وأهداف ليست بالضرورة قليلة. فرئاسات الاتحاد الاوروبي والقمة العربية ومجلس التعاون الخليجي إضافة الى دولة رابعة لها العمق التاريخي الفاعل في المنطقة، حاولت رسم خريطة طريق وسط متغيرات قادمة، ستؤثر في كثير من وقائع ومعطيات تركت ظلالا كثيفة في خلال السنوات الماضية.
وربما ما أطلق على القمة من تسمية الحوار من اجل الاستقرار، يعبر عن خطورة المرحلة التي تمر بها المنطقة، وبالتالي الحاجة الماسة للبحث عن إطار يجمع تنظيم الخلافات، ومن ثم التركيز على بيئة لتنظيم مشاريع الحلول إذا توفرت بعض المعطيات والظروف.
والتدقيق بين سطور ما قيل قبل القمة وبعدها، يظهر تباين الاهتمامات والأهداف، رغم تقاطع بعض الغايات. فلكل طرف فيها وجهته الخاصة، التي يطمح في نهايتها للحصول على مكاسب سياسية ربما تتعدى حجمه الاقليمي الفعلي. وعلى الرغم من ان الطموح في السياسات الدولية أمر شائع ومرغوب به، فإن الأمل شيء والواقع شيء آخر.
وربما المفارقة الأبرز في هذه القمة المسألة الايرانية الحاضرة الغائبة، حتى يكاد يقال ان كثيرا من الآمال قد عُلقت على مستقبل التحركات المحتملة تجاه طهران في وقت لا تمتلك هذه الأطراف القدرة العملية على تغيير الواقع غير المرغوب به من قبل الغرب بشكل عام. فإشارة الرئيس الفرنسي للبرنامج النووي الايراني تعكس الهم الأوروبي الاميركي الاسرائيلي الدائم الحضور في المحافل الاقليمية والدولية، والمزيد من التدقيق يظهر الرغبة الفرنسية في إقحام دمشق في الموضوع الايراني بصرف النظر عن حجم التأثير فيه، وكأن غير المعلن منه محاولة إيجاد البيئة الملائمة لإبعاد دمشق عن طهران، في مرحلة يشعر فيه البلدان بأهمية التقارب وضرورة التنسيق والتعاون.
الرغبة الفرنسية الثانية في هذه القمة هي محاولة إعادة تعويم دور افتقدته باريس لعقود طويلة في الشرق الأوسط، بعد سياسة ملء الفراغ التي اتبعتها واشنطن في منتصف القرن الماضي والتي أبعدت بموجبها كلا من فرنسا وانكلترا عن منطقة شديدة الحساسية تجاه جميع تلك الدول. فالطموح الفرنسي الذي ارتكز لعقود طويلة على البوابة اللبنانية، قرأ متغيرات المنطقة بعناية ودراية دقيقتين وشعر بأهمية البوابة الدمشقية وامكاناتها الفارقة في عودة باريس لأمجادها الضائعة في المنطقة.
وإذا كانت دمشق قد قدمت سلفة سياسية لافتة لباريس عبر قرار إقامة العلاقات الدبلوماسية مع لبنان، ما شجع ساركوزي على حسم موضوع زيارته لدمشق، فان هذه الاخيرة قد استثمرت قمتها الرباعية لتثبت ختم ملف العزلة الدولية التي فرضتها واشنطن منذ أربع سنوات، ولتؤكد مجددا أن وزنها الاقليمي أكبر من ان تعزل او تهمش في مراحل مصيرية تمر فيها المنطقة. وما يؤكد هذا التصور تقصد الرئيس السوري بشار الأسد اطلاق جملة إشارات واضحة وفي اتجاهات متعددة. ففي الشأن اللبناني رؤية سورية ان لا استقرار في لبنان ما لم تتم معالجة التطرف في شماله »الذي تغذيه بعض الدول«.
أما القراءة السورية الثانية في هذه القمة وهي ركيزة أساسية في انعقادها، فترتكز على المفاوضات غير المباشرة مع اسرائيل عبر الرعاية التركية. فما تم في اللقاءات الأربعة أسس لبيئة قابلة للبناء عليها لكن مع وقف التنفيذ لاعتبارات تتعلق بالانتخابات الرئاسية الاميركية وما سينتج عنها من ادارة وسياسات جديدة، وبطبيعة الامر تعتبر هذه الرؤية السورية رؤية واقعية باعتبار ان ملف السلام لا يمكن انجاز الكثير فيه في مرحلة أميركية انتقالية اولا، وفي ظل حكومة اسرائيلية متهاوية ثانيا.
في الجانبين التركي والقطري ثمة رغبة للعب ادوار وسيطة في أزمات كبيرة، ومع اختلاف نوعية التأثير وكيفيته، ثمة مفارقة في الدورين، فقطر التي ترأس مجلس التعاون الخليجي حاليا تهيأت قبلا عبر شبكة علاقات اقليمية عززتها بقدرات مالية، فيما تركيا التي لا تملك المال امتلكت الجغرافيا السياسية المؤثرة في بؤر الصراع في المنطقة، وعليه فقطر التي تعتبر من الدول العربية والخليجية الصغيرة المساحة، وُضعت في مكان الحل والربط في قضايا مصيرية لبعض الدول العربية كمثال لبنان واتفاق الدوحة الذي سيحل محل اتفاق الطائف شيئا فشيئا. فيما تركيا التي تهيئ لاعادتها كدولة حاجزة في الشرق الاوسط بوجه موسكو مستقبلا مع عودة روائح الحرب الباردة، تكتسب اهمية محورية في قضايا اقليمية حساسة كالصراع العربي ـ الاسرائيلي والبرنامج النووي الايراني.
طبعا في ما سبق، ثمة تقاطع وتباين بين أطراف اجتمعت ولكل منها حساباتها الخاصة، لكن في المحصلة ثمة محاولة للاجابة عن بعض القضايا ومنها:
ـ محاولة فرنسا اللعب في الوقت الضائع بتشجيع اميركي بهدف تقليص واحتواء مشاكل غير محسوبة النتائج ربما تحصل في المنطقة.
ـ محاولة خلق الظروف المناسبة لتطوير المفاوضات السورية ـ الاسرائيلية من الوسائل غير المباشرة الى المباشرة.
ـ تكريس واقع المفاوضات الثنائية بين العرب واسرائيل، وإشراك لبنان فيها في مراحل لاحقة ليست ببعيدة.
ـ محاولة الضغط على طهران لجهة البرنامج النووي وهذه المرة من البوابة السورية تحديدا.
ـ إبقاء الواقع العربي الراهن على ما هو عليه، باعتبار ان القمة لم تتمكن من انتاج مناخات قادرة على تبديد أجواء المحاور العربية السائدة حاليا.
ربما تعتبر الظروف التي تمر بها المنطقة حاليا من أدق الظروف وأصعبها، فهي على مفترق طرق، فلا يفصل بين التهدئة والانفجار سوى خيط رفيع يصعب تمييزه وسط حسابات الربح والخسارة لكل الأطراف المعنية، من هنا أتت القمة الرباعية لتضفي على هذه الحسابات مزيدا من التوجس والقلق لما يمكن ان ينتج عنها لاحقا، بخاصة أن أي طرف من الاطراف ليس قادرا لوحده على انجاز ما يصبو اليه، في الوقت الذي يجب عليه تقديم تنازلات مقابل تحصيل مكاسب معينة.
أما الأخطر في مثل هذه الأوضاع ان يجتمع تقاطع المصالح بين عدة دول على أمر واحد، ويصبح الهدف منصبا على النقطة الأضعف، عندها يصبح الخوف على لبنان مبررا. في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي أنتج الاتفاق الثلاثي بعد حروب داخلية لبنانية استعرت لسنوات، ثم استتبعت بمثلها وأنتج اتفاق الطائف، فهل ما يجري اليوم في شمال لبنان وبقاعه بعيد عما سبقه؟ ان في ذلك عبرة لذوي الألباب!
([) أستاذ جامعي