اسرائيل

نتانياهو يحبطنا… أوباما ينعشنا

عبد الوهاب بدرخان
ينبغي أن نصدِّق، بحذر طبعاً، فليس لدينا خيار آخر، ثمة مصالحة عربية في الطريق، ثمة مصالحة فلسطينية قيد الحوار، وهما متداخلتان، بينهما صلة سببية، وتربط بينهما تبادلية للإضرار والتنكيدات، لكن البديهة كانت دائماً أقوى من الحقيقة والواقع، فالصلح أفضل من التنابذ. صحيح أن العرب لا يعرفون كيف يتخاصمون، ولا كيف يتصالحون، ومع ذلك إذا تصالحوا ففي ذلك خير قد يكون مؤقتاً ينبغي انتهازه إيجابياً أو طويل الأمد ينبغي البناء عليه تجنباً للخصام التالي. فمنذ عقود لم تتوصل الخلافات والمصالحات إلى مراكمة وعي، ولا إلى مأسسة هذا الوعي، لذلك فهي تتكرر، متباعدة أو متقاربة زمنية، وتبقى مدهشة في قدرتها على الحفاظ على أدق تفاصيلها طبق الأصل، أي منسوخة أو مستنسخة، حتى لا يكاد يتغير فيها شيء.
يبدو أو يفترض أن هذا أقصى ما يستطيعه العرب، ولا يقدرون على سواه، في ما يمكن أن يسمى “ثقافة” الانقسام والالتئام، يتحدثون عن تنقية الأجواء فيما ترتفع نسبة التلوث في مختلف العواصم والمدن، بفعل التنمية أو نقص التنمية على السواء. ويتحدثون عن تصفية القلوب فيما بلغت الاحتقانات حد الفتن ولم تحرم نفسها من ترف التصفيات الجسدية والمعنوية. واقع الأمر أنه لا يمكن دفن القضايا التي تدور عليها الخلافات، وإنما يمكن التفاهم أو التوافق أو حتى الاتفاق على كيفية التعامل معها، شرط أن لا ينقطع الحوار مهما كانت الظروف، ذلك أن استمرار الخلاف ومفاعيله السلبية ليس خياراً مجدياً لأي طرف. ووفقاً للسوابق فإن أسوأ الانقسامات العربية هي تلك التي تكون لها امتدادات خارجية غير عربية، وفي الخلافات التي عاشها العرب في السنوات الأخيرة، وجد العالم العربي نفسه أشبه بمخطوف ومغتصب، بسبب مصادرة الخارج لقضاياه. والمؤلم أن الذين شوَّشوا عليه أو عطلوا فاعليته كانوا هم أنفسهم يلحون عليه لاتخاذ موقف واعتماد قرار، إذ اعتبروه قاصراً وليس عليه سوى أن يتبعهم.
عاش العرب تخبطات إدارة بوش، كما لو أنها حصلت تحديداً لتضليله، كما عاشوا مغامرات النظام الإيراني كما لو أنها اصطنعت تحديداً للتكامل مع الدور الأميركي.
طوال سنوات الانقسام لم ينجح العرب في أي مسعى عربي للتقريب بين المتباعدين، اختلفوا على عملية السلام ومسارها ومصيرها، على استقرار لبنان وفلسطين والعراق وأمنها وطبيعة أنظمتها ومجتمعاتها، على العلاقة مع إيران وأهدافها، وعلى العلاقة مع الولايات المتحدة وسياساتها العرجاء المتذبذبة. لم تنشأ أي مبادرة واعدة، فعندما يختلف الكبار ينشلّ الصغار، وإذا توطنت الخلافات وتفاقمت، لابد أن ينشأ على العكس كيان خاص للمستفيدين من الخلاف، طالما أن أصحابه ممعنون فيه… أما الآن فيبدو أن التغيير الحاصل في واشنطن والآتي منها نحو المنطقة هو الذي بات يشكل قاطرة لتغييرالحال العربية. فجأة أصبح من الضروري والملح نبذ الخلافات وإذابة التعنتات، ثمة منطق في ذلك، فعندما يبدأ التغيير في الأصل، لابد أن ينتقل إلى الفرع. كانت إسرائيل اشتغلت بالخلافات العربية وعليها، مستغلة المخاوف والهواجس، حتى أنها أوحت أحياناً بأن لديها تفويضات عربية للتصرف. الآن، أيضاً، مع اقتراب تنصيب بنيامين نتانياهو رئيساً للحكومة مع “اليمين” المتطرف الذي يريد أن يحكم بـ”اللاءات”، عادت الأمور إلى أحوالها فإسرائيل هي إسرائيل، أي العدو، والعرب هم العرب، والفيصل بينهما هو “السلام الشامل والعادل”، أو حال اللاحرب واللاسلم.
إذ يستعد العرب والفلسطينيون للتصالح في ما بينهم، فإنهم قد يجدون أن الأميركيين والإسرائيليين غير منشغلين بهم أو بقضاياهم، فما يشغلهم حقاً هو إيران وقنبلتها المزمعة، وبالتالي فإن الصفقة الموعودة للشرق الأوسط قد تدور حول مقايضة بين تلك القنبلة والتسوية الفلسطينية، أي أن إسرائيل تتنازل هنا إذا كسبت هناك، ما يعني أن العرب خاسرون وزنهم وفاعليتهم سواء كانوا متصالحين أو منقسمين، وهذا هو المعطى السيئ الذي يجب أن يتغير. فحتى لو ظلت الحرب خياراً مستبعداً، لا يمكن الحصول على سلام حقيقي من دون الذهاب إلى خيارات متاحة ومقبولة من الممانعة والمواجهة لئلا يتلاشى العرب ويضيعوا في الصيغ المترجمة بين العبرية والفارسية.
جريدة الاتحاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى