الصراع على أشدّه بين الطربوش والعقال!
خليل صويلح
انتباه. انتباه. انتباه!
ها هم البدو يعودون مظفرين إلى الشاشة، بكامل سيوفهم وخناجرهم المسمومة، ومكائدهم ومؤامراتهم، مثل قرية من النمل. انتبه أيها المشاهد الحزين الغارق في همومك. انتبه، واحفظ جيداً فضائل أجدادك، فأنت في نهاية المطاف «من غزية إن غزت غزوتُ». انتبه إلى جلدك ووشمك إلى أي قبيلة، أو عشيرة تنتمي؟ أما بدعة الحداثة والتنوير التي حاولت دول وحكومات ما بعد الاستقلال إقناعك بها طوال نصف قرن، فما هي إلا قبض ريح. قل لي ما هي عشيرتك، أقل لك من أنت؟
انتبه مرة أخرى، وأنت تتجول بين المضارب العربية على الشاشة من أن تقع بين يدي «غليص»، وحاول ألا يراك أحد من قبيلة محبوبتك «عليا»، كي لا ينشأ «صراع على الرمال»، أو تهب «نيران البوادي»، ويصير فنجان القهوة المرّة «فنجان الدم».
انسَ كل ما تعلمته حضرياً، وانظر جيداً في المرآة، لتتأكد من وضعية عباءتك فوق كتفيك، وعقالك فوق رأسك، قبل أن تذهب إلى صيد الغزلان أو مطاردة القبائل الأخرى، أو لقاء المحبوبة عند العين (انسَ أيضاً أن الصحراء جافة، وليس فيها ينابيع ماء، فالأمر مجرد مجاز تلفزيوني). حاول أن تتعلم شيئاً من فضائل «سعدون العواجي»، ولا بأس أن تنصت قليلاً إلى بعض نصائح «أبو تايه».
محاصرون بالبداوة على مدار الساعة بسطوة شاشات مبيعة بالكامل لرأس مال يتحكم بذائقتنا جميعاً. قبل سنوات، هجمت جحافل الفانتازيا التاريخية بكامل عتادها واحتلت الشاشة. وإذا بنا نسبح في فراغ التاريخ والجغرافيا، لننتمي إلى قبائل وهمية، أكثرها أصالة تدعى قبيلة «الجنادب». فيما وجد «الملك لير» نفسه تائهاً في صحراء لا نهائية، من دون ملجأ، بعدما سطوا على إرثه في وضح النهار، من دون استشارة شكسبير طبعاً. وما إن انتهت حقبة الفانتازيا بألوانها الفوسفورية وسيوفها اليابانية، حتى هطلت علينا، وما تزال، مسلسلات البيئة الشامية. وكان علينا أن نرتدي الطرابيش على عجل، ونتجه إلى مضافة الزعيم، نستمع إلى حكمته في فض الاشتباك بين نساء الحارة، والمشكلات الطارئة التي تحتاج إلى حلّ سريع وعاجل بين القهوجي وجاره الفرّان، لينتهي الأمر كالعادة بتبويس الشوارب واللحى. مهلاً، هناك بطل آخر لا يقل أهمية ودرامية عن سواه، هو «الحلّاق» بكامل حكمته ووطنيته وشجاعته، قبل أن نفقده فجأة، ليترك في قلوبنا حسرة عميقة، وجرحاً لا يندمل. أما «الحمصاني» بنكهة فوله وزيته وبقدونسه وثومه وبصله البلدي الأصيل، النكهة التي لا تنسى، فقد مات شهيداً يا ولدي، بعدما أدى واجبه الوطني على أكمل وجه، وليس لكم سوى الصبر والسلوان. أبطال الحارة المغلقة على قيمها السلفية صاروا أمثولة لنا، نستفيد من فائض علمهم، بمن فيهم الخضري والحارس الليلي والحدّاد!
الأخبار