عصابة حرب تدير السياسة
جهاد الخازن
في 25/6/2008 أمطر جنود أميركيون سيارة عراقية بالرصاص فقتلوا مدير فرع بنك واثنتين من الموظفات كانوا في طريقهم الى مقر الفرع قرب المطار. وأعلن ناطق أميركي رسمي ان الثلاثة «مجرمون»، وقد رد الجنود على النار بالمثل. وفي 27/7/2008 اعترف ناطق أميركي بعد تحقيق بأن الثلاثة كانوا مدنيين أبرياء.
الشهر الماضي قتل الأميركيون 90 مدنياً افغانياً في غارة، بحسب رواية الحكومة في كابول، و 30 الى 35 مقاتلاً من طالبان بحسب الرواية الأميركية. واعترف الأميركيون في 2/9/2008 بسقوط خمسة مدنيين الى سبعة في الغارات بطائرات هليكوبتر التي أثارت أيضاً احتجاجاً رسمياً من باكستان لأنها انتهكت سيادتها الاقليمية. وربما اعترف الأميركيون برقم أعلى للقتلى بعد شهر.
ما سبق مجرد مثلين من ألف على ادارة الولايات المتحدة الحرب على الارهاب من العراق الى افغانستان وباكستان، فلا عجب أن يكون الارهاب زاد أضعافاً منذ أعلن الرئيس جورج بوش الحرب عليه في أعقاب إرهاب 11/9/2001.
هل جورج دبليو بوش أسوأ رئيس في تاريخ الولايات المتحدة؟ أعرف أن حكم التاريخ لا يستبق انتهاء ولاية الرئيس، غير أنني لا أكتب كمؤرخ، وإنما كمعلق عربي أصابته مصائب بوش وعصابة الحرب التي أحاط نفسه بها، وأغامر فأقول إنه لن يصلّح في أقل من نصف سنة ما خرّب في سبع سنوات عجاف من حكم جمع بين الجهل والتطرف والهوس الديني، ففي حين أنني أدين القاعدة كمنظمة ارهابية معادية للاسلام ورسالته السمحة، فإنني لا أجدها أكثر تطرفاً من القاعدة الدينية الأصولية للرئيس الأميركي التي تنتظر عودة المسيح لتصعد معه الى السماء في حين يدمر العالم ومعه كل الناس الآخرين، بمن فيهم المسيحيون الذين لا يرون رأي التبشيريين المتجددين.
جورج بوش هو الرئيس الذي بقي يقرأ للصغار في إحدى مدارس فلوريدا قصة «عنزتي الأليفة» حتى بعد أن أبلغه مساعد له أن طائرة ثانية ضربت البرج الثاني من مركز التجارة العالمية، ما يعني ارهاباً هائلاً. وهو الرئيس الذي حملت حكومته بعنف على دخول قوات روسية أوسيتيا الشرقية، واذا به يظهر على التلفزيون في بكين وهو يتبادل حديثاً ودياً وضحكاً مع رئيس وزراء روسيا فلاديمير بوتين.
هو جاهل ترك عصابة حرب تدير السياسة الخارجية الأميركية لبناء امبراطورية مستحيلة وفرض هيمنة اسرائيلية على الشرق الأوسط، والنتيجة أن روسيا والصين تنافسان الولايات المتحدة الآن على لقب «دولة عظمى»، وربما ينافسها غداً الاتحاد الأوروبي والهند والبرازيل، وأن الشرق الأوسط أبعد ما يكون عن تسوية، وفريق «الرفض» اقوى كثيراً مما كان عند بدء ادارة بوش في مطلع السنة 2000.
جورج بوش تسلم الحكم وهناك فائض في الموازنة يبلغ ترليون دولار، وسيتركه والعجز أكثر من ترليون دولار، مع ثلاثة ترليونات أخرى قد تكون الثمن النهائي للحرب على العراق، وهذه جريمة القرن حتى اشعار آخر، فأسباب خوضها كانت ملفقة بالكامل ونجم عنها سقوط مئات ألوف الضحايا. وفي غرابة ذلك ان ادارة بوش استدانت من الصين لتخوض حرباً غير ضرورية أو مبررة، فكان ما رأينا من تدهور الاقتصاد الأميركي وجر اقتصاد العالم معه.
هذه الترليونات أهدرت مع أن بلايين قليلة يُحسن استثمارها كانت ستحل مشاكل أميركية كبرى، مثل وجود 45 مليون أميركي من دون تغطية صحية، و 15 مليوناً تحت مستوى الفقر، وكانت ستسهل مواجهة انتشار الايدز، والفقر حول العالم أيضاً.
كل ما سبق كان ممكناً ولكن ادارة بوش زرعت الريح وحصدت العاصفة، والمؤرخ الذي سيكتب وإرث الرئيس لا يمكن أن يغفل تعذيب السجناء من غوانتانامو الى أبو غريب وقاعدة باغرام، والتجسس على مهاتفات المواطنين وحساباتهم المصرفية.
في هذا الإرث يظل العراق كارثة الكوارث، وقد كتبت غير مرة عن السبب النفطي وراء الحرب مستعيناً بمعلومات أميركية مؤكدة، وربما زدت اليوم الضجيج في الكونغرس لمطالبة العراق بدفع ثمن حرب لم يسع اليها وقتلت أبناءه بعد أن اعلن مكتب المحاسبة الحكومي أن دخل العراق من النفط هذه السنة سيراوح بين 69 بليون دولار و 79 بليوناً، ما يترك فائضاً في موازنته بحوالى 50 بليون دولار، يريد المشترعون الأميركيون أن تنفق على اعادة التعمير، أي على إعادة بناء ما هدم الأميركيون، وما أفسدوا، فالعراق آخر دولة في مؤشر الفساد العالمي.
ما دمر يمكن أن يعاد بناؤه، بمال العراق أو أميركا، أو أي مال، ولكن الموتى الأبرياء لن يعودوا ودمهم على أيدي عصابة الحرب الأميركية. والواقع انني تجرأت على الحديث عن إرث جورج بوش وهو في البيت الأبيض بسبب هؤلاء الأبرياء، فالرئيس الأميركي قال حرفياً: «نقاتلهم هناك حتى لا نقاتلهم في شوارع المدن الأميركية»، وترجمة هذا الكلام، كما أفهمه أنا، هو أن جورج دبليو بوش ضحى بالعراق وشعبه البريء حتى لا يقتل أميركيون في بلادهم، ولا أرى عنصرية أكثر من هذا الكلام، وأسأل هذه الأمة النائمة ماذا كان حدث لو أن جورج بوش قتل يهوداً بدل مسلمي العراق لحماية الأميركيين من طرف ثالث.
مضى زمن المعجزات، وجورج دبليو بوش لن يجترح إرثاً قبل مغادرته البيت الأبيض في كانون الثاني (يناير) المقبل، فالنزاع الفلسطيني – الاسرائيلي ينتظر الرئيس الجديد، وخصوم ادارة بوش أقوى مما كانوا، والدكتورة كوندوليزا رايس أصرت في زيارتها الأخيرة قرب نهاية آب (أغسطس) على ان الحل لا يزال ممكناً وزادت «ان شاء الله»، اي انها أصبحت تتكلم مثلنا، ما يعني انها ستنجح بقدر ما نحن وجورج بوش ناجحون.
الحياة