سورية تراهن على عودة الحرب الباردة لفك عزلتها
لي سميث
في مراودة موسكو ونصح باريس، يبدو ان الرئيس السوري بشار الأسد مستعدا لتكرار سورية لتاريخ الحرب الباردة
بعد ان كانت دمشق قمرا صناعيا للاتحاد السوفياتي ومكونا هاما لفرنسا. وكانت اميركا في حينها ترى سورية كعربة لاضعاف الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. ولكن روسيا كانت خارج الصورة منذ سقوط حائط برلين، والرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك التفت الى ابن حافظ الأسد عندما اتهم رئيس سورية الشاب باغتيال رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري. وتبدو ان الأشياء الآن تتغير لتعود الى الطرق القديمة.
الأسبوع الماضي الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي زار دمشق وقبلها باسبوعين زار بشار موسكو في أعقاب الغزو الروسي لجورجيا، لتأكيد رغبته في توسيع علاقات بلاده العسكرية مع روسيا، كما شجب المحاولات الغربية لعزلها إثر النزاع مع جورجيا.
قال الأسد إن صراع روسيا مع جورجيا الذي تقول فيه موسكو إن الأخيرة استخدمت معدات زودتها بها إسرائيل أكد على الحاجة لأن تعزز روسيا وسورية تعاونهما العسكري.
وأضاف «التعاون العسكري والفني هو القضية الأساسية ومشتريات الأسلحة مسألة بالغة الأهمية، ويجب أن نسرع بذلك، وعلاوة على ذلك فإن الغرب وإسرائيل يواصلان الضغط على روسيا». وأوضح الأسد أن العالم يدرك الآن الدور الذي تلعبه إسرائيل ومستشاروها العسكريون في الأزمة الجورجية.
واعتبر أن الحرب التي اندلعت في جورجيا هي محاولة أخيرة لتطويق وعزل روسيا واصفا هذه المحاولات بأنها مواصلة للسياسة الأميركية التي كانت معتمدة في حقبة الحرب الباردة، مؤكدا دعم بلاده الكامل لروسيا، وقال إن جورجيا تسببت في هذه الأزمة.
وشبه الأسد أزمة روسيا مع جورجيا بالوضع الذي تواجهه سورية في لبنان. وقال الأسد: «جورجيا بدأت الأزمة، ولكن الغرب يلقي باللائمة على روسيا، في كل مكان هناك معلومات زائفة وحقائق مشوهة وهناك محاولات دولية لعزل روسيا».
لم يتضح ما إذا كان الأسد قد حقق الهدف الأساسي من زيارته لروسيا، حيث كان يبغي شراء نظام صاروخي روسي مضاد للطائرات «أس 300». وكان الرئيس السوري قد قام بزيارة روسيا في ديسمبر (كانون الأول) عام 2006 لشراء هذا النظام، ولكن رُفض طلبه، ومع ذلك فما زالت روسيا أحد مصادر الأسلحة الرئيسية لسورية منذ فترة الحرب الباردة. ومن الأشياء الأخرى التي تمثل تذكارا لفترة الاتحاد السوفياتي السابق هي قاعدة الصيانة البحرية في ميناء طرطوس السوري، حيث سوف تتجه حاملة الطائرات الروسية «الاميرال غورشكوف» في مهمة بتشجيع من الأسد. قال الأسد: «من المهم ان تلعب روسيا دورها كقوة عظمى، وحينئذ سوف تفشل كل محاولات عزلها».
اللغة التي استخدمها الأسد، والتي تذكِّر بفترة الحرب الباردة، تعطي إشارة على الضعف النسبي الذي تعاني منه روسيا وليس دليلا على قوتها، فإرسال حاملة الطائرات الوحيدة لدى روسيا (مقارنة بعشر حاملات طائرات لدى الولايات المتحدة من طراز نيميتز)، إلى سورية وعقد اتفاقية أسلحة مع إحدى الدول العربية من الحجم المتوسط يبدو قليل الأهمية إذا ما قورن بما كان في الماضي، فقد كان من بين حلفاء روسيا في المنطقة في ذروة فترة الحرب الباردة مصر والعراق ومنظمة التحرير الفلسطينية، بالإضافة إلى سورية، ومع ذلك كان الاتحاد السوفياتي السابق يخسر نقاطا كثيرة في منطقة الشرق الأوسط خلال تلك الفترة، وكان الأبرز منها حربي 1967 و1973. وهناك احتمالية ضعيفة للغاية لعودة أبرز حليفين لروسيا خلال عصر الاتحاد السوفياتي السابق في منطقة الشرق الأوسط إلى الحظيرة الروسية خلال المرحلة الحالية، فمصر والعراق، التي تحتلها الولايات المتحدة، تدوران في الفلك الأميركي. يمكن أن يسعد بشار الأسد باحتمالية عودة الدب الروسي مرة أخرى، ولكن ليس من المحتمل أن تخاطر روسيا بحرب مع الولايات المتحدة من أجل دمشق. وعلى الرغم من غضب روسيا من إسرائيل بسبب علاقاتها الدفاعية مع جورجيا، فإنه من الواضح أن موسكو لا تريد تغير طبيعة الصراع الإسرائيلي مع جبهة الممانعة. فبعد أن عرض الأسد سورية كقاعدة للصواريخ، تساءل القائم بأعمال السفير الروسي إلى إسرائيل: «لماذا يحتاج العالم إلى تعبئة الصواريخ هنا؟» وقال أناتولي يوركوف في تصريحات للصحف الإسرائيلية: «ضد من؟ ليس لدينا أي أعداء».
وما هو في متناول يد موسكو هو مساعدة دمشق على الهرب من المحكمة الدولية التي أقيمت للإعلان رسميا عن لائحة الاتهام في مقتل رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري. هذا شيء هام للنظام السوري وسلطة روسيا داخل مجلس الأمن تمكنها من إعطاء سترة نجاة لعائلة الأسد. وباختصار، فإن أكثر ما يمكن أن يقوم به الروس هو أن يلعبوا دور المفسد في منطقة الشرق الأوسط، فميزان القوى الأساسي سوف يظل كما هو، مع متغير واحد فقط هو واشنطن والرئيس المقبل للولايات المتحدة. أشارت التقارير هذا الأسبوع إلى أن دانيال كورتزر، السفير الأميركي السابق لإسرائيل ومصر وأحد مستشاري حملة أوباما، قد قام بزيارة دمشق تحت رعاية مؤتمر رعاه أحد أقارب بشار الأسد. واجتمع مع وزير الخارجية السوري وليد المعلم وحثه على السعي قدما في المفاوضات الإسرائيلية السورية بأسرع ما يمكن حتى لا يبدأ الرئيس المقبل أي كان من نقطة متأخرة جدا. وبغض النظر عن دور كورتزر تحديدا في حملة أوباما، فإن المرشح الديمقراطي لمنصب الرئيس السيناتور باراك أوباما قد بين أنه إذا انتخب رئيسا لأميركا فإنه ينوي الاتصال بالسوريين. وتعمل إدارة الرئيس بوش، ومعها في نفس الوقت بعض الشركاء الدوليين والإقليميين مثل فرنسا والسعودية، على عزل دمشق منذ الرابع من فبراير (شباط) 2005 حين قتل الحريري. ومع ذلك، فإن الرئيس الفرنسي نيكولاس ساركوزي وجد فرصة للخروج من الإجماع، الذي بناه سلفه جاك شيراك، بعد المباحثات التمهيدية بين سورية وإسرائيل. وبالنسبة لإسرائيل، فإن الهدف الإستراتيجي من المفاوضات السورية الإسرائيلية هو إحداث صدع بين سورية وإيران ومن ثمّ إضعاف جبهة الممانعة التي تواجهها إسرائيل على العديد من الجبهات. والنموذج ذي الصلة بالأحداث التي وقعت أخيرا ليست هي الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، ولكن الفترة التي تلت سقوط حائط برلين حين سعت إدارة بوش الأب للاستفادة من نهاية الصراع الذي استمر لخمسة أعوام، وعملية عاصفة الصحراء، بالوصول إلى سلام شامل بين العرب والإسرائيليين. في التسعينات من القرن الماضي، كانت الأهداف الخاصة بسورية هي نفس الأهداف المرتبطة بأي مفاوضات افتراضية في الوقت الحالي: إقناع دمشق بالوصول إلى سلام مع إسرائيل والتخلي عن دعمها لحزب الله والمجموعات الفلسطينية المعارضة والابتعاد عن إيران. وفي الواقع، فإن عملية السلام سمحت لسورية برفع مستوى التوقعات من المعسكر الغربي الذي تتزعمه الولايات المتحدة في الوقت الذي جمدت دورها كـ«عاصمة المقاومة العربية». ولم يُعرض تحالف سورية مع إيران أبدا إلى الخطر، بل في الواقع، تم تقويته عن طريق حزب الله، الذي تقدم له الجمهورية الإسلامية التمويل والأسلحة، فعن طريق حزب الله يمكن لسورية وإيران المحافظة على جبهة مفتوحة في النزاع العربي الإسرائيلي دون أن تكون هناك أي مخاطر تتهددهما. ولم يفهم الإسرائيليون والأميركيون أن السوريين لا يمكنهم التخلي عن إيران وحزب الله، فبدونهما لن تكون دمشق قادرة على القيام بالإيحاء بسطوتها في المنطقة. وبوجود حزب الله وإيران في حقيبتهم، تمكن السوريون من الحفاظ على الأميركيين والإسرائيليين على طاولة المفاوضات في الوقت الذي تصبح فيه جبهة الممانعة أقوى وأقوى.
وبأسلوبها في التعامل مع سورية، وهي دولة راعية للإرهاب، أعطت إدارتي بوش الأب وكلينتون مكافئة للإرهاب. مضت فترة التسعينات من القرن الماضي وحزب الله يشعر بالبهجة بعد انتصار المزعوم في أعقاب الانسحاب الإسرائيلي عام 2000 من لبنان، وحدثت الانتفاضة الثانية ووقعت أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001. وإذا ما عاد الرئيس المقبل إلى نموذج الدبلوماسية الذي كان متبع خلال التسعينات، فإن الطريق السوري سوف يكون أكثر خطرا، في ظل البرنامج النووي الإيراني. وكل ما يضيفه الروس إلى الخليط هو مجرد شبح حرب باردة مجددة، وليست واقعا. وبلا شك فإن الأسد يعتمد على إن موسكو ضعيفة ترفرف في جانبه، بالإضافة إلى إيران، سوف يدفعان الأميركيين والأوروبيين والإسرائيليين إلى تقديم المزيد له، في الوقت الذي لا يتنازل فيه هو عن شيء وفي نفس الوقت تنمو وتقوى فيه جبهة الممانعة. هناك حرب باردة وحيدة في منطقة الشرق الأوسط، نفس تلك التي تركتها واشنطن تحدث في التسعينات: وهي تتكون من جبهة الممانعة التي تقودها إيران والتي تحاول تقويض النظام الإقليمي الذي تتزعمه الولايات المتحدة.
لي سميث – ترجمة صحيفة الشرق الأوسط