انا غبي
ماجد الخواجا
كنت أود أن يكون عنوان المقالة (أنا حمار) لكن وبعد علمي بأن الحمار يعتبر من الحيوانات الذكية.. وربما يتفوق على الكثيرين أمثالي.. فهو قد ألصقت به ظلماً وكذباً وبهتاناً حكاية الغباء.. حتى كشف لي ذات سنين صديقي وابن صفّي دكتور الهندسة الكهربائية في الجامعة الأردنية جمال رحّال، وحيث كان يتابع دراساته العليا في الولايات المتحدة.. عندما بعث لي رسالة أوضح فيها أن الحمار يعتبر من الكائنات المحترمة والمقدّرة في أمريكا.. واستشهد بشعار أحد الحزبين الرئيسين فيها.
وهذه للعلم ثقافة ومعرفة يدركها الفلاحون بشكلٍ خاص.. حيث كانوا يعتمدون على الحمار في اختيار وتحديد الدروب الأيسر للسير عليها.. بل يقال أن الحكومات في السابق وربما في العهد العثماني، كانت تعتمد على الحمار من أجل شقّ الطرق.. حيث أن الحمار لا يضع قدميه إلا في الموطئ السليم.. وليس ككثيرٍ من البشر أمثالي الذين يضعون رؤوسهم قبل أرجلهم في المكان الخطأ.. ونبهني إلى أن الأمريكان يرون في ( الخروف) كممثل شرعي ووحيد للغباء.. وأنه عبارة عن كتلة متحركة من الغباء.. بل كتب يقول بأن الأمريكي لا يغضب إذا ناديته يا حمار.. لكنه ينفعل ويحتدّ عندما تناديه يا خروف.. ما علينا.. أنا غبّي عندما قررت الزواج.. عندما قررت الإنجاب.. عندما قررت نقد سياسات الحكومات.. عندما قررت التعامل مع الناس بدون أقنعة.. عندما قلت الحقيقة.. عندما صارحت مديري بوضع مؤسستنا.. عندما عارضت رأي أحد أساتذتي.. عندما قررت الكتابة الصحافية باللون الناقد.. عندما هاجمت الفساد والمفسدين.. عندما أشرت لسرقةٍ هنا.. ورشوةٍ هناك.. أنا خروف عندما صدقت قلمي وكذبت كلّ ما يجري.. خروف في الباصات.. في الندوات.. في تصريحات الناطق الرسمي.. في مشاهدة البرامج التلفزيونية.. خروف في عدم قبولي بوضع رأسي مع الرؤوس لأقول مثلهم: يا قطّاع الرؤوس.. خروف في عدم امتثالي لـ(مقولة الحيط الحيط ويا ربّ الستيرة).. وأن العين لا تعلو على الحاجب إلا حين تورم بوقاحة فتعلو عليه كما قالها صديقي هاني أبو الليل.. لكن هناك الكثير من العيون الناعسة التي تعلو كلّ الحواجب.. هناك من يحكم أكثر من كسرى في الليل.. ما أود قوله: أثناء معاناتي لأزمة مرورية في منطقة النصر بسبب وقوع جسر للمشاة.. التفت لإحدى اليافطات الأنيقة على إحدى البنايات والتي كتب عليها دعوة لأهالي المنطقة بأن يستثمروا مبلغ ألف دينار، ومقابل ذلك يحصلون على عائد شهري يقدّر ما بين ( 90- 110) دنانير.. حاولت التملّص من الأزمة الخانقة، وركنت السيّارة بجانب البناية التي علقت عليها اليافطة.. حينها جاءني السؤال الغبّي طبعاً: هل تعلم الحكومة عن هذه الاستثمارات التي تعود على المنتفع بمكاسب تتجاوز عشرات الأضعاف ما يمكن أن يقدّمه أعرق البنوك في العالم.. وسؤال غبّي آخر: لماذا لا تشارك الحكومة ومؤسساتها في هذه الاستثمارات الخيالية.. والتي ستلغي العجز وتوفّر الرفاهية التامة للمواطنين والحكومة.. وثالث: ما هي الطرق والوسائل التي يمكن لمثل هذه الشركات الموظّفة للأموال استخدامها لتحقيق مثل تلك العوائد.. الرابع: هل تقوم الحكومة بفرض ضمانات كافية ومطمئنة على هذه الشركات بحيث لا نصحو صباحاً فتكون قد تبخرت هي وأصحابها.. أما الخامس يا دولة الرئيس: من هم أصحاب هذه الشركات فاحشة الكذب؟
رئيس حكومتنا: لقد سألني عدد من الزملاء عن هذه الشركات.. فأرجو منكم إفادتنا بوضعها القانوني والمالي.. لقد شبعنا أونطة.. وطبعاً كعادتي فأنا دوماً أثق بالحكومة وأشكّ بنفسي.
ـ كاتب صحافي الأردن