القرضاوي و الغزو الشيعي
ياسر عبد العزيز
منذ أعادت قناة «الجزيرة» إطلاق نجومية الشيخ الرصين الدكتور يوسف القرضاوي، والرجل الواسع المعارف الفائض علماً وتواضعاً يتموضع كـ«إمام أهل السنة» غير المتوج، وممثل «الوسطية والاعتدال» في الوسط الديني المراوح بين نهايات التطرف المقيتة وحدود التفريط المبتدعة. وبعيداً عن اتهامات وجهت كثيراً للشيخ؛ بعضها موضوعي يتعلق بأطروحاته الدينية والسياسية والاقتصادية وتنظيراته في الاستراتيجية والأمن القومي، وبعضها الآخر غير موضوعي يتعلق بحياته الخاصة وثروته المالية واختياراته الإنسانية؛ فإنه ظل متمتعاً بمكان مهم في الضمير العربي والإسلامي، وبمكانة مقدرة ومرموقة لدى محبيه ومريديه ومعتبرة ومهابة لدى خصومه وأعدائه، في معظم الأحوال، ومهما جلبت الأمور من خلافات وتصادم رؤى ومصالح.
فإذا سلمنا، تأسياً باجتهادات الشيخ وغيره من ثقات العلماء، بأن الرجال يعرفون بالحق والحق لا يعرف بالرجال، لوقفنا معاتبين ناقدين، وربما غاضبين من عالمنا هذا، الذي ارتقى مرتقى وعراً، حين أعلن صراحة، بيقين صارخ في وضوحه وتثبته، أن «ما يجب أن نقف ضده في هذه الفترة أن نحمي المجتمعات السنية من الغزو الشيعي».
يضع الشيخ المعتبر كفاح «الغزو الشيعي» أولوية في وقت تعرف فيه الأمة تربصاً وعداوات وتخاطفاً تاريخياً من أعداء الخارج، وتغرق فيه في اختلالات واعتوارات داخلية ما أبعدها عن تبشير الشيعة لسنتها أو استهداف السنة لشيعتها.
في الحوار الذي نشرته صحيفة «المصري اليوم» القاهرية مع الشيخ، في عددها الصادر يوم 9 من سبتمبر الجاري، قال الرجل بالنص: «للأسف وجدت مؤخراً مصريين شيعة، فقد حاول الشيعة قبل ذلك عشرات السنوات أن يكسبوا مصرياً واحداً ولم ينجحوا، من عهد صلاح الدين الأيوبي حتى 20 عاماً مضت ما كان يوجد شيعي واحد في مصر، الآن موجودون في الصحف وعلى الشاشات، ويجهرون بتشيعهم وبأفكارهم. الشيعة يعملون مبدأ التقية وإظهار غير ما بطن، وهو ما يجب أن نحذر منه، وما يجب أن نقف ضده في هذه الفترة أن نحمي المجتمعات السنية من الغزو الشيعي. وأدعو علماء السنة للتكاتف ومواجهة هذا الغزو، لأني وجدت أن كل البلاد العربية هزمت من الشيعة: مصر، والسودان، والمغرب، والجزائر، وغيرها، فضلاً عن ماليزيا وأندونيسيا ونيجيريا».
يعتقد الشيخ أن كل البلاد العربية هزمت من الشيعة قبل ذلك، بسبب غفلتها عن «الغزو الشيعي»، الذي يتعزز خطره «بما لدى الشيعة من ثروات بالمليارات وكوادر مدربة على التبشير بالمنهج الشيعي في البلاد السنية، خصوصاً أن المجتمع السني ليست لديه حصانة ثقافية ضد الغزو الشيعي، فنحن العلماء لم نحصن السنّة ضد الغزو المذهبي الشيعي، لأننا دائماً نعمل القول ابعد عن الفتنة لنوحد المسلمين، وتركنا علماء السنة خاوين».
يذكرك ما ذهب إليه القرضاوي في تحليله للتفاعل السني- الشيعي في عالمنا العربي والإسلامي بإبداعات أخرى سابقة له في مجالات عديدة؛ تبدأ من العلاقة الجنسية بين الزوج وزوجته ولا تتوقف عند نصيحة المسلمين «الذين يعدون أكثر من المليار»، بالتوجه سيراً على الأقدام إلى فلسطين المحتلة لتحريرها وطرد الغاصب منها.
عاب القرضاوي، في الحوار المنشور نفسه، على من «لا يحسن قراءة سطرين من كتاب من كتب أصول الفقه أو التفسير، ولا يعرف في النحو والصرف والبلاغة، ثم يجتهد في الشرع». وتساءل الرجل مستنكراً: «هل يستطيع مهندس أن يتحدث في الطب، أو طبيب في المحاسبة، أو عالم ذرة في طب الجراحة، فلماذا إذنش جعلنا من الدين مجالاً لكل من يعرف ومن لا يعرف، وشأناً مباحاً، بل باباً من غير بوّاب؟».
لكن هذا الوعي بأهمية التخصص لم يمنع الرجل، طوال حواره هذا، من الافتئات على التخصص في طيف عريض من العلوم والانشغالات والقضايا، ممتلكاً الحكمة الراسخة والرؤية الصواب حيالها، كما يعتقد. ومن ذلك أن أفتى الشيخ بـ«تعصب الفكر الوهابي»، وأن الشيعة «مبتدعون»، والقرآنيين «كافرون، لأن من ينكر السنّة فهو كافر»، ورغم استهوال المرء فكرة التكفير هذه، إلا أن الشيخ عالم معتبر في هذا السياق، وعليه يقع الحساب إن هو أخطأ أو أصاب. لكن القرضاوي ذهب ايضا إلى الاقتصاد، وحسم أمر البنوك وفوائدها، قائلاً: «الحل إما أن يشغل البنك أموال الناس بطريقة إسلامية، أو أن يضع الناس أموالهم في بنك إسلامي». وقد فات الرجل أن يعطينا قائمة بأسماء البنوك التي يجب أن نضع أموالنا فيها.
وفي السياسة خاض الرجل أيضاً: «أنصح مبارك أن يتخلى عن فكرتي التوريث والتمديد، فلا يمدد لفترة رئاسية جديدة ويترك الحرية للناس لاختيار الرئيس القادم، ولا يورث ابنه الحكم، فلماذا يحمله هذه المسؤولية الخطيرة». لكن القرضاوي لم يقل لنا ما إذا كانت نصيحته لمبارك ذات طبيعة سياسية أم دينية، والإشكال هنا ينشأ عندما أشار الرجل إلى أنه «نصح أمير قطر كثيراً»، وهو هنا لم يفصح ما إذا كان نصحه للأمير أيضاً تناول حضه على عدم التمديد والتوريث أم اكتفى بمسائل اخرى لا مجال لذكرها.
يعيب القرضاوي على غير المتخصصين الخوض في مسائل الدين، فيما هو المتخصص في الدين، ليس سواه، يخوض في السياسة والحكم والاستراتيجية والأمن القومي والاقتصاد وأسرار العلاقات الزوجية. وبينما يكفّر الرجل بعضاً ويستحسن إسلام البعض ويتهم آخرين بالتعصب وغيرهم بالابتداع، فإنه ايضاً يغري بالشيعة، ويحض على مواجهتهم، مبدياً الخوف والهلع، لأنه «وجد مؤخراً مصريين شيعة».
جريدة الجريدة